خطبة عن (من مكائد الشيطان لأولياء الرحمن
فبراير 17, 2018خطبة عن (من قصص السابقين، وتفريج رب العالمين)
فبراير 17, 2018الخطبة الأولى ( إكرام الضيف : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) (24) :(28) الذاريات ، وفي الصحيحين : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم«.. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.. » ،وروى الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ أَنَّهُ قَالَ أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ قَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ » . قَالُوا وَمَا جَائِزَتُهُ قَالَ « يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ.. ».
إخوة الإسلام
إكرام الضيف مَكْرُمَة من مكارم الأخلاق، وخصلة من خِصال الخير، وخُلق أكيد من أخلاق الإسلام، يَدلُّ على سماحةٍ في النَّفس، وكرم في الطبع، وإيثار للغير، وشهامة ومروءة، وإيمان بما عند الله تعالى من العِوض والفضل. وإكرام الضيف خصلة تحلَّى بها الأنبياء، وحثَّ عليها المرسلون، واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فقد قالت خديجة في أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلا. أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف».، ومَنْ عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة، وعُلُوِّ المكانة، وانقاد له قومُه، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام، وإكرام الضيَّف، كما قال ابن حِبَّان رحمه الله: “والعرب لم تكن تعدُّ الجودَ إلا قِرَى الضَّيف، وإطعام الطعام، ولا تعدُّ السَّخيَّ من لم يكن فيه ذلك”. ولقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى من خلال عرضه لقصة نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام ، مع ضيفه من الملائكة، والتي تصدرت آياتها هذه الخطبة ، وفي السنة النبوية المباركة ، روى البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ » . فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لاَ تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا . قَالَتْ وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلاَّ قُوتُ الصِّبْيَةِ . قَالَ فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ ، وَتَعَالَىْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِى بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ . فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ – أَوْ ضَحِكَ – مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ » . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر 9، وقد أخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّ البركة تأتي مع الضَّيف، وأنَّ طعامه لن يضيِّق على أهل البيت رِزقهم، ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ » .
أيها المسلمون
وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم : (..وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.. ) وفي رواية عند الترمذي وغيره يقول صلى الله عليه وسلم : ( .. وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا .. )، فما هي حقوق الضيف ، أو الزائر لك في بيتك : بداية أقول : الضيف إما أن يكون ضيفا مسافرا ، بعيدا عن دياره وأهله ، أو يكون ضيفا زائرا وليس مسافرا إنما هو من أهل البلدة ، فأما الضيف المسافر ، والقادم من بلد آخر ، فقد أوجب الاسلام ضيافته ، وخاصة إذا كان في محلة أو بلدة لا يوجد فيها مكان لنزول الضيف ( كالفنادق مثلا ) ، ولا يوجد فيها محلات لبيع الطعام ( كالمطاعم ) ، ففي مثل هذه الحالة أوجب الاسلام ضيافته ثلاثة أيام ، يبيت فيها ويطعم ، ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ » . قَالَ وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ ..) ، وفي رواية للبخاري :(فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ »، وفي الصحيحين :(عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِى يَنْبَغِي لَهُمْ ». هذا هو الضيف الذي يجب إكرامه ، وله حق واجب على المضيف ، وهو الضيف المسافر ، والقادم من بلد آخر، فيجب على من ينزل عليه أن يطعمه ويكرمه ، فإن لم يفعل فله حق في ماله ، وهذا لا ينطبق على الزائر من البلد نفسه ، وليس قادماً من السفر ، أما الضيف ، أو الزائر الذي يأتي إليك من أهل بلدك ، فهو يُكرم أيضا ، ولكن ليس على سبيل الوجوب كالمسافر ، ولكن إن شئت أكرمته ، وإن لم تكن متهيئا له رددته ، فهذا يمكن أن تقول له : “ارجع” ، كما قال تعالى : (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) النور28 ، وإن كان من الأفضل إكرامه، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ « مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ». قَالاَ الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « وَأَنَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذِى أَخْرَجَكُمَا قُومُوا ». فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِى بَيْتِهِ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلاً. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيْنَ فُلاَنٌ ». قَالَتْ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّى – قَالَ – فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ كُلُوا مِنْ هَذِهِ. وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ ». فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ ».
أيها المسلمون
والحديث عن آداب الضيافة ينقسم إلى شقين، هما : آداب المضيف وهو صاحب الضيافة، وآداب الضيف وهو الزائر، فأما آداب المضيف فمنها : استحباب الترحيب بالضيوف: ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى » ، فاستقبال الرجل لضيوفه بعبارات الترحيب وما شابهها، تدخل السرور والأنس عليهم، ومن آداب المضيف : مراعاة الضيف في الخطاب: فلا تجرحه بأي كلمة ولو تعريضًا، وأنت جالس على المائدة، مثلاً لا تقل: قال صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاءً قط شرًا من بطنه»، فهذا حديث صحيح، ولكن هذا ليس مكان التحدث به. ومن آداب المضيف : أن يتجنب تكليف الضيف بعمل ولو خفيفًا: فهذا من منكرات الضيافة ومسقطات المروءة، قال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «قال لي رجاء بن حيوة: ما رأيت رجلاً أكمل أدبًا، ولا أجمل عشرةً من أبيك؛ وذلك أني سهرت معه ليلة، فبينما نحن نتحدث إذ غشي المصباح، وقد نام الغلام، فقلت له: يا أمير المؤمنين، قد غشي المصباح، أفنوقظ الغلام؛ ليصلح المصباح؟ فقال: لا تفعل. فقلت: أفتأذن لي أن أصلحه؟ فقال: لا؛ لأنه ليس من المروءة أن يستخدم الإنسان ضيفه، ثم قام هو بنفسه، وحط رداءه عن منكبيه، وأتى إلى المصباح، فأصلحه، وجعل فيه الزيت، وأشخص الفتيل، ثم رجع وأخذ رداءه، وجلس، ثم قال: قمتُ وأنا عمرُ بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبدالعزيز». أما إذا قام الزائر، وتكرّم بخدمة مزوره فلا بأس في ذلك، خصوصًا إذا كان المزور له حقٌّ، أو كان من أهل الفضل والعلم والتقى، أو كان الزائر ممن تُلغى الكلفة بينه وبين المَزُور. ومن آداب المضيف : بسط العذر له إذا تأخر عنه : فقد يحبس الضيف حابس، فيتأخر قليلاً أو كثيرًا؛ فإذا أخذت بالعدل كان لك أن تعاتبه على تأخره، وإذا أخذت بالإحسان والتكرم بسطت له العذر، ولقيته بوجه وضّاح، وجبين طلق؛ فيكون ذلك إكرامًا آخر،
أقول قول وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إكرام الضيف : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آداب المضيف : ألا تحوج الضيف إلى مد يده إلى طعام أو شراب : فينبغي أن يوضع من كل الأصناف أمام كل الضيوف، حتى لا يحتاج أحدٌ إلى أن يمدّ يده، وكذلك لا تشبع قبله ثم تنصرف وتتركه لأن ذلك يحرج الضيف ، بل حتى لو كنت شبعانا فتوهمه بالمشاركة . ومن آداب المضيف : تقديم الأكبر فالأكبر، وتقديم الأيمن فالأيمن: ، وذلك لحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في أيما حديث، ففي الصحيحين (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ ». وفي مسند أحمد : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا ». ومن آداب المضيف : استحباب الخروج مع الضيف إلى باب الدار: وهذا من تمام الضيافة، وحسن الرعاية للضيف، وتأنيسه حتى يغادر الدار، وقد زار أبو عبيد القاسم بن سلام أحمد بن حنبل رحمه الله، قال أبو عبيد: «فلما أردت القيام قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه …».
أيها المسلمون
وأما عن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الضيف نفسه فمنها : الدخول بإذن والانصراف بعد الفراغ من الطعام: وهذا أدبٌ بينه القرآن، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: 53]، ومن الآداب التي يتحلى بها الضيف : ألا يزيد في اقامته عن ثلاثة أيام: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ » ،ومن الآداب التي يتحلى بها الضيف : ألا يقترح طعاما بعينه ،وإن خير بين طعامين اختار الأيسر، وألا يحتقر ما يقدم إليه من طعام ،وليأكل ولا يسأل عنه ،ولا يكثر من الأكل . ومن الآداب التي يتحلى بها الضيف : استحباب الدعاء لأهل الطعام: فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِى – قَالَ – فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِىَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِى النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى – قَالَ شُعْبَةُ هُوَ ظَنِّي وَهُوَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى بَيْنَ الإِصْبَعَيْنِ – ثُمَّ أُتِىَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِى عَنْ يَمِينِهِ – قَالَ – فَقَالَ أَبِى وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ ادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ ». ويحق للضيف إذا رأى منكرًا في بيت المضيف أن يرجع: فقد روى البزار (عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : صَنَعْتُ طَعَامًا وَدَعَوْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ رَجَعْتَ ؟ قَالَ : إِنَّ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا فِيهِ تَصَاوِيرُ ، وَأَنَّ الْمَلائِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ). ومن الآداب التي يتحلى بها الضيف : أن يجلس في مكان مناسب: وذلك بألا يقعد في صدر المجلس، إلا إذا أذن صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت أحق بصدر مجلسه وصدر دابته من غيره ، وكذلك فإن الضيف إذا جلس في مكان فلا يجلس في المكان الذي يرى فيه الباب، ويرى ما وراء الباب إذا انفتح، وما وراء الستارة؛ حتى لا يطَّلع على عورات صاحب البيت. ومن الآداب التي يتحلى بها الضيف : أن يزور غبا ، أي بين الحين والحين ، فإن الزيارة الغب تزيد المحبة ، ففي مسند البزار (عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا).
الدعاء