خطبة عن ( واجب المسلم تجاه المظلومين والمستضعفين من المسلمين)
نوفمبر 12, 2017خطبة عن الصحابي (طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ)
ديسمبر 2, 2017الخطبة الأولى ( جبر الخواطر ، وتطييب النفوس )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) 139: 140آل عمران
إخوة الإسلام
جبر الخواطر ، وتطييب النفوس ، خلق كريم ، وصفة من صفات المؤمنين، وهو عبادة جليلة ، وسهلة وميسورة ، أمر بها الدين ، وتخلق بها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، ومن أسماء الله الحسنى ، وصفاته العُلى 🙁 الجبار) ، وقد جاء في تفسير السعدي: (الجبار) هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه ، ومما يدل على جبر الخواطر وتطييب النفوس في القرآن الكريم ، قوله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يوسف15 ،فكان هذا الوحي لتثبيت يوسف ولجبر خاطره؛ فإنه ذاك المظلوم الذي أوذي من أخوته، فالذي يؤذى ويظلم يحتاج إلى جبر خاطر، ومن ثَم شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة. وفي قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} القصص85 ، قَالَ مُقَاتِلٌ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَارِ لَيْلًا مُهَاجِرًا إلى المدينة في غير طريق مَخَافَةَ الطَّلَبِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الطَّرِيقِ وَنَزَلَ الْجُحْفَةَ عَرَفَ الطَّرِيقَ إِلَى مَكَّةَ فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:” إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ” أَيْ إِلَى مَكَّةَ ظَاهِرًا عَلَيْهَا. ومنها قوله تعالى أيضاً : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) ، ففِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [إبراهيم: 36] ، وقول عيسى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي) وَبَكَى. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجِبْرِيلَ: (اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ) فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجِبْرِيلَ: [اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: إِنَّا سنرضيك في أمتك وَلَا نَسُوءُكَ].
ومن صور جبر الخواطر ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ ” ،ولما أصاب المسلمين ما أصابهم يوم أحد ، من حزن وألم ، ووهن وجراح ، جبر الله نفوسهم الكسيرة ، وطيب خواطرهم الجريحة ، وذكرهم الله تعالى بانتصاراتهم السابقة في بدر، وبين لهم أن ما أصابهم كان بقدر الله ،وسنة من سنن الحياة ،ولحكمة أرادها الله ،فقال الله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (139) :(142) آل عمران
وجبر الخواطر وتطييب النفوس كانت له صور متنوعة ، ومواقف متعددة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فها هو صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر أحد أصحابه لما وجده حزينا ومتألما على فقد أبيه ، وقد ترك ديونا أثقلته ، ففي سنن الترمذي بسند حسن ( أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّى أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ ».
وفي موقف آخر، فها هو صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر أحد أصحابه ويطيب نفسه لما علم منه أنه غير جميل في صورته ، وشأنه وضيع بين الناس ، ففي مسند أحمد (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِراً وَكَانَ يُهْدِى لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ زَاهِراً بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ ». وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّهُ وَكَانَ رَجُلاً دَمِيماً فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلاَ يُبْصِرُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ لاَ يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ عَرَفَهُ وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ يَشْتَرِى الْعَبْدَ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذاً وَاللَّهِ تَجِدَنِي كَاسِداً. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ». أَوْ قَالَ « لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ » هكذا يطيب الرسول صلى الله عليه وسلم نفس صاحبه ويجبر خاطره بقوله صلى الله عليه وسلم له: « لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ». أَوْ قَالَ « لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ »
ويجبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خواطر اليتامى ويطيب نفوسهم بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري :« أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ) ،وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر كل كسير ، صغيراً كان او كبيراً ،رجلاً كان او امرأة ، فكان الكل يأوي إليه والكل يسعى لديه ، وها هو يجبر خاطر ذلك الطفل الأنصاري الذي فقد عصفوره : فيقول له مداعبا : ( يا أبا عمير، ما فعل النغير)
وهو القائل للأنصار وقد وجدوا في أنفسهم أن لم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة ( فكَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ ….فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ؟ قَالُوا : بَلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ . قَالَ : أَلاَ تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قَالُوا : وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ . قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ ، وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ ، وَعَائِلاً فَآسَيْنَاكَ ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا ، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا ، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلاَمِكُمْ ؟ أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا ، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ قَالَ : فَبَكَى الْقَوْمُ ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ ، وَقَالُوا : رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قِسْمًا وَحَظًّا ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا ) ( رواه احمد ) .
وهو القائل لفقراء المهاجرين حين جاؤوه مكسوري الخاطر وقالوا : يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: ” أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رواه مسلم. وفي سنن أبي دواد (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِى أَرَاكَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ فِى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى ).
كما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر جبراً لقلوب الفقراء وإعزازاً لهم عن ذل السؤال في يوم العيد ، وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يجبر قلوب الضعفاء والمساكين فكانت الجارية أو الأمَةُ مِنْ إماءِ أهْلِ المَدِينَةِ تَأْخُذُ بِيَدِه فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شاءَتْ، بل إنه جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه، ونتمنى لقاءه ورؤيته ، فقال فيما رواه أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَدِدْتُ أَنِّى لَقِيتُ إِخْوَانِي ». قَالَ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ قَالَ « أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي ». وهذا عروة بن الزبير رجع من سفر، مات ولده بالعين، وقطعت رجله بالغرغرينا، وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، فسمع إبراهيم محمد بن طلحة بما حصل لعروة بن الزبير، فذهب إليه يواسيه، فقال: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضاءك، وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض -إن شاء الله-، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، من علمك ورأيك، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك،
هكذا رغب الاسلام في جبر تلك القلوب المنكسرة ومواساة اصحابها والتخفيف من آلامهم ومشاركتهم احزانهم وافراحهم، فحث على الصدقة لمساعدة الفقراء وفرض الزكاة لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وأمر بإجابة الدعوة ،وعيادة المريض ،وعتق الرقاب والاصلاح بين الناس، وأمر بزيارة الارحام ،وتفقد الأيتام ،وتعزية أهل المصائب ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( جبر الخواطر ، وتطييب النفوس )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل ونبل محتد وكرامة أصل ، وأصالة معدن وشهامة مقدرة ورجولة مباركة ، فتطييب النفوس المنكسرة وجبر الخواطر من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المؤمنين، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة. وكل منا يتعرض في حياته للهموم والكروب ، والضيق والاحزان ، ويصبح بحاجة إلى من يأخذ بيده ويجبر بخاطره ويمسح عن قلبه غاشية الحزن ويرفع عن صدره جاثمات الكرب ، فجبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخر ورفع همته وتهوين مصيبته وإقالة عثرته والأخذ بيده حتى يقف على قدميه ، فما أجمل وأنت في غمرة الحزن أن تمتد إليك يد تسعفك ، أو تسبق إلى أذنك كلمة تشد من ازرك وتسعدك ، وتهون من امر المصيبة وتنجدك ، وجبر الخواطر ، وتطييب النفوس له أساليب متعددة ، ومواقف متنوعة ، وتطبيقه سهل ميسور ، فمثلًا إذا دخلت إلى مكتبك يومًا، وجاء إليك العامل بقهوتك، فشكرته وتبسمت فى وجهه، فأنك تكون حينها قد جبرت خاطره.وإذا ما احتاج زميل في العمل للمساعدة، وتبرعت بمساعدته فقد جبرت خاطره، وإذا ما رأيت شخصا، وأشدت بجمال مظهره، حتى وإن كنت لا تراه جميلًا، فهذا يندرج تحت جبر الخواطر.وعندما ترى شخصًا، وقد حقق إنجازًا ما فى حياته، حتى وإن كان من وجهة نظرك لا يعتبر إنجازًا بالمعنى المفهوم، وهنأته وشجعته، فهذا جبر خواطر.وعندما تقول لزوجتك «شكرًا» لتحملها مسئولية البيت والأطفال، فذلك جبر خواطر، وعندما تقولين لزوجك «شكرًا» لأنه يجد ويكافح من أجل توفير حياة كريمة للأسرة وإسعادها فذلك أيضًا جبر للخواطر. والابتسامة جبر خواطر، والكلمة الطيبة جبر للخواطر، ومساعدة الغير لمجرد أنك قادر على المساعدة جبر خواطر.
ألا فطيبوا الخواطر بما استطعتم ، ولا تدخروا في ذلك جهداً ،لأن ذلك فيه شعور بالسعادة ، وفيه فتح لباب البر والاحسان، فما اجمل ان نواسي من حولنا ،ونجبر خواطرهم، وخاصة عند حدوث المحن والكروب ، لعل الله يجبر خواطرنا ،ويديم علينا النعم ، ويجزينا المزيد
الدعاء