خطبة عن ( رسالة المسلم وهدفه )
فبراير 24, 2018خطبة عن حديث ( من قال لصاحبه أَنْصِتْ.. وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَا)
فبراير 24, 2018الخطبة الأولى ( وقفات وتأملات في سورة الزلزلة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ،ويقول سبحانه: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقال الله تعالى : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الزلزلة
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سُئلت عائشةُ رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد : (قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”. وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به”
أيها السلمون
ومن السور القصار التي نقرؤها مرارا وتكرارا ، سورة الزلزلة ، وسوف نقضي معها اليوم إن شاء الله دقائقَ ولحظات ، نحرك بها القلوبَ ، ونطهر بها النفوس ، وتسمو فيها الأرواح ، وتسعد بها الأفئدة ، يقول الله تعالى : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)) سورة الزلزلة ، ففي قوله تعالى : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) الزلزلة (1) ، يخبرنا الله تبارك وتعالى عما يحدث يوم القيامة من أهوال ، فالأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم ، وعندها تندك جبالها، وتسوى تلالها، قال تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) (105) :(107) طه ، فهذه الأرض التي نراها ساكنة ،ونمشي عليها هادئةً مستقرة بالجبال الرواسي ، إذا جاء يوم القيامة سوف تتغير حالتها ،فإنها تضطرب وترجف رجفًا شديدًا، وتميد بأهلها، وتدك دكا ، قال تعالى ، (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) [الفجر: 21]. فهذه الآيةٌ تعلن ،أن انتهاء الحياة الدنيا ،حين زلزلت الأرض زلزالها ،الذي لا يماثله زلزال آخر في شدته ،وعظمته وهوله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 2]. وأما قوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) الزلزلة (2) ، أي: أخرجت الأرض ما في بطنها، من الأموات ، ومن الكنوز، وغير ذلك ، وقد روى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلاَذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَتَلْتُ .وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي. وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِى ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا ». {وَقَالَ الإنْسَانُ}، أي إذا رأى الانسان ما حدث لها من الأمر العظيم ، قال : مستعظمًا لذلك: {مَا لَهَا} ؟ أي: أي شيء عرض لها؟، ما الذي حدث للأرض ، وأي شيء أصابها ، ولماذا اضطربت وارتجت؟ ويتعجب الكفار من خروجهم، ويقولون: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) ، فيجيبهم المؤمنون: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [ يس:52]. ونأتي إلى قوله تعالى : {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ} أي أن الأرض تحدث{أَخْبَارَهَا} أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فالأرض من جملة الشهود ،الذين يشهدون على العباد بأعمالهم يوم القيامة، وذلك {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي أن الله سبحانه وتعالى أمرها أن تخبر بما عُمل عليها، فليس للأرض أن تعصى أمره ، بل هي سوف تتكلم يوم القيامة وتُحدث وتنطق، كما تنطق الجلود والأسماع والأبصار في ذلك اليوم العظيم. وفي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ». ونأتي إلى قوله تعالى : {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ} أي يسرعون إلى منازلهم من أرض الموقف، وحين يقضي الله بينهم يصدرون {أَشْتَاتًا} أي: فرقًا متفاوتين، فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، فينصرفون من موقف الحساب أصنافا متفرقين، قال الله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) [الروم: 15]، ونأتي إلى قوله تعالى : {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أي: ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات، ويريهم جزاءهم موفورًا، ينظر الناس إلى أعمالهم ، فالمحسن يرى ما أعده الله من النعيم، والمسيء يرى ما أعده الله له من العذاب المقيم ، ونأتي إلى قوله تعالى : {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وهذا شامل وعام للخير والشر كله، لأنه إذا رأى مثقال الذرة، التي هي أحقر الأشياء، [وجوزي عليها] فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى، كما قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} آل عمران 30، وهذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا ،والترهيب من فعل الشر ولو حقيرًا. فمن يعمل في الدنيا أيَّ عملِ خير ولو كان في الصغر وزن ذرة، فإنه سيلقي حسنَ جزائه، والذرة فُسِّرَتْ بأنها النملة، وفسرت بأنها الهباء الذي يكون في شعاع الشمس إذا دخلت من النافذة، وكذا من عمل في الدنيا أي عمل شر، ولو كان في الصغر وزن ذرة، فإنه سيلقى سوء عقابه. وهذه الأعمال يجدها العبد مكتوبة في كتاب لا يضيع منه شيء ، قال الله تعالى : (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [ الإسراء: 14], وقال تعالى :(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [ الكهف: 49]. وهاتان الآيتان {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ، هما من المواعظ البليغة في القرآن، فقد روى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْفَرَزْدَقِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَرَأَ عَلَيْهِ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قَالَ حَسْبِي لاَ أُبَالِى أَنْ لاَ أَسْمَعَ غَيْرَهَا). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا: وضعي وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار أقدمه لحياتي، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة، وتمام التقوى أن يتقي اللهَ تعالى العبدُ حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى أن يترك بعضَ ما يرى أنه حلالٌ خشيةَ أن يكون حراما، حتى يكون حاجزا بينه وبين الحرام، وفي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه…. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْحُمُرِ قَالَ « مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) . (الزلزلة :8 ). ومن الآيات الكريمةِ التي وردت في معنى هاتين الآيتين ،قوله تعالى: (إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيما) [النساء: 40 ]. وقولُه تعالى: (وَنَضَعُ الموازين القِسطَ لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: ]، وقوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران: 30]. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات وتأملات في سورة الزلزلة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فسورة الزلزلة سورةٌ تحرك القلوبَ لمن كان له قلب، فهي قليلةٌ ألفاظُها كثيرةٌ معانيها، ولعلنا نخرج منها بفوائد وعبر، منها: أولا : الاستعداد ليوم المعاد، وهو يومٌ عظيم، يوم الأهوال والشدائد ، والتي منها زلزلة الأرض ، وهذا يدعو المسلمَ أن يعلق قلبَه بالدار الآخرة، ويزهد في هذه الدار الفانية ، والعاقلُ من قدم الباقي على الفاني. ثانيا : من الفوائد والعبر : أن يحذر العبدُ من معصية الله، لأنه على أرضه، وكل مكان من الأرض سيخبر بما عمل عليه من خير أو شر. وذكروا أن رجلا جاء إلى إبراهيمَ بنِ أدهم فقال: إن نفسي تدفعني إلى المعاصي فعظني، فقال له إبراهيم: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه، ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسةُ شروط، قال الرجل: هاتها، قال إبراهيم: إذا أردت أن تعصيَ الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه، فقال الرجل: سبحان الله، كيف أختفي عنه وهو لا تخفى عليه خافية. فقال إبراهيم: سبحان الله، أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك، فسكت الرجل، ثم قال: زدني، قال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فلا تعصه فوق أرضه، فقال الرجل: سبحان الله، وأين أذهب؟ وكل ما في الكون له. فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله، وتسكن فوق أرضه ؟ قال الرجل: زدني، قال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه، فقال الرجل: سبحان الله، وكيف أعيش، وكل النعم من عنده، فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله، وهو يطعمك ويسقيك، ويحفظ عليك قوتك؟ قال الرجل: زدني، فقال إبراهيم: فإذا عصيت الله ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم، فقال الرجل: سبحان الله، وهل لي قوة عليهم، إنما يسوقونني سوقاً، قال إبراهيم: فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك فأنكر أن تكون فعلتها، فقال الرجل: سبحان الله، فأين الكرام الكاتبون، والملائكة الحافظون، والشهود الناطقون، ثم بكى الرجل ومضى وهو يقول: أين الكرام الكاتبون، والملائكة الحافظون، والشهود الناطقون. ثالثا : من الفوائد والعبر : لا تحتقر شيئا من العمل خيرا كان أو شرا، ففي الصحيحين :(عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ ذَكَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – النَّارَ ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا ، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ – قَالَ شُعْبَةُ أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ – ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » ، وروى البخاري في صحيحه :(عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ » . قَالَ حَسَّانُ فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً ). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ». وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَاداً فَأَجَّجُوا نَاراً وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا). رواه أحمد وصححه الألباني ،وعن عائشة رضي الله عنها, أن سائلا أتاها وعندها سلة من عنب, فأخذت حبة من عنب فأعطته، فقيل لها في ذلك، فقالت: كم فيها من مثقال ذرة، ثم قرأت (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) .
الدعاء