خطبة عن حديث (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)
فبراير 17, 2018خطبة عن ( الجمع بين الصلوات بغير عذر )
فبراير 17, 2018الخطبة الأولى (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ».
إخوة الاسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله- ، عن قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم : (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ ) ، وقوة المؤمن في هذا الحديث هي قوة شاملة ، وتشمل قوة الإيمان ، وقوة العلم ، وقوة الطاعة ، وقوة الرأي والنفس والإرادة ، ويضاف إليها قوة البدن إذا كانت معينة لصاحبها على العمل الصالح ؛ لأن قوة البدن وحدها غير محمودة إلا أن تُستعمل فيما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال والطاعات وقال النووي – رحمه الله – في شرح صحيح مسلم : ” والمراد بالقوة هنا : عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة ، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد ، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه ، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك ، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى ، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلباً لها ومحافظة عليها ، ونحو ذلك “، وهناك أيضا قوة المال, وقوة السلطان, فالمؤمن المتفوق في كل ذلك ، يستطيع أن يفعل الخيرات الكثيرة, والتي لا يستطيع أن يفعلها الضعيف في هذه الجوانب, فالمؤمن الفقير مثلا ، لا يستطيع أن يفعل الخيرات, التي قد يفعلها المؤمن الغني , والمؤمن العالم يستطيع أن ينفع الناس بعلمه, بحيث لا يستطيع الجاهل أن يفعل من ذلك شيئا , ومن المعلوم أن التفوق من صفات المؤمنين, وأن القوة أمرنا بها رب العالمين ، فقال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الانفال 60، وقال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام :(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) هود 52، وأمر الله بالقوة في أخذ الحق ، فقال الله تعالى : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]، أي: خذ هذا الحق وهذا الدين بجد وعزيمة ، من غير توانٍ ولا تكاسل، وهو أمر لذوي الهمم العالية ،بالاستمساك بالكتاب علمًا وعملًا، وفي حديث الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ رضي الله عنه ، كما في سنن ابن ماجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ..)، ولاحظ قوله صلى الله عليه وسلم (عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ) ، فهذا يدل على غاية الاستمساك وقوته، والله سبحانه وتعالى وصف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم أشداء وأقوياء ، فقال تعالى عنهم : {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29]، فالجلَد على الطاعة، والصبر على ذلك كله من القوة التي يحبها ربنا -سبحانه وتعالى. فالمؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله، هو خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله، لأن المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية ، وبقوته العلمية ، هم ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا ، وكذلك في الجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين ، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خيرًا من المؤمن الضعيف، ثم يقول صلى الله عليه وسلم : ((وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ)) ، لأن المسلم لا يخلو من معروف وطاعة، وصلاح وإصلاح ، فهو إن ضعف في جانب من الجوانب ، فهو قوي في جانب آخر ، لذلك فهو لا يخلو من الخير والنفع لنفسه ولأمته ، ففي الحديث الحث على القوة، ودين الإسلام هو دين القوة ،ودين العزة ،ودين الرفعة ، ودائمًا وأبدًا يطلب من المسلمين القوة في كل شيء، القوة في الإيمان والعقيدة، والقوة في العمل، والقوة في الأبدان.. لأن هذا ينتج خيرًا للمسلمين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتعلق بهذا الحديث فوائد جمة ، ودروس عظيمة ، ومنها :– أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالمحبة ، وأنه يحب حقيقة .– وأنه سبحانه وتعالى يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها ؛ فهو القوي ويحب المؤمن القوي ، وهو وتر يحب الوتر ، وجميل يحب الجمال ، وعليم يحب العلماء ، ومؤمن يحب المؤمنين ، ومحسن يحب المحسنين ، وصابر يحب الصابرين ، وشاكر يحب الشاكرين . – أن محبته سبحانه وتعالى للمؤمنين تتفاضل ، فيحب بعضهم أكثر من البعض – وأن في كل مؤمن خيرا بإيمانه بالله تعالى، ولكن أهل الإيمان يتفاوتون في منازلهم، فكلما كان المؤمن أقوى في إيمانه وعمله الصالح ،كان أحب إلى الله تعالى، فمن أراد زيادة المحبة له من الله تعالى ،وزيادة القربى والصلة بالله، فليكُنْ حريصًا على تقوية إيمانه، ليزدد من الله قربًا. – وأنه ينبغي أن يكون المؤمن قويًّا في كل شيء، وذا همة عالية في أمر دينه ودنياه؛ لأن عموم الحديث يشمل ذلك كله؛ فالمؤمن قوي في توحيده، فيجتنب الشرك صغيرَه وكبيره، ويتوكل على الله تعالى في أموره كلها، ويدعو إلى التوحيد وينشره، قوي في صلاته، فلا يفرط فيها أبدًا، ويحرص على أدائها في بيوت الله تعالى، ويحرص على إتمامها بالنوافل التي تكمل ما قد ينقص منها، وقوي في أداء ما أوجب الله عليه من الزكاة؛ فلا ينقص منها شيئًا، ولا يؤخرها عن وقتها، ويؤديها إلى مستحقيها، ويكمل ذلك بالصدقة المستحبة، وهكذا في صيامه وحجه وبره بوالديه، وغير ذلك، كما ينبغي أن يكون قويًّا في عمله في دنياه، ومعنى ذلك: أن يحسن فيه نيته لربه جل وعلا، فينوي كسب الرزق الحلال، ونفع إخوانه المسلمين، ومساعدة المحتاجين، ويؤدي عمله بأمانة وصدق، ويتقنه على الغاية التي يستطيعها، وبما تقدم كله يكون المؤمن قويًّا فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، فيتحقق فيه وصف المؤمن القوي من جميع جوانبه.
الدعاء