خطبة عن الصحابي: (خُبَيْبُ بْنُ عَدِىٍّ الأَنْصَارِىُّ)
يناير 13, 2018خطبة عن حديث ( كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ)
يناير 13, 2018الخطبة الأولى ( وقفات تأملية مع سورة الكهف )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) (1): (6) الكهف
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع : (وقفات تأملية مع سورة الكهف) ، فهذه السورة هي إحدى سور القرآن العظيم، وهي سورة مكية، وسميت بهذا الاسم لما فيها من المعجزة الربانية في تلك القصة العجيبة، قصة «أصحاب الكهف». وقد جاء في أسباب النزول : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال، فقالت لهم يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل، فالرجل متقول، فأروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنهم قد كان لهم شأن عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسألوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدا عما سألتم عنه ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة، وقد أصبحنا فيها ولا يخبرنا بشيء عما سألناه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}، إلى آخر الآيات».
أيها المسلمون
ومما جاء في فضل هذه السورة : ما روي في الصحيحين (عَنِ الْبَرَاءِ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – يَقْرَأُ ، وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِى الدَّارِ ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، وَجَعَلَ يَنْفِرُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ » ، وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو الصحابي أسيد بن الحضير ،وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ». وفي لفظ الترمذي : (عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ قَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». وروى أحمد في مسنده : (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ قَرَأَ أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ وَآخِرَهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً مِنْ قَدَمِهِ إِلَى رَأْسِهِ وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ».
أيها المسلمون
وتحتوي سورة الكهف على أربع قصص، كل قصة منها تمثل فتنة من الفتن لأ صحابها: فالقصة الأولى: قصة أصحاب الكهف، وهي تمثل (فتنة الدين)، وهي قصة لفتية مؤمنين، كانوا يعيشون في بلدة كافرة ، فعزموا على الهجرة والفرار بدينهم ،بعد مواجهة بينهم وبين قومهم ، قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) (9) الكهف ، فكافأهم الله تعالى بالنوم في الكهف سنين عدة، وحفظهم من عدوهم ، ومن حرارة الشمس، ثم استيقظوا فوجدوا القرية مؤمنة بأكملها. القصة الثانية: قصة صاحب الجنتين، وهي تمثل فتنة (المال والولد) ، وهي قصة لرجل أنعم الله عليه ، فنسي واهب النعمة ، فطغى وتجرأ على ثوابت الإيمان ،بالطعن والشك ، ولم يحسن شكر النعمة، رغم تذكرة صاحبه له ، قال الله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) (32) الكهف ، فعاقبه الله تعالى على كفره وطغيانه وجحوده بهلاك الزرع والثمر، ثم بعد ذلك ندم ، ولكن حين لا ينفع الندم. أما القصة الثالثة: فهي قصة سيدنا موسى والخضر – عليهما السلام – : وهي قصة تمثل (فتنة العلم)، ودارت أحداث القصة عندما سُئل موسى: من أعلم أهل الأرض؟ فقال: أنا… فأوحى الله إليه أن هناك من هو أعلم منك ، فسافر إليه موسى عليه السلام ليتعلم منه، كيف أن الحكمة الإلهية قد تغيب أحياناً، ولكن مدبرها حكيم محال في حقه العبث. ومن ذلك مثال ما حدث في السفينة وقتل الغلام، وبناء الجدار، قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (60) الكهف وفي فتنة العلم: يُعجب المرء بعلمه، ويظن أن أحداً لم يسبقه في العلم فينسى التواضع، أو يتعلم علماً لا فائدة للمجتمع منه، أو يستخدم علمه فيما يضر المجتمع، ولكن سينا موسى عليه السلام عندما علم بذلك ،قطع إليه المسافات الطوال ليتعلم منه ،ويتواضع إليه ، تواضع طلاب العلم ، قال الله تعالى : (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) (66) الكهف ، أما القصة الرابعة: فهي قصة ذي القرنين، وهي تمثل (فتنة السلطة)، وهي قصة الملك العظيم ،الذي جمع بين العلم والقوة ،وطاف جوانب الأرض،وأخذ يساعد الناس، وينشر الخير في ربوعها، وقد تغلب هذا الملك العظيم على مشكلة يأجوج ومأجوج ببناء السد، واستطاع توظيف طاقات قوم لا يكادون يفقهون قولا، قال الله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) (83) الكهف ، ففي فتنة السلطة: يُؤتى المرء حضارة وتقنية عظيمة، ونفوذاً وسلطة عظيمين، فيؤدي به الأمر إلى الاعتداد بقوته والكفر بربه وظلم الناس. ولكن في قصة ذي القرنين رأينا العكس تماماً: فالسلطان عادل، يعدل مع الناس ،وينسب الفضل في قوته إلى الله وحده، قال الله تعالى : (قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ) (86) :(88) الكهف ، وقال الله تعالى على لسانه : (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (98) الكهف ، ومن الملاحظ أن محرك خيوط أي فتنة تتلخص في هذه الفتن الأربعة الأساسية ، وهي الخيط الذي يجمع القصص الأربع في السورة. وفي وسط السورة تقريباً بين أول قصتين وآخر قصتين، تخبرنا الآية 50 عن المحرك الأساسي لخيوط الفتن الأربع: إنه عدو الله إبليس، فقال الله تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (50) الكهف
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات تأملية مع سورة الكهف )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد حددت سورة الكهف قوارب للنجاة من الفتن ، وذلك من خلال الآتي : أولا : الصحبة الصالحة: وجاء ذلك في قول الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (28) الكهف ، ثانيا : من قوارب النجاة من الفتن معرفة حقيقة الدنيا : ووضح ذلك من خلال قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) (45) الكهف ، ثالثا : من قوارب النجاة من الفتن التواضع : ويتبين ذلك من خلال إجابة سيدنا موسى عليه السلام للخضر عليه السلام ، قال الله تعالى على لسانه : (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) (69) الكهف ، رابعا : من قوارب النجاة من الفتن الإخلاص: وذلك من خلال قوله الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (110) الكهف ، ومن المعلوم أيضا أن لسورة الكهف علاقة بأعظم الفتن التي ستصيب أهل الأرض ، ألا وهي فتنة الدجال ، وهو ذلك الذي سيظهر قبل قيام الساعة بالفتن الأربع التي تحدثت وحذرت منها سورة الكهف، وهي :– فتنة الدين: وفيها سيطلب من الناس عبادته من دون الله. – وفتنة المال: فهو سيأمر السماء بالمطر ويفتتن الناس بما في يده من الأموال. فتنة العلم: ومن خلالها سيفتتن الناس بما يخبرهم به من أخبار ، ويكون ذلك سببا في كفرهم – فتنة السلطة: فهو بقدر الله سيسيطر على أجزاء كبيرة من الأرض، ويكثر أتباعه من أهل الكفر والضلال ،كانت هذه إطلالة مختصرة ، ووقفات تأمل وتفكر وتدبر عن سورة الكهف
الدعاء