خطبة عن حديث ( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا )
ديسمبر 16, 2017خطبة عن ( حَلاَوَة الإِيمَانِ وطَعْمه)
ديسمبر 16, 2017الخطبة الأولى ( اسم الله (الصَّبُوْرُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:“ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى التي وردت في السنة النبوية : اسمه سبحانه (الصَّبُوْرُ ) ، والصبور اسم من أسماء الله تعالى، وقد ورد في أسمائه التسعة والتسعين في رواية الترمذي والبيهقي وابن حبان ، وهو غير وارد في القرآن الكريم ،ولكنه ثبت في السنة ، وممن عده من جملة الأسماء الحسنى من أهل العلم : الخطابي ، والحليمي ، والبيهقي ، وابن العربي ، والقرطبي ، وابن القيم ، وغيرهم ، وقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ». وفي رواية لمسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ ». وقال الخطابي رحمه الله : ” الصَّبُوْرُ: هُوَ الذِي لَا يُعَاجِلُ العُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، بَلْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى أجَلٍ مُسَمَّى ، وَيُمْهِلُهُم لِوَقْتٍ مَعْلُوْم. وقال المناوي في فيض القدير: والصبور الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة ،أو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه. وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته :
وهو الصبور على أذى أعدائه ** شتموه بل نسبوه للبهتان
قالوا له ولد وليـــــس يعيدنا ** شتما وتكذيبا من الإنسان
هذا وذاك بسمعه وبعلمه ** لو شاء عاجلهم بكل هوان
لكن يعافيهم ويرزقهم وهم ** يؤذونه بالشرك والكفران
فالله سبحانه وتعالى هو الصبور ،الذي يملي ويمهل، وينظر ولا يعجل ولا يعاجل، ولا يسارع إلي الفعل قبل أوانه، وينزل الأمر بقدر معلوم، ولا يؤخره عن أجله. وربما كان معنى الصبور هو الذي يسقط العقوبة بعد وجوبها .. وقد يكون معنى الصبور: ملهم الصبر لجميع خلقه. وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة جداً تتحدث عن مدلول هذا الاسم الذي ورد في السنة ولم يَرِدْ في القرآن الكريم صراحةً ، قال الله تعالى:﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ﴾ فاطر (45)والصبور: هو الذي إذا قابلته بالجفاء قابلك بالعطاء والوفاء ، وهو الذي يسقط العقوبة بعد وجوبها ، وهو ملهم الصبر لجميع خلقه ، وصبر الله سبحانه وتعالى صبر مع كمال العلم والقدرة والعظمة والعزة، وهو الصبور وحده سبحانه القادر على أن يصبر على من يؤذيه ويكفر به ، روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ». وهو يصبر على من يقوم بتعذيب أنبيائه وأوليائه، قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) «الرعد، 32»، والله سبحانه وتعالى صبور ، فلا يأخذ الإنسان بذنبه مباشرة، ولكنه يعطيه الفرصة للتوبة، وهذا دليل على رحمة الله، لأنه عز وجل إذا عاقب كل إنسان على ذنبه لاستحق الجميع العقوبة، لأن البشر من طباعهم التقصير والمعصية. قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل (61) ، وقال تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا)، «الكهف، 58».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اسم الله (الصَّبُوْرُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال السعدي: الصبر الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى، لا مثيل له من الصبر، فهو صبر في كمال قوة وحكمة وحلم وعظيم القدرة والبطش، في مقابلة غاية الإساءة والأذية من الخلق، الذين نواصيهم بيد الله، وليس لهم خروج عن قدرته، وأقواتهم وأرزاقهم وجميع ضروراتهم وحاجاتهم متعلقة بالله، ليس لشيء منها حصول إلا من جوده وخزائنه، ومع ذلك، فهو يعافيهم ويرزقهم، ولا يقطع عنهم بر في جميع اللحظات، ومع ذلك يفتح لهم أبواب التوبة، ويسهل لهم طريقها، ويدعوهم إليها، ويخبرهم أنهم إن تابوا محا عنهم الخطايا العظيمة، وأدر عليهم النعم الجسيمة، فسبحان الحليم الصبور ، وقال ابن تيميه: «وكل الذين يؤذون الله ورسوله هو الذي مكنهم، وصبر على أذاهم بحكمته، فلم يفتقر إلى غيره، ولم يخرج شيء عن مشيئته، ولم يفعل أحد ما لا يريد. وتأخير العقوبة هو مدلول اسم الصبور، وتعني الآيات أنه كان لزاماً أن ينزل الله بالعصاة أشد العقاب، وأن ينهيهم ويبيدهم، ولكن كلمة سبقت من الله عز وجل هي التي تجعل العقوبة متأخرة، هذه الكلمة هي «إن رحمتي سبقت غضبي»، ففي البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِى » فالله عز وجل يعطي الناس فرصة ليتوبوا، وليرجعوا وينيبوا ليصححوا ويستغفروا، فتأخير العقاب مدلول اسم الصبور.
أيها المسلمون
ومن الآثار الإيمانية لاسم الله الصّبور في سلوك العبد المؤمن وعقيدته : أن المؤمن عندما يدرك اتصاف الله تعالى بالصبر فلا يعاجل العصاة بالانتقام منهم ويمهلهم لوقت معلوم، فإن هذا كله يفتح له باب الرجاء ويحثه على الإنابة إلى الله تعالى. قال الإمام ابن القيم: وأما صبره سبحانه فمتعلق بكفر العباد وشركهم، ومسبتهم له سبحانه وأنواع معاصيهم وفجورهم فلا يزعجه ذلك كله إلى تعجيل العقوبة بل يصبر على كيده، ويمهله، ويستصلحه ويرفق به، ويحلم عنه، حتى إذا لم يبق فيه موضع للضيعة، ولا يصلح على الإمهال والرفق بالحلم ولا ينيب إلى ربه ولا يدخل عليه لا من باب الإحسان والنعم، ولا من باب البلاء والنقم أخذه أخذ عزيز مقتدر بعد غاية الإعذار إليه، وبذل النصيحة له ودعائه إليه من كل باب، وهذا كله من موجبات صفة حلمه، وهي صفة ذاتية له لا تزول ((عدة الصابرين)) ، ومن مقتضى الإيمان بهذا الاسم الكريم أن يصبر العبد ويتصبر ويصابر، وقد أمر الله بذلك فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ) [آل عمران: 200] ، فأمر سبحانه بالصبر على ما يخصه ،وعلى مصابرة الأعداء ،والمداومة على الصبر حتى يتخذه إلفاً وصاحباً وخلاً ومؤانساً، وقد أخبر الله تعالى أنه يحب الصابرين ،وأنه مع الصابرين ، وأنه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر الصابرين ،
الدعاء