خطبة عن (اسم الله (الصَّبُوْرُ)
ديسمبر 16, 2017خطبة عن ( الجليس السوء )
ديسمبر 16, 2017الخطبة الأولى ( حَلاَوَةَ الإِيمَانِ وطَعْمَه)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين واللفظ للبخاري :(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ ، لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ ، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا » ،وروى مسلم في صحيحه :(عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً »
إخوة الإسلام
حَلَاوَة الْإِيمَانِ :هي اسْتِلْذَاذُ الطاعات ،وتحمل المشقات ،في رضى اللَّهِ تعالى، وطاعة لرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- خير البريات، وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا الفانية ، وحلاوةَ الإيمانِ ولذةَ الطاعةِ ، نِعْمةٌ لا تُذاقُ إلا بالجنانِ، ولا يَستطيعُ أنْ يُعبِّرَ عنها اللسانُ، فهي نعمةٌ لا يُدرِكُها ولا يَعرفُ قيمتَها إلا مَنْ ذَاقَها ،وأَحَسَّ بها ، وعاشَ معها، وهي لذةٌ لا يَستشعرُ أثَرها إلا مَنْ تَذوَّقَ طعمَها، وَوَجدَ طِيبَ العيشِ في ظِلِّها. فالإيمان بالله تعالى له حلاوةٌ، ولا يتذوق طعمها إلا المؤمنون الصادقون ،الذين يتصفون بصفات تؤهلهم لذلك، وليس كل من ادعى الإيمان يجد هذه الحلاوة. وحلاوة الإيمان تسري سريان الماء في العود، وتجري جريان الدماء في العروق , فيأنس بها القلب ،وتطمئن بها النفس , فلا يحس معها المرء بأرق ولا قلق ولا ضيق, قال تعالى ” فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) الأنعام 125،
أيها المسلمون
وحلاوة الإيمان لا بد لها من أصول وشروط , فعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ). أخرجه مسلم ، وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , فعنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً). أخرجه مسلم ، وحلاوةِ الإيمان وطَعم السّعادة : في الرّضَا بالله عزّ وتبارك ربًّا، ومدبّرًا، فهو القائمُ على كلّ نفسٍ بما كسبَت، وهو رحمنُ الدنيا والآخرة ورحيمُهما، قيّوم السماوات والأرضين، خالق الموتِ والحياة، مُسْبغُ النِّعم، مجيب المضطرّ إذا دعاه، وكاشف السّوء ، فهو الذي سوّى الإنسان، ونفخ فيه من روحِه، وأطعمَه من جوع، وكسَاه من عُري، وآمنه من خَوف، وهداه مِن الضّلالة، وعلّمه من بَعد جَهالة. فالإيمانُ بالله هو سكينةُ النّفس ،وهداية القلب، وهو منارُ السّالكين ،وأمَل اليائسين ، وأمانُ الخائِفين ،ونُصرة المجاهدِين، وهو بشرَى المتّقين ،ومِنحَة المحرومين. ومذاقُ الحلاوة الثّاني ـ هو ـ الرّضا بالإسلام دينًا، دينٌ من عندِ الله، أنزله على رسوله، ورضيَه لعبادِه، ولا يقبَل دينًا سواه. ومذاقُ الحلاوةِ الإيمانيّة الثالث: هو الرّضا بمحمّد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبيًّا، فهو سيدنا محمّدٌ النّاصح الأمين ،والرّحمة المهداة ،والأسوة الحسَنَة ، فلا ينازِعه بشرٌ في طاعة، ولا يزاحِمه أحدٌ في حُكم، قال تعالى :(فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65]. فالرّضا بمحمّد صلى الله عليه وسلم اهتداءً واقتداء، وبسنّته استضاءةً وعملاً. وإذا صحَّ الإيمان ووقر في القلبِ فاضَ على الحياة، فإذا مشَى المؤمن على الأرضِ ، مشى سويًّا، وإذا سار ، سار تقيًّا، هو ريحانةٌ طيّبةُ الشّذى، وشامةٌ ساطعة الضّياء، حركاته وسكناتُه إيمانيّة مستكينة، فمن ذاقَ حلاوةَ الإيمان طابَ عيشُه ،وعرف طريقَه، ومن عرف طريقَه سار على بصِيرة، ومن سارَ على بصيرةٍ نال الرّضا، وبلغَ المُنى . يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه بالسيوف. وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ ، قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره . (الوابل الصيب) وكان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وقال حاتم بن الأصم بنيت توكلي على أربعة أمور: علمت أن الله ناظر إلي فأنا أراقبه . وعلمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فأنا مطمئن به. وعلمت أن عملي لن يعمله أحد غيري فأنا مشغول به. وعلمت أن الموت يطلبني فأنا مستعد له. أخرجه أبو نعيم في الحلية ،وقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : لَيْسَ غِنًى أَغْنَى مِنْ سُكُونِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ فَقْرٌ أَفْقَرَ مِنَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ عِزٌّ أَعَزَّ مِنَ الزُّهْدِ ، وَلَيْسَ ذُلٌّ أَذَلَّ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالطَّمَعِ ، وَلَيْسَ شَرَفٌ أَشْرَفَ مِنَ الْيَقِينِ ، وَلَيْسَ دَرَجَةٌ أَعْلَى مِنَ الصَّبْرِ ، وَلَيْسَ حَلاوَةٌ أَحْلَى مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَيْسَ مَرَارَةٌ أَمَرَّ مِنْ سَخْطِهِ ، وَلَيْسَ زَيْنٌ أَزْيَنَ مِنَ التَّوَاضُعِ ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَجْهَلَ مِنَ الْكِبْرِ ، وَلَيْسَ قُوَّةٌ أَقْوَى مِنَ الْجُوعِ ، وَلَيْسَ دَاءٌ أَدْوَى مِنَ التَّعَرُّضِ لِسَخْطِ اللهِ ، وَلَيْسَ كَلامٌ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللهُ . (ابن عبد البر المجالسة وجواهر العلم ) ،وهذه اللذة وتلك الحلاوة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان وضعفه، وتحصل هذه اللذة بحصول أسبابها، وتزول بزوال أسبابها، ويجدر بالمسلم أن يسعى جاهدًا إلى تحصيلها لينعم بالحياة السعيدة ,
أيها المسلمون
ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان ولذة العبادة والطاعة والإحسان : – أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا: فعَنْ أَنَسٍ -رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) ، ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان وطعمه : مجاهدة النفس: وذلك بتعويدها على الطاعة والعبادة , قال تعالى: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمعَ الْمُحسِنِينَ ” العنكبوت:96. قَالَ عَبْدُ اللهِ الرَّازِيُّ : إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَجِدَ حَلاوَةَ الْعِبَادَةِ وَتَبْلُغَ ذُرْوَةَ سَنَامِهَا ؛ فَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبْيَنَ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا حَائِطًا مِنْ حَدِيدٍ ، ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان وطعمه : الصلاة والإكثار من النوافل : قال تعالى :” وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (114)، (115) هود ، فالصلاة مصدر للسعادة والسكينة وتذوق حلاوة الإيمان ولذة الطاعة ,فإن فيها صلة وقربا من الله تعالى وفيها من الفوائد الدنيوية والأخروية ما لا يعد ولا يحصى ، ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان وطعمه : تلاوة القرآن وتدبره : قال تعالى : ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) (82) الإسراء . ففي تلاوة القرآن الكريم وفي تدبره سعادة لا تعدلها سعادة وأنساً لا يحس به إلا من ذاقه , والمؤمن لو صح إيمانه وصلح قلبه ما شبع من كلام ربه سبحانه , قال بعضهم لعثمان بن عفان رضي الله عنه : نقرأ القران ولا نجد له طعما ؟ . قال: والله لو سلمت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم . ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان وطعمه : ذكر الله والدعاء: ففي ذكر الله والدعاء سعادة وهناء ’ وفي تركهما بؤس وشقاء , قال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) الرعد. وقال تعالى : ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (124) طه . ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان وطعمه : صحبة أهل الطاعة والإيمان : فصحبة أهل الطاعة والإيمان ،أهل الصلاح والفلاح والنجاح تقتضي : الاقتداء بهم، والتأسي بحالهم، والانتفاع بكلامهم، والنظر إليهم , وفي ذلك كله حلاوة ،يجد المسلم أثرها في قلبه وفي سلوكه، قال أمير المؤمنين عمر بين الخطاب رضي الله عنه : لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله : لولا أن أسير في سبيل الله عز وجل . ولولا أن أضع جبهتي لله ، أو أجالس أقواماً ينتقون أطايب الحديث كما ينتقون أطايب الثمر. ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان وطعمه : الإحسان إلى الناس ،فمن أَجَلِّ العبادات التي تُرْفَعُ بها الدرجات: المسابقة إلى فعل الخيرات، وهي خصلة من طرق أبوابها، ولازم طريقها منحت له النجاة، وطيبت له الحياة، وفتحت له أبواب الجنة بعد الممات ، قال تعالى: ” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” (النحل:97) .فكم يحس المؤمن بطعم الإيمان حينما تمتد يده لمساعدة الناس , وحينما تمتد يده لتأخذ بيد مصاب أو منكوب , وحينما تمد يده لمسح دمعة حزين ، أو تمسح على رأس يتيم .
أيها المسلمون
ولطعم الإيمان وحلاوته آثار وعلامات ، فمن آثار تَذُّوق طعم الإيمان وحلاوته: طيب العيش في الدنيا: قال تعالى :{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97] ، قال ابن كثير -رحمه الله- : وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ ،ومن آثار تَذُّوق طعم الإيمان وحلاوته: الإحساس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان: قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الحجرات 7 ،8 ، ومن آثار تَذُّوق طعم الإيمان وحلاوته: أن حلاوة الإيمان سبب في ثبات القلوب على الدين: وفي حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- ، الطويل أَنَّ هِرَقْلَ لما سأل أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ -رضى الله عنه- عن حال اتباع محمد-صلى الله عليه وسلم- فقال له: وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ) رواه البخاري ، ومن آثار تَذُّوق طعم الإيمان وحلاوته: أنها تجعلُ العبدَ يُدْمِنُ الطاعةَ حتى أنه لا يستطيعُ أنْ يفارقَها أو يستغنيَ عنها: قال بعضهم : كَانَ ثَابِتُ البُناني -رحمه الله- يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، قال: فكنت أدخل في الصَّلاة فأحمل همَّ خروجي منها ويضيق صدري إذا فرغت لأني خارج منها. فَإِذَا جَاءَ السَّحَرُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْت أَعْطَيْت أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي قَبْرِهِ فَأَعْطِنِي. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا أَحْزَنَنِي شَيْءٌ سِوَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَرِحْتُ بِالظَّلَامِ لِخَلْوَتِي بِرَبِّي وَإِذَا طَلَعَتْ حَزِنْتُ لِدُخُولِ النَّاسِ عَلَيَّ. ومن آثار تَذُّوق طعم الإيمان وحلاوته: أن حلاوةُ الإيمان تهوِّنُ عليك مصائبَ الدنيا وهمومَها
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حَلاَوَةَ الإِيمَانِ و طَعْمَه)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذه هي بعض المواقف والأحوال لمن ذاق حلاوةَ الإيمانِ وطعمه : قال مُطرِّف بن عبدالله الشخير: أتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى. قال: فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله .وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، ثم قال: أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها ، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة ) (إحياء علوم الدين) ،وهذا خالد بن الوليد فارس الإسلام وليث المَشَاهد -رضي الله عنه- يقول -حين ذاق طعم الإيمان وخالط بشاشة قلبه-: والله ما ليلة تهدى إليَّ فيها عروس، أنا لها محب، أبشَّر فيها بغلام، بأحب من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد، في سرية في المهاجرين أنتظر فيها الصبح لأغير على أعداء الله . وهذا ابن تيميه – رحمه الله- يدخل سجن القلعة ويُغلق عليه الباب، فيقول : (ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رُحت فهي معي لا تفارقني، حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة الإيمان. وهؤلاء سحرة فرعون ،الذين آمنوا ،لما سكنت المحبةُ قلوبَهم، سمحوا ببذل نفوسهم، فقالوا لفرعون: { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } طه (72). وهذا سيدنا يوسف عليه السلام : لما تمكنت محبة الله من شغاف قلبه، وهو شاب قوي فتي في ريعان الشباب، عنده امرأة ذات منصب وجمال وسطوة، وغلقت الأبواب، وهيأت نفسها، وهو عبدٌ مملوك لها، قال تعالى:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} يوسف 23، وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه ،كان يعذ ب من قبل قريش بعد إعلان كلمة التوحيد ، فسُئل كيف صبرت يا بلال؟ قال: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب فصبرت . وهذا عبدُ الله بنُ حُذافةَ السهميُّ -رضى الله عنه- عَنِ ابْنِ عَبَّاس -رضى الله عنهما- قَالَ: أَسَرتِ الرّومُ عبدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ تَنَصَّرْ وَإِلا قتلتُك. فأبى عليه، فَدَعَا بِقدرٍ مِنْ نُحَاسٍ فَمُلِئَتْ زَيْتًا وَأُغْلِيَتْ وَدَعَا رَجُلاً مِن أسرى الْمُسْلِمِينَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَبَى فَأَلْقَاهُ فِي هذا القدر، فَإِذا عِظَامُه تلوحُ، فَقَالَ لعبد الله ابْن حُذَافَةَ: تَنَصَّرْ وَإِلا أَلْقَيْتُكَ. قَالَ: والله مَا أَفْعَلُ. فَأَمَرَ به أَنْ يُلْقَى فِي هذا القدر، فجاءوا إليه وقيدوه، فَبَكَى! فَقَالُوا قَدْ جَزِعٍَ قَدْ بَكَى. قَالَ: رُدُّوهُ. فَقَالَ له عبد الله: لَا تَظُنَّنَّ أَنِّي بَكَيْتُ جَزِعًا وَلَكِنْ بَكَيْتُ إِذْ لم يكنْ لِي إِلا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ يُفْعَلُ بِهَا هَذَا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وقدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِي أَنْفُسٌ عَدَدَ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي جسدي ثُمَّ تُسَلَّطُ عَلَيَّ فَتَفْعَلَ بِي هَذَا.
وهذا خُبَيبِ بن عَدي -رضى الله عنه-عندما أسرتْه قريش وعذبتْه، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ مَسْجُونًا، ثُمَّ أَجْمَعُوا على قَتْلِهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى صَلْبِهِ قَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ، فَصَلَّاهُمَا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَقُولُوا إنَّ بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ في الصلاة ثُمَّ قَالَ: ” اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِيْنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا. . . عَلَى أيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ. . . يُبَارِكْ عَلَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ.
فَقَالَ لَهُ أبو سفيان: أَيَسُرُّكَ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا تُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَإِنَّكَ فِي أَهْلِكَ آمنا، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا يَسُرُّنِي أَنِّي فِي أَهْلِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ.
أيها المسلمون
أما عن موانع حصول هذه اللذة وتذوق طعم الإيمان : فهناك أمور تحول بين العبد وبين التلذذ بالأعمال الصالحة، منها ما يلي: 1 – المعاصي والذنوب 2 – كثرة مخالطة الناس 3 – تحول العبادات إلى عادات
الدعاء