خطبة عن حديث ( والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ)
ديسمبر 9, 2017خطبة عن حديث ( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ )
ديسمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( قصة أَصْحَاب الْكَهْفِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
، قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) …الآيات (9) : (15) الكهف
إخوة الاسلام
يقول الله تعالى في كتابه العزيز : (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176، فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر من أخبار السابقين، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم ،واليوم -إن شاء الله- موعدنا مع : (قصة أَصْحَاب الْكَهْفِ ) ، ففي زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة، ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم، ومع ذلك ،كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء، بل ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يتقرب إليها بالعبادة ، قال تعالى : (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) الكهف (15) ، في هذا المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء، وثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير الله خالقها، إنهم فتية، آمنوا بالله، فثبتهم الله وزادهم هدى ، وألهمهم طريق الرشاد. هؤلاء الفتية المؤمنون، ثبتوا على دين الحق، لما شاع الكفر والشرك في قومهم، وانتشر الباطل والبغي في ديارهم ، ففروا من قومهم خشية الفتنة في دينهم ، وقد سُمُّوا أصحاب الكهف، وذلك نسبة إلى الكهف الذي استخفوا فيه، وظلوا فيه إلى ما شاء الله. وهؤلاء الفتية الذين وفقهم الله ، وألهمهم الإيمان ، فعرفوا ربهم ، وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان ، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم ، فقالوا :{ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } الكهف 14، أي : إن دعونا غيره فقد قلنا {شَطَطًا} أي : زورا وبهتانا وظلما .
وهؤلاء الشباب اجتمع فيهم الإيمان والفتوة، وتحققت لهم الهداية والثبات، وسلمت قلوبهم من الحيرة، وامتلأت شجاعة وسكينة، وآثروا رضا الله على زينة الحياة ومتعها، فقلوبهم وأجسادهم تلجأ إلى ربها في كهفها حين يعز عليها أن تعيش به بين الناس ، لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقوامهم، وإنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله، قال الله تعالى : (لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) ، ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية ،لمكان آمن يعبدون الله فيه، فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون. وهكذا اضطروا للهجرة ، لإنقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعدادًا ، وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إليه ثمَّ كان قرارهم: ﴿…فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ﴾ الكهف 16. عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم، وتركوا الدنيا الواسعة الملوثة ،والتي كانت سجناً لأرواحهم ،وذهبوا إلى غارٍ مظلم جاف ،خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسعة، للكهف الضيق، وتركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. وهذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه، فالمؤمن يرى الصحراء روضة ،إن أحس أن الله معه، ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له أنيسا، وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضا الله، وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها. ولما دخلوا ذلك الغار ، وهذا الكهف الضيق داخل الجبل ، توجهوا بدعائهم إلى الله ، مدبر الأمر ، قال الله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) الكهف (10) ،فاستلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه، وهنا حدثت المعجزة الإلهية. قال الله تعالى : (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا) الكهف (11) ، لقد نام الفتية ثلاثمائة وتسع سنوات، قال الله تعالى :( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) الكهف (25) وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها لا في أول النهار ولا آخره. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، قال الله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) الكهف (17) ، أصبح الفتية نياما في كهفهم ، وكان الناظر إليهم يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم. قال الله تعالى :( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) الكهف (18) ،ولما أراد الله أن يبعثهم ،بعد كل هذه المدة الطويلة، إذن الله لهم بالبعث من رقادهم ، فاستيقظوا من سباتهم الطويل، يقول الله سبحانه : ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ) الكهف 19، فهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم، وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم، فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. ولكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم. فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد، فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم، وقد يخيرونهم بين العودة للشرك ، أو الرجم حتى الموت. قال تعالى : (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) الكهف (19) (20) ، خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها، لقد تغيرت الأماكن والوجوه، وتغيّرت البضائع والنقود، فاستغرب الرجل : كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة؟. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل، ولم يكن صعبا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ، ونقوده التي يحملها. قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا) الكهف 21، لقد آمنت المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات، وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية بقدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، وبرؤية مثال واقعي ملموس أمامهم. هنا قبض الله أرواح الفتية، فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمنهم من دعا لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد ، قال تعالى : (إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) الكهف (21)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة أَصْحَاب الْكَهْفِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده؟ هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين؟ هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم؟ كل هذه أمور مجهولة لنا، إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر، فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أحياهم بعد أكثر من ثلاثمائة سنة ، ليرى من عاصرهم قدرة الله على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل.
أيها المسلمون
وفي أحداث هذه القصة دروس وعبر وفوائد متعددة ، ومنها :أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة ، فليست من أعجب آيات الله ؛ فإن لله آيات أخرى عجيبة ، وفيها عبرة للمعتبرين .ومن الفوائد والدروس والعبر : أن من أوى إلى الله أواه الله ، ولطف به ، وجعله سببا لهداية الضالين ; فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ، إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم ، وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله ، وتنوع إحسانه ، وليعلم العباد أن وعد الله حق .ومنها : الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها ؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك ،ثم بعلم الناس بحالهم ، حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها . ومن الفوائد والدروس والعبر : الحث [ على ] التحرز والاستخفاء ، والبعد عن مواقع الفتن في الدين ، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر . ومن الفوائد والدروس والعبر: بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين ، وفرارهم من كل فتنة في دينهم ، وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في سبيل الله . ومن الفوائد والدروس والعبر: أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك فيه ، لقوله تعالى :{ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا } الكهف الدعاء