خطبة عن قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ)
فبراير 24, 2018خطبة عن ( رسالة المسلم وهدفه )
فبراير 24, 2018الخطبة الأولى ( كن داعيا إلى الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (33) :(35) فصلت ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ».
إخوة الاسلام
الدعوة إلى الله تبارك وتعالى من أعظم العبادات، ومن أجل القربات ، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وسبيل المؤمنين الصالحين، وفضائلها أكثر من أن تُعد أو تُحصى في كتاب الله تعالى ، وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ويكفي الداعي إلى الله شرفا ومنزلة ورفعة وقدرًا، أن مدحه الله تعالى بقوله سبحانه : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت (33) ،وقوله تعالى : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء (114)، وقوله عز وجل : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (يوسف : 108 ) .ويكفي الداعي إلى الله فخرا وبشرا وسرورا، أنه من السعداء ،والفائزين المفلحين في الدنيا والاخرة .. قال الله سبحانه وتعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران (104) ،ويكفي الداعي إلى الله أن الله جل وعلا يشمله برحمته، ويكلؤه بعنايته، ويمده بتوفيقه، ويخصه بنعمه الغامرة ، قال الله سبحانه وتعالى :{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة (71) ،(72) ، ويكفي الدعاة إلى الله جل في علاه أن هداية رجل واحد على أيديهم خير لهم مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ففي الصحيحين : قال صلى الله عليه وسلم (فَوَ اللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ » فمن ذا الذي يشمر عن ساعد الجد لنيل هذا الخير العظيم، والظفر بهذه المنزلة الرفيعة، والفوز بهذه الفضائل الجليلة؟ من ذا يترفع عن سفاسف الأمور، ويعلي همته ويسمو بها في سماء المعالي، فيجتهد في طلب العلم لكي تكون دعوته على علم وهدى وبصيرة ؟
أخي في الاسلام
هل سألت نفسك يوما ماذا قدمت لهذا الدين؟ وهل هَمُّ الدعوة إلى الله فوق كل همومك ؟ وهل لك دور إيجابي في بيتك وحيك ومدرستك ومقر عملك ؟ وكم أعطيت للدعوة إلى الله من وقتك ومالك وفكرك وجهدك ؟ وكم من الناس تأثروا بك أو اهتدوا على يديك ؟ ليقف كل منا مع نفسه وقفة صدق ومحاسبة ، ويجيب على هذا السؤال : ماذا قدمت لدين الله ؟ ولنتذكر حديث نبينا عليه الصلاة والسلام : « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً .. ) رواه البخاري ، فالدعوة إلى الله مسئولية الجميع، كلٌّ حسب جهده وطاقته وقدرته واستطاعته، كلّ حسب خبرته وإمكانياته المتوفرة لديه دون إفراط أو تفريط . وعلينا أن نسعى مخلصين إلى أن نصدق قولنا بفعالنا ، واحذروا من أن يكون غرضنا وهدفنا من الدعوة إلى الله هو إثبات الذات، أو حب الظهور والتصدر والشهرة و والرياء والسمعة ومدح الناس وطلب ما في أيديهم، ولنستحضر دائما حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة، رغم أن أعمالهم كانت صالحة وعظيمة وجليلة، ولكن الله سبحانه وتعالى أحبطها ولم يتقبلها منهم لماذا؟ لأنها افتقدت إلى الإخلاص والنية الصادقة وخالطتها شوائب الشرك والرياء، والله تبارك وتعالى يتبرأ من أمثال هؤلاء كما في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ».
أخي المسلم
فليست الدعوة الى الله مقصورة على من ارتقى المنابر ، أو وقف خطيبا أو واعظا أمام الناس ، ولكن الدعوة إلى الله لها صور ووسائل متعددة في حياتنا، كل على حسب وسعه وقدرته ، فإن كنت ذا مال فكن داعيا إلى الله بمالك ، وإن كنت عالما فكن داعيا إلى الله بعلمك ، بأخلاقك ، بنصيحتك ، بتربيتك لأولادك ، بأدائك واتقانك لعملك ، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بحالك ومقالك ، بمعاملتك الحسنة للناس ، بعطفك وحناك ، ببرك واحسانك ، بتبسمك في وجه أخيك ، ببرك لوالديك ،واحسانك لجارك ،واكرامك لضيفك ، وتفريج كرب المكروبين ، واعانة المحتاجين ، ومساعدة الأرامل والمساكين ، و …. كن داعيا إلى الله عبر شبكات النت والتواصل الاجتماعي ، كن داعيا الى الله على المنابر والدروس والندوات والمحاضرات ، كن داعيا الى الله بصدقك وأمانتك وأخلاقك وعفتك وحيائك ..
أيها المسلمون
وعن طريق الدعوة إلى الله تعالى تحمل الأمة رسالة الإسلام الخالدة إلى مشارق الأرض ومغاربها ، صافيةً نقيةً لتُخرج الناس من الظُلمات إلى النور ، ولتهديهم طريق الحق وسبيل النجاة في هذه الحياة الدنيا ، ولو بالكلمة الصادقة الناصحة التي تخرج من قائلها ابتغاءً لمرضاة الله تعالى . وليكن تعاملك حسناً مع جميع إخوانك المسلمين الذين يفرض عليك واجب الأخوة في الله تعالى ، أن تكون هيناً ليناً في تعاملك معهم ، وأن تكون مُحباً صادقاً في شعورك تجاههم ، وأن تكون حريصاً على تبليغهم الحق بما تستطيعه وما تقدر عليه من الوسائل والأساليب ولا تحتقرها مهما كانت بسيطةً في نظرك فإنها بلا شك عظيمة القدر عند الله تعالى ،فكن داعياً إلى الخير ودالاً عليه في كل شأنٍ من شؤون الحياة ، ولا تنس أنك تنال بذلك عظيم الأجر وجزيل الثواب متى صحت النية وكان العمل خالصاً لوجه الله تعالى لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ تبعه، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً ” ( رواه مسلم ) . كن داعياً من خلال أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر على علمٍ وبصيرةٍ ، وأن يكون أمرك بالمعروف بمعروف ، ونهيُك عن المنكر بلا مُنكر كما أُثر عن أحد علماء السلف . واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كل فردٍ مسلمٍ ، صغيراً كان أو كبيراً ، عالماً أو مُتعلماً ، وما ذلك إلا ليكون الجميع حُراساً على وحدة الأمة المُسلمة ، وحماةً للمجتمع المُسلم . ولتكن دعوتك – أخي المسلم – متصفةً باللين والهدوء والصبر والسماحة ، وإياك أن تغضب أو تنفعل فليس هذا من خُلق المؤمن الذي يقتدي في كل شأنه بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن فظاً ، ولا غليظاً ، ولا فاحشاً ، ولا بذيئاً ، ولا عبوساً ، ولا غضوباً ، ولا مُتسرعاً ، ولا لعاناً ؛ وإنما كان صلى الله عليه وسلم صاحب خُلقٍ عظيم وأدبٍ جم .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كن داعيا إلى الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأُذكِّرُك أُخي أنك إن لم تستطع أن تقوم بشيء مما تقدم ؛ فليس أقل من أن تكفي المسلمين شر لسانك ويدك ،فعَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » . فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ « يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ « يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ ». قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ . قَالَ « فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ » ( رواه البخاري ) . وكن داعياً إلى الله تعالى بلزومك جماعة المسلمين ، وحمل هم الإسلام ، وموالاتك للمؤمنين ، ومحبتك لله تعالى ، وإتباعك لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحُسن انتمائك لأمة الإسلام ، ونصرتك للدين في كل الميادين ، ودوام حمدك وشكرك لله رب العالمين ، وتوكلك على الله ، وحرصك على الطيبات ، وابتعادك عن الحرام ، ودوام تلاوتك للقرآن الكريم ، وحرصك على أن يظل لسانك رطباً بذكر الله سبحانه ، واعترافك بالجميل لمن أسداه إليك ، والدعاء لنفسك ولوالديك ولإخوانك المُسلمين ؛ فإن من كان كذلك كان داعياً إلى الله بقوله وعمله ،
أيها المسلمون
باستطاعة كل مسلم أن يدعو إلى الله ويخدم دينه ، وأن يكون ممن شرفهم الله بحمل أمانته وتبليغ دعوته : فأنت تخدم الإسلام إذا صح منك العزم وصدقت النية ، وأنت تخدم الإسلام إذا عرفت الطريق وسرت معه ، وأنت تخدم الإسلام : إذا استفدت من جميع الظروف المتاحة والإمكانيات المتوفرة ، وأنت تخدم الإسلام : إذا قدمت حظ الإسلام على حظوظك النفسية والمادية ، وأنت تخدم الإسلام : إذا سلكت سبل العلماء والدعاة والمصلحين ،وأنت تخدم الإسلام : إذا ابتعدت عن الكسل والضعف والخور ،وأنت تخدم الإسلام : إذا ربطت قلبك بالله عز وجل وأكثرت من الدعاء والاستغفار ومداومة قراءة القرآن ، وأنت تخدم الإسلام : إذا وهبته جزءاً من همك ، وأعطيته جزءاً من وقتك وعقلك وفكرك ومالك ،وتخدم الإسلام : كلما وجدت باباً من أبواب الخير سابقت إليه وسرت إلى الإسهام بالعمل فيه
الدعاء