خطبة عن الصحابي: (ضِمَاد بن ثعلبة الأَزْدِىّ)
يناير 27, 2018خطبة عن (هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
يناير 27, 2018الخطبة الأولى ( عقبات في طريق الدعوة إلى الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الانعام ،وقال الله تعالى 🙁 وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (104)، (105) آل عمران، وقال الله تعالى 🙁 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (46) الانفال ،وروى الترمذي في سننه بسند حسن : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَىِ الصِّرَاطِ دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وَالأَبْوَابُ الَّتِى عَلَى كَنَفَىِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ فِى حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِى يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ ».
إخوة الإسلام
لقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم طبيعة الطريق إلى الله تبارك وتعالى ، كما في هذا الحديث المتقدم ، وفيه خريطة مفصلة، لكل ما سنواجهه على الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ ، والمسلم مطالب أن يعيش ويحيا بالاسلام ، وللإسلام ، فحياته بالاسلام تكون بالتطبيق العملي لما أمر الله به ، واجتناب ما نهى الله عنه ، وحياته للإسلام تكون بدعوة الآخرين إليه ، وتعليمهم فرائضه وأركانه ، وتحذيرهم مما نهى الله عنه ، ووشاهد ذلك ما جاء في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم : (..أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ » ،وفي البخاري : (أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً ،..) ، وفي صحيح البخاري : (يقول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : (..ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ » ، وروى الترمذي بسند حسن :(عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » ، وليكن معلوما لدينا أن طريق الدعوة إلى الله طريق شاق ، ومحاط بالعقبات والمحن والابتلاءات ، وهو طريق صعب ، ومليء بالمنعطفات والمزالق ، ويَتعَبُ السائر فيه ، لأنه طريق يوصل إلى جنة عرضها السموات والأرض ، والطريق إلى الجنة كما أخبر صلى الله عليه وسلم محفوف بالمكاره، فقد روى مسلم ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ». وطريق الدعوة إلى الله أمرنا الله عز وجل أن نسلكه ، حيث قال الله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (125) النحل ، يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ( أي : فللدين القويم والصراط المستقيم الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله فادع إليه أمتك وحضهم عليه وجاهد عليه من لم يقبله واستقم بنفسك. فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك، ومن المعلوم أن أمر الرسول أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له) ، وسيرك في طريق الدعوة لا ينتهي ، حتى آخر لحظات حياتك، ولذا فإنك قد لا ترى نتائج سريعة لسيرك ، ولكن تأكد أن هناك نتائج لابد أن تظهر ولو بعد حين .
أيها المسلمون
واليوم إن شاء الله أتناول معكم بعض العقبات في طريق الدعوة إلى الله ، لكي يكون السائر في طريق الدعوة إلى الله على بينة من أمره ، ويعد العدة لها في سيره .وأول العقبات في طريق الدعوة إلى الله هي : اتباع الهوى الذي يصد عن منهج الله : فالهوى إله يعبد من دون الله، وما ترك الطريق المستقيم من تركه إلا لأنه اتبع هواه، وهواه إما أن يبقى ضالاً، أو شقياً أو تعيساً، أو يبقى مصاحباً لفاجر، أو عبداً لأغنية، أو متعلقاً بصورة، أو متلذذاً بفجور، أو منتكساً على عقبه، لا يعرف المسجد، ولا القرآن ولا الهداية، ولا طريق الجنة، قال الله سبحانه : ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص:26] ، وقال تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28] ، قال سبحانه: (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) [طه:16] ،وقال سبحانه وتعالى مبرأً رسوله عليه الصلاة والسلام من الهوى: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:3-5]. والهوى قد يكون في زوجة تصدك عن منهج الله، وقد يكون في أغنية، أو مسرحية، وقد يكون في سيجارة، وقد يكون في لعبة، وقد يكون في معصية تصدك عن منهج الله. ثم نأتي إلى العقبة الثانية من عقبات طريق الدعوة إلى الله ألا وهي : الكبر من المدعو فلا يقبل الحق : فالكبر من المدعو أعظم العقبات التي تواجه الدعاة وطلبة العلم، فكبر المدعو إما بمنصبه ، أو بماله ، أو بولده، أو بغير ذلك .. والكبر هو الذي منع اليهود أن يدخلوا في الدين وكانوا يقولون: الأنبياء منا؛ مع أنهم يقرءون في التوراة أنه سوف يبعث نبي من العرب اسمه أحمد، عليه الصلاة والسلام، قال تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة:89]. وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَاةً مَسْمُومَةً فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَالَ « مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ ». قَالَتْ أَحْبَبْتُ أَوْ أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُطْلِعُكَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيًّا أُرِيحُ النَّاسَ مِنْكَ..) ، ومن صور الكبر ما رواه مسلم قال : (إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشِمَالِهِ فَقَالَ « كُلْ بِيَمِينِكَ ». قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ « لاَ اسْتَطَعْتَ ». مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ. قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ). فأكثر ما يمنع الناس عن الدخول في الاسلام ، أو الاستجابة للدعوة إلى الله الكبر، ولذلك تجد الدعوة تسري بين الفقراء، والنتواضعين، أكثر مما تسري بين الأغنياء والمتكبرين.
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى العقبة الثالثة من عقبات طريق الدعوة إلى الله وهي : كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق : فأهل الحق ، والخير والقول الطيب دائماً قليلون ، قال الله تعالى: ( وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيث ) [المائدة:100].ويقول ابن تيمية: أهل الإسلام قليل في أهل العالم، وأهل السنة قليل في أهل الإسلام، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام:116]. ونزل عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى السوق، فسمع أعرابياً مسلماً يقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل، فأخذ عمر بمنكبه وقال: ما هذا الدعاء؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13] ، فدعوت الله أن أكون من هذا القليل، قال عمر: [كل الناس أفقه منك يا عمر] ، فالقليل دائماً هو الخير، وليفهم ذلك الدعاة وطلبة العلم ، وكل مسلم يدعو إلى الله ،أن أهل الباطل دائماً أكثر من أهل الحق ، فإذا رأيت ذلك، فإياك والفتور عن الدعوة ، ولا تغتر بكثرة الهالكين ، فهذا نبي الله نوح عليه السلام ، ما استجاب له إلا قليل، بل وهناك بعض الأنبياء ما استجاب لهم أحد، ولكن أجرهم عند الواحد الأحد، قال سبحانه: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة:100] ،فكثرة أهل الباطل من عقبات طريق الدعوة إلى الله، ولذا قال بعض التابعين: [ لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغتر بكثرة الهالكين]. ثم نأتي إلى العقبة الرابعة من عقبات طريق الدعوة إلى الله وهي : جلساء السوء الذين يصدون عن منهج الله، وهم أعداء الأنبياء والرسل ، فجلساء السوء هم الأجارب الذين أجربوا على أهل الدعوة دعوتهم، والذين أفسدوا القلوب، وصرفوا الأرواح، ووقفوا حجر عثرة في طريق الدعوة إلى الله . ومن صور ذلك ما رُوي في الصحيحين (عن سَعِيد بْن الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَوَجَدَ عِنْدَهِ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ « أَىْ عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ..) ، وفي القرآن أخبر الله أن لأهل الجاهلية جلساء، وأنهم هم السبب في إعراض هؤلاء الجلساء عن منهج الله، قال سبحانه: ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة:114-116] ، ولذلك إذا دعوت أحدهم ولم يتأثر بقولك ،ورأيته دائماً في المعاصي؛ فاعرف أن له قريناً وشيطاناً من شياطين الإنس ، يجلس معه ويخلو به، وهذا الذي يدمر عليك دعوتك؛ لأنك تبني في الصباح، وهو يهدم في المساء ، قال الله سبحانه: (وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) [البقرة:76]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عقبات في طريق الدعوة إلى الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى العقبة الخامسة من عقبات طريق الدعوة إلى الله وهي : فتور الدعاة ، وضعف الدافع : فلو أن كل طالب علم دعا إلى الله، لصلح الحال، ولكن طلبة العلم كثير، وأهل المعرفة كثير، وأهل الثقافة كثير، والدعاة قليل، والدعاة القليل مقصرون، وقد ذكر الله عز وجل الدعوة في القرآن سلباً وإيجاباً، فالإيجاب مدح الدعاة وحثهم على الدعوة، قال الله سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125] وقال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] ، وقال سبحانه : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108] ، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة:67] وقال عن السلب : وهو الإنكار على من كتم العلم ، وتكاسل وفتر عن طريق الدعوة إلى الله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [البقرة:159-160] وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ كَتَمَ عِلْماً يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّماً بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ». وفي سنن الترمذي : (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ » ، ففتور الدعاة إلى الله أمر عجيب؛ ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [آل عمران:187]
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى العقبة السادسة من عقبات طريق الدعوة إلى الله وهي : انصراف الناس إلى الدنيا على حساب الدين : فأكثر الناس إنما يهتم بالدنيا، أما الدين فإنه في آخر المطاف، فتجد الواحد منهم ينهي أعماله وأشغاله ومتطلباته وحاجياته، ولا يلتفت إلى الصلاة والتفقه في الدين، وقد يجعل في آخر برنامجه وجدوله اليومي القراءة في المصحف إن بقي وقت، ولكن الخروج إلى السوق ،أو المستشفى أو زيارة الأقارب أو النزهة أو النوم كلها أولويات عنده ، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) [الفرقان:44] ، وفي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ وَلاَ يُعْطِى الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ..) ، وروى البخاري في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ ، إِنْ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِى السَّاقَةِ كَانَ فِى السَّاقَةِ ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ » ، تلك هي بعض العقبات التي قد تعترض الداعي إلى الله ،وهو في طريقه في الدعوة إلى الله فليعد لها عدته ، وليكن على بصيرة من أمره ، ويقين بأن الله ناصره إذا أخلصه لله نيته .
الدعاء