خطبة عن (الثقة بالله وحسن التوكل عليه)
يناير 6, 2018خطبة عن اسم الله ( الْقَابِضُ الْبَاسِطُ )
يناير 6, 2018الخطبة الأولى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (31) الاعراف ،وروى البخاري في صحيحه : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ ) ، وفي رواية عند الامام أحمد : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ ».
إخوة الإسلام
إن الغذاء من طعام وشراب أساس لحياة الإنسان ونموه منذ أن كان جنيناً في بطن أمه ،وبعد ولادته وكبره وشبابه وشيخوخته ،حتى آخر عمره ، فمن الغذاء تتكون خلايا الجسم وأنسجته وأعضاء جسمه وأجهزته ، وكذا يتم تعويض الجسم عما يفقده من أنسجة ، وكذلك يقوم الغذاء بتزويد الجسم بالطاقة التي تمكن الجسم من الحركة والنشاط والجري والعمل في مجال الأنشطة المختلفة ، ولذلك أمر الله عباده بأن يأكلوا ويشربوا ، فقال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ) ، فأمر الله سبحانه بالأكل والشرب ونهى عن الاسراف ، فالإسرافُ مذموم في الأكل وفي غيره، والإسراف هو : مجاوزة الحد، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع، وهذا لا يتحدد بوجبة أو وجبتين أو ثلاثة، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها ، وقد يأكل ثلاث وجبات بغير إسراف. وفي قلة الأكل منافع كثيرة: منها أن يكون الرجل أصح جسما ،وأجود حفظا وأزكى فهما ، وأقل نوما ، وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل كظ المعدة ،ونتن التخمة، ويتولد منه الأمراض المختلفة، فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج إليه قليل الأكل. وقال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء ” وقد نهانا الله تبارك وتعالى عن الاسراف في الطعام والشراب ،لأن من أعظم المهلكات لابن آدم شهوةُ البطن، فبها أُخرج آدمُ عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار، إذ نُهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما ، فالبطن ينبوع الشَّهوات ومنبتُ الأدواء والآفات، إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى المنكوحات، ثم تتبعُ شهوةَ الطعام والنكاح شدةُ الرغبة في الجاه والمال اللذين هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات، ثم يتبع استكثارَ المال والجاه أنواعُ الرُّعونات وضروب المنافسات والمحاسدات، ثم يتولد بينهما آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء، ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء، ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء، وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء! وروى الحاكم عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وقال عمر رضي الله تعالى عنه: والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرَقِّكُم عيشا، ولكني سمعت الله عز وجل عَيَّرَ قوما بأمر فعلوه فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) الأحقاف 20. ولهذا أمر الله عباده بالاعتدال في المأكل والمشرب ، فالْآكِلَ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَاتٍ أربع : أولها : الاعتدال في الطعام والشراب ، وكما قيل : ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع ) ، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» رواه احمد والترمذي .الثانية : الشِّبَعُ غَيْرُ الْمُفْرِطِ، وهو غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْأَثْلَاثَ فِي الْأَكْلِ ،فهي مُجَاوَزَةً غَيْرَ مُضِرَّةٍ لِلْآكِلِ فِي بَدَنِهِ وَلَا إسْرَافَ. الثالثة: الشِّبَعُ الْمُفْرِطُ وهو (مَكْرُوهٌ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ ، ففِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ «عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: أَكَلْت ثَرِيدَةً مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَجَعَلْت أَتَجَشَّأُ فَقَالَ: يَا هَذَا كُفَّ عَنَّا مِنْ جُشَائِك، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فقيل : «فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا كَانَ إذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى». الرابعة : (الْإِسْرَافُ) فِي الْأَكْلِ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، ويَنْبَغِي النَّفْرَةُ عَمَّنْ عُرِفَ بِذَلِكَ وَاشْتُهِرَ بِهِ وَاِتَّخَذَهُ عَادَةً. وفي الفتاوى الهندية: الأكل على مراتب: فرض: وهو ما يندفع به الهلاك، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى. ومأجور عليه: وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما، ويسهل عليه الصوم. ومباح: وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا وزر ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل. وحرام: وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “الذين يقتصدون في المآكل نعيمُهم بها أكثرُ من المسرفين فيها؛ فإن أولئك إذا أدمنوها وألِفُوها لا يبقى لها عندهم كبير لذة، مع أنهم قد لا يصبرون عنها، وتكثر أمراضهم بسببها” وقال لقمان لابنه: “يا بني إذا امتلأت المعدة؛ نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقَعَدت الأعضاءُ عن العبادة”. وقال عمر -رضي الله عنه-: “من كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة”. وقال علي – رضي الله عنه -: ” إن كنت بَطِنًا؛ فعد نفسك زَمِناً”. وقال بعض الحكماء: “أقلل طعاماً، تحمدْ مناماً”. وقال ابن القيم -رحمه الله-: “ولو لم يكن من الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله -عز جل- وإذا غفل القلب عن الذكر ساعةً واحدةً جَثَم عليه الشيطانُ ووعده ومنَّاه، وشهَّاه وهام به في كل وادٍ؛ فإن النفس إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات، وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت”
أيها المسلمون
وللإسراف في الطعام والشراب آثارٌ ضارَّة ، وعواقب مهلكة، ، وإليك طرفاً من هذه الآثار: أولا : الاسراف في الطعام والشراب فيه علَّة البدن: لأن هذا البدن محكوم بطائفة من السنن والقوانين الإلهية بحيث إذا تجاوزها الإنسان بالزيادة أو بالنقص تطرقت إليه العلة وحين تتطرق إليه العلة فإنه يقعد بالمسلم عن القيام بالواجبات والمسئوليات الملقاة على عاتقه أو المنوطة به. ثانيا : الاسراف في الطعام والشراب فيه قسوة القلب: فالقلب يرق ويلين بالجوع أو بقلة الغذاء ،ويقسو ويجمد بالشبع أو بكثرة الغذاء ، ثالثا : الاسراف في الطعام والشراب فيه خمول الفكر: وذلك لأن نشاط الفكر وخموله مرتبط بعدة عوامل، والبطنة أحدها، فإذا خلت البطنة نشط الفكر، وإذا امتلأت اعتراه الخمول حتى قالوا قديما: (إذا امتلأت البطنة نامت الفطنة) ويوم أن يصاب الفكر بالخمول يوم أن يحرم المسلم الفقه والحكمة وحينئذ يفقد أخص الخصائص التي تميزه عن باقي المخلوقات. رابعا : الاسراف في الطعام والشراب فيه تحريك دواعي الشر والإثم: وذلك لأن الإسراف يولد في النفس طاقة ضخمة ،ووجود هذه الطاقة من شأنه أن يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس ،وحينئذ لا يؤمن على المسلم العامل الوقوع في الإثم والمعصية إلا من رحم الله ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على الصوم لمن لم يكن قادرا على مؤن النكاح إذ يقول صلى الله عليه وسلم: « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » متفق عليه خامسا : الاسراف في الطعام والشراب فيه المساءلة غدا بين يدي الله: قال سبحانه : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } (8) التكاثر . ومجرد الوقوف بين يدي الله للمساءلة والمناقشة عذاب كما في الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ » . قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ( فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) . قَالَ « ذَلِكِ الْعَرْضُ »
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبعد أن تعرفنا على عواقب الاسراف في الطعام والشراب وآثاره السيئة ، فتعالوا بنا إلى وصف العلاج ، فمن الوسائل التي تعين المسلم على العلاج ما يلي : (1) التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على الإسراف فإن ذلك من شأنه أن يحمل على تدارك الأمر والتخلص من الإسراف قبل فوات الأوان. (2) الحزم مع النفس ،وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها ،وحملها على الأخذ بكل شاق وصعب ،من قيام ليل ،إلى صوم تطوع ، ونحو ذلك. (3) دوام النظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فإنها مليئة بالتحذير من الإسراف بل ومجاهدة النفس والأهل والعيش على الخشونة والتقشف ، ففي صحيح مسلم (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ ». وفي سنن الترمذي (عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ».وفي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ ابْنَ أُخْتِي ، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – نَارٌ . فَقُلْتُ يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتِ الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ أَلْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا . وفي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعًا ، حَتَّى قُبِضَ . فالمسلم العامل لدين الله حين يقف على ذلك، وعلى غيره تتحرك مشاعره، وتتأجج عواطفه فيترسم خطاه صلى الله عليه وسلم ويسير على هديه اقتداء وتأسياً وطمعاً في معيته في الجنة ، (4) دوام النظر في سيرة سلف هذه الأمة، من الصحابة المجاهدين و العلماء العاملين فقد اقتدى هؤلاء به صلى الله عليه وسلم فكان عيشهم كفافاً، ولا هم لهم من الدنيا إلا أنها معبر أو قنطرة توصل للآخرة ، فقد دخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – فرأى عنده لحماً، فقال: ما هذا اللحم؟ قال: أشتهيه! قال: وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلَّ ما اشتهاه)! وأتى سلمان الفارسي أبا بكر الصديق – رضي الله تعالى عنهما – في مرضه الذي مات فيه فقال: أوصني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: (إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا يأخذنَّ منها أحد إلا بلاغاً) ، (5) الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية و النفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كل حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإن ذلك من شأنه أن يقضى على كل مظاهر السرف والدعة و الراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين وفي موكب السائرين. ( 6) الاهتمام ببناء شخصية الزوجة والولد فإن ذلك من شأنه أن يقضي على كل مظاهر الترف، وأن يحول دون التورط فيها مرة أخرى،
الدعاء