خطبة عن الصحابي (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ)
ديسمبر 2, 2017خطبة عن المسلم يحب كل جميل (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)
ديسمبر 2, 2017الخطبة الأولى (الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ( 83 القصص ) ،وقال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. ( 18 لقمان) ،وقال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ) (الأعراف 146) ، وقال تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر 35) ، وقال تعالى: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل 23)، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ ».
إخوة الإسلام
الكِبْر صفةٌ مذمومةٌ ، وخلق سيئ ، وقد نهى الله عنه في القرآن الكريم ، وحذر منه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ،وذلك لأن الكبرياء والعظمة صفتان تختصان بالله العلي العظيم ، قال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الجاثية: 37]؛ أي: يعظمه أهل السموات والأرض.وعند أحمد وأبي داود وصححه الألباني (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْنِى « قَالَ اللَّهُ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَن نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ جَهَنَّمَ » ،وعند مسلم :(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ». وعند أحمد وأبي داود والنسائي من حديث عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: « سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ »
ومن أتصف بالكبر فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب ، إن لم يتب صاحبها فهو على خطر عظيم ، ففي مسند أحمد (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلاَثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْغُلُولِ وَالدَّيْنِ – قَالَ بَهْزٌ – وَالْكِبْرِ » ،والكبر كما بين النبي صلى الله عليه وسلم معناه بقوله : «الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». وقال الغزالي: “هو استعظام النفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير”.
أيها المسلمون
وللكبر مظاهر وعلامات يعرف بها المتكبرون ، فمن مظاهر الكبر وعلاماته : عدم قبول الحق ، والانصياع له ، بل ورده على القائلين به، وذلك كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: « الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ». ومن مظاهر الكبر وعلاماته : احتقار الناس وانتقاصهم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :« وَغَمْطُ النَّاسِ » أي احتقارهم ، وسوء معاملتهم ،والغلظة معهم؛ وذلك لأن المتكبر يرى أنه فوق الناس، وأن له حقًّا عليهم، إما بمال كبعض الاغنياء، أو بجاه كبعض أصحاب المناصب والوجهاء ، ومن مظاهر الكبر وعلاماته : أكل حقوق الناس بالباطل: وذلك لأن المتكبر يرى أنه لا أحد يقوى عليه، وأنه يستطيع إنفاذ ما يريد.ومن مظاهر الكبر وعلاماته : رؤية النفس بأنها خير من غيرها؛ فالمتكبر يرى في نفسه خيرًا عظيمًا، وأنه أفضل من الناس ومن مظاهر الكبر وعلاماته : الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران،
أما عن علاج الكبر ، فهناك عدة أمور تعين بعد توفيق الله تعالى على التخلص من هذا الداء داء الكبر، منها: تذكر نعمة الله تعالى عليك؛ فإن العبد إذا تذكر أن كل ما فيه من ميزات وخيرات إنما هو من نعم الله تعالى قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، ومن سبل ووسائل علاج الكبر : الاقتداء بهَدْي النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه؛ وذلك بقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع الصبيان فيسلم عليهم ويمازحهم، ومع الجارية فيقضي حاجتها، ومع الأعراب بلينه معهم، ومع أهل بيته فيكون في مهنتهم، ومع أصحابه فيشاركهم العمل، ومن سبل ووسائل علاج الكبر : تذكر الآخرة، وأن مآلك إليها، فاستعد لها، وتأمل من هم أهل النار، كما في قوله صلى الله عليه وسلم «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ » ، وفي صحيح مسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « احْتَجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالَتْ هَذِهِ يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ – وَرُبَّمَا قَالَ أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ – وَقَالَ لِهَذِهِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ».
أيها المسلمون
وللكبر عواقب وخيمة ، ونتائج مفزعة ، ونهايات مقلقة ، فمن عواقب الكبر: أن الكبر سبب في الصد عن الطاعة: قال الله تعالى عن إبليس: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، وقال تعالى عن فرعون: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39]، وأقوام الأنبياء الذين عارضوا الرسالة وردوها؛ ففي قوم صالح قال الله تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 76]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن عواقب الكبر : أن الكبر سبب في الطبع على القلب بالغفلة والبعد عن الله تعالى: قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35]. ومن عواقب الكبر : أن الكبر يبعد الإنسان عن صفات المقربين لله جل وعلا ،قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [السجدة: 15]. ومن عواقب الكبر : أن الكبر سبب للطرد من الجنة ودخول النار: ودل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ) رواه مسلم ، وقال تعالى: ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [النحل: 29]، ومن عواقب الكبر : أن المتكبرين يجازَوْن يوم القيامة من جنس أعمالهم، فكما تكبروا في الدنيا سيصيبهم الذل يوم القيامة، ولهم عصارة أهل النار، ففي سنن الترمذي بسند حسن :(عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ ». ومن عواقب الكبر : أن الكبر سبب في صرف الإنسان عن الاتعاظ والاعتبار بالعبر والآيات: قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146]. ومن عواقب الكبر في الدنيا ، قد يكونا سببا في العذاب والخسف : ففي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِى فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». ومن عقوبات المتكبرين في الآخرة ،أنهم يحشرونَ كأمثالِ الذرِّ (أي النمل الأحمر الصغير) على صور الرجال يطؤهم الناس بأقدامهم ولا يموتون وذلك بعد أن ذاقوا الموت في الدنيا.
أيها المسلمون
احرصوا على تصفية قلوبكم من هذا الداء المفسد ،وهذه الصفة المذمومة. ومن كان على هذا الخُلُقِ الذميم فليداوِ نفسه الأمارة بالسوء بخدمة الفقراء والمحتاجين من المسلمين وبتركِ التعالي عليهم ، والالتزامِ بقَبولِ الحق سواء أكان صادراً من كبير أو صغير، أو حقير أو أمير، ولا يخفى ما في منزلة التواضع من شرف عظيم وقدر رفيع، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ » رواه مسلم. وكان رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي دُعَائِهِ ، وهو سيد المتواضعين وإمام المتقين ، « اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِى مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ ». رواه الترمذي وابن ماجة.
الدعاء