خطبة عن (وقفات مع حديث الأَبْرَص وَالأَقْرَع وَالأَعْمَى)
نوفمبر 11, 2017خطبة عن ( واجب المسلم تجاه المظلومين والمستضعفين من المسلمين)
نوفمبر 12, 2017الخطبة الأولى ( قصة أَصْحَابِ الْجَنَّةِ دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (17):(33) القلم
إخوة الإسلام
في قصص القرآن عبرة لأولي الألباب، وهداية لأهل الرشاد، وزيادة في اليقين والإيمان ،وحديثنا اليوم إن شاء الله عن قصة قرآنية تحث على الكرم والجود ،والبذل والعطاء ، وفي المقابل فهي تحذر من الشح والبخل ،والتقتير والامساك ،وما يلحق صاحبه من اللوم والحسرة في الدنيا ، والعقاب الشديد في الاخرة ،وهذه القصة تبين أيضا للمسلم جزاء العطاء وعاقبة البخل، وأن دين الإسلام جاء بالكرم والبذل والإنفاق ومساعدة الناس ، كما تبين هذه القصة أن كثرة المال ابتلاء يوجب الشكر، وأن كفر النعمة سبب لزوالها . وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا » ،وفي القصة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،حينما كذبه قومه ،وقد أنعم الله عليهم ببعثته ، وأنعم عليهم بنعمة المال والجاه والولد ، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف ، فكما أن الله عاقب من كفر بنعمته من أصحاب الجنة ،فإن قومك يا محمد ، إن لم يشكروا نعمة الله عليهم ، فلا يزالون معرضين للعقاب .
أيها المسلمون
وتبدأ أحداث القصة بقوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) أي: يا محمد، إنا بلَوْنا أهل قريش كما بلوْنا أصحاب الجنة. فأهل قريش، الذين كفروا برسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – مع أنَّ الله – تعالى – أنعم عليهم ببَعثته – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيهم هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وأنعم الله عليهم بالمال والجاه، والولَد والسِّيادة، وأطعمهم مِن جوع، وآمنَهم من خوف، لكنهم لم يُقدِّموا لذلك شُكرًا. وأصحاب الجنة هم فتية ورثوا جنتهم وبستانهم وحديقتهم بعد وفاة أبيهم ، ذلك الرجل الصالح ، الذي كان ينفق ماله في سبيل الله ، ويعطي حق الفقراء من ثمار جنته ، فبارك الله له في ماله ، وزاده من فضله ، فبعد موت أبيهم حَملت جنَّتُهم في تلك السَّنة من الثمار والزروع حملاً لم تكن حملَتْه مِن قبل، فلمَّا نظروا إلى الفضل والنعيم والخير العميم طَغَوا وبَغَوا، وقال بعضُهم لبعض: لقد كان أبونا رجلا أحْمَق؛ إذْ كان ينفق من هذه الثمار على الفقراء، فدَعُونا نتعاهد فيما بيننا ألاَّ نُعطيَ أحدًا من الفقراء والمساكين في عامِنا هذا شيئًا؛ حتى نَستَغنِيَ وتَكثر أموالنا ، فقال أوسطهم أي أعقلهم وأقرب الأبناء شبها بابيه الصالح ، قال لهم : سيروا فيها بسيرة أبيكم ، فرفضوا ، قال تعالى : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ) لقد أقْسموا على قَطْف ثمارِ مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئًا منها، وتعاهَدُوا على ذلك، ورَفَعوا شعارًا: “لا للفقراء بعدَ اليوم، لا للمساكين بعدَ اليوم، لا للمحتاجين بعدَ اليوم”. ولقد غفَل هؤلاء عن أنَّ الله يَسمع سِرَّهم ونجواهم، وأنَّ الله علاَّمُ الغيوب، ولقد غاب عنهم أنَّ الله – سبحانه – يُثِيب أصحابَ القلوب الطيِّبة، الذين في قلوبهم رِقَّة ورَأفة ورحمة للمؤمنين، ويرْحم الله من عباده الرُّحماءَ ويثيبهم. كما غاب عن أصحابِ الجنة الذين يُدبِّرون ويُخطِّطون لحرمان الضعفاء والمساكين – أنَّ الجزاء مِن جنس العمل؛ فمَن أكرَمَ الناس أكرَمه الله، ومَن حرَمَهم حرَمه الله، ومَن منعهم الخير منعه الله، فجزاءُ سيِّئةٍ سيئةٌ مثلُها. قال تعالى : (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) ،نعم وهم نائمون جاء الأمرُ الإلهي بتدمير جميع ثمار ذلك البُستان، ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ ، قيل: إنَّ سيدنا جبريل – عليه السلام – اقتلعها، وقيل: أصابتها آفةٌ سماوية، وقيل: أنَّ الله أرسل عليها نارًا من السماء فاحترقت. وقال ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾: “صارتِ الجنة محترقةً كالليل المظلِم”. وهكذا تحولت الجنة في لحظات قليلة من جنة خضراء يانعة بالثمار ، إلى سوداء مظلمة ملآى بالحطام. لقد أحرقها طائف الرب سبحانه وتعالى في الليل وهم نائمون . فالله سبحانه وتعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، وما كان ليغفل عن تدبير خلقه، وإجراء سننه في الحياة. فقد أراد الله أن يجعلهم آية من آياته.. وأن يعلم الإنسان بأن الجزاء حقيقة واقعية، وأنه نتيجة عمله. ومن جنس عمله ،حدث كل ذلك في الليلة التي قرروا فيها جمع المحصول وجني الثمار ، وحرمان الفقراء والمساكين ، قال تعالى : (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ )
ففي الصباح الباكر نادَى بعضُهم على بعضٍ : أنْ هلُمُّوا لتنفيذ المخطَّط الذي أجمعنا عليه، ثم تحرَّكوا في تسَتُّر وصمت كاملَيْن؛ حتى لا يُدرِكَهم أحد من الفقراء والمساكين، فيتبعهم إلى البستان؛ أمَلاً في الحصول على شيء مما يجمعون، كما كانوا ينالُون ذلك على زمان أبيهم مِن قَبلُ. هكذا خرجوا من بيوتهم وهم مصرون على منع الفقراء وكانوا يتناجون ويتسارون بالحديث حتى لا يشعر بهم أحد من الفقراء ، فيأتي إليهم وهم يجمعون ثمارهم ، وهنا كانت المفاجأة التي لم تخطر لهم على بال ، قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ، فلما أصبحوا على مشارف بستانهم ، ورأوا جنتهم قد أحرقت ثمارها وأشجارها ، وأصبحت سوداء كالليل المظلم ، هنا أخذ يسأل بعضهم بعضا من شدة الهول والجزع : أهذا بستاننا؟، وكيف أصبح هكذا وقد تركناه بالأمس مورقا بأشجاره، وافرا بثماره ؟ ما نظن هذا بستاننا؟؟ وإننا ضالون عن الطريق والمكان ؟. وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر ، فكم من إنسان أمسى ونام وهو يملك ما يملك وأصبح وما يملك شيئا ،وكم من إنسان كان يملك ثروات ولكن بسبب ذنوبه ضاع كل شيء ،وكم من إنسان كان يملك عقارات وسيارات وبسبب أكله للربا ضاع منه كل ما يملك ، وكم من إنسان رفض أو تهرب من إخراج الزكاة ، فضاع ماله كله ، هنا قال أوسطهم: “بل هي جنتكم، حرمتم منها قبل أن يحرم منها الفقير ، وجزاكم الله على بخلكم وشحكم” فأقبل بعضهم يلوم البعض الآخر، فالأول يقول: “أنت أشرت علينا بمنع المساكين”، ويقول الآخر: “بل أنت زينت لنا حرمانهم”، فيجيبه أحدهم: “أنت خوفتنا الفقر”، ويقول آخرهم: “بل أنت الذي رغبتنا بجمع المال” ثم قالوا: (إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ) ، هكذا أدركهم الله تعالى برحمته عندما أظهروا استعدادهم للتوبة ، فقيل أنهم دعوا الله وتضرعوا وتابوا إليه ، فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خيرا منها، فيا أهلَ الأموال، ويا أهلَ الثِّمار، ويا أهلَ الكنوز، إيَّاكم وكُفرانَ النِّعمة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة أَصْحَابِ الْجَنَّةِ دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الدروس والعبر المستلهمة من قصة أصحاب الجنة : – لو أن الله أخر العقاب إلى يوم القيامة فقط ، لهلك كثير من الناس ، ففي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِىَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ ». وقصَّة أصحاب الجنة ما هي إلا رسالة من الله تعالى يُذكِّر عباده فيها: إنَّ كلَّ مَن ينفق مالَه في سبيل الله، ويعطي حقَّ الفقراء والمساكين، فإنَّ الله يبارك له في ماله ونفسه وعِياله، كما فعَل مع الرجل الصالح صاحبِ الجنة. وإنَّ كل أمَّة تَمنع الزكاة، وكلَّ غنِيٍّ يَبخل بأمواله عن الفقراء، وكل مَن يتفَنَّن في الهروب مِن إخراج الزكاة، فعقوبتُه الهلاك والدَّمار، وضياعُ المال – كما حصل للأبناء من أصحاب الجنة.
فيا أهلَ الأموال، ويا أهلَ الثِّمار، ويا أهلَ الكنوز، ويا من أنعم الله عليكم بنعمه ، تذَكَّروا أنَّ الله هو الذي أنعَم عليكم بهذه النِّعم، فإيَّاكم وكُفرانَ هذه النِّعمة، واشكروا الله، وأدُّوا ما فَرض عليكم، وتذكَّروا قوله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]
الدعاء