خطبة عن (هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
يناير 27, 2018خطبة عن ( القدوة والأُسْوَة الحَسَنَة )
فبراير 3, 2018الخطبة الأولى ( لأنك أنت الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (22): (24) الحشر، وفي الصحيحين : أن(ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : « اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ – أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ – »
إخوة الاسلام
إنه الله جل جلاله ، فإذا حلَّ الهمَّ وخيَّم الغمَّ واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السُّبل وبارت الحيل نادى المنادي: يا الله .. يا الله .. يا الله.. فهو الملاذ في الشدة والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض فيدعوه لشفائه، ويتجه إليه المكروب ويسأله الصبر بالمكتوب، يتجه إليه المظلوم داعياً بنصرته، خزائنه لا تنفد، كريم لا يبخل، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات ويبدِّلها إلى حسنات، ما ردَّ ولا خيَّب من دعاه فهو قريب مجيب الدعاء. إنه الله جل جلاله ، فهو سبحانه سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، ويحب التوابين والمتطهرين، هو الله الأحد الصمد ،الذي لم يلد ،ولم يولد ،ولم يكن له كفواً أحد، خلق فسوى ، وقدَّر فهدى ، إنه الله جل جلاله ، فهو التواب الرحيم ،ذو الفضل العظيم ،الواسع العليم ،العزيز الحكيم ،ابتلى إبراهيم، وسمع نداء يونس وهو في بطن الحوت، واستجاب لزكريا فأعطاه يحيى، وأزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع عيسى، وشق القمر لمحمد عليهم جميعاً صلوات من ربي وسلام. وفي سنن الترمذي بسند حسن : (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِى « يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ». قَالَ أَبِى سَبْعَةً سِتًّا فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ « فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ». قَالَ الَّذِى فِي السَّمَاءِ. قَالَ « يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ ». قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي. فَقَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِى ».
فأيها المسلم الموحد ،إذا حاصرتك الحاجات، أو داهمتك الخطوب، والتفّت من حولك الهموم، وأخذت روحك في الهرب إلى المجهول، فأنت بحاجة إلى من تصمد إليه ،ليمدك بكل ما تحتاجه ،لتكون قوياً في هذه الحياة، وتجابه واقعك بشموخ، وتتجاوز عقدك بعزيمة! فأنت محتاج إلى الله الصمد ، فالصمد هو الله ، الذي تصمد إليه الخلائق، أي تلجأ إليه، وهو المقصود في الرغائب، وهو المستغاث به عند المصائب، والمفزوع إليه وقت النوائب. فها هي تنقطع الأمطار، وتصبح الدنيا قاحلة على عهد موسى عليه السلام، فيخرج هو وقومه وهم آلاف من الرجال والنساء والولدان، فيرى موسى نملة خرجت رافعة يدها إلى السماء صامدة إلى رب السحاب، فعلم موسى أن هذا الصمود، وهذا الذل لن يعقبه إلا هطول السماء بماء منهمر، فقال لقومه: ارجعوا فقد كُفيتم، فعادوا على صوت الرعود، ورذاذ المطر! وأنصت أخي إلى أولئك الذين تعبث بهم سفينة، أو يرون الموت وهو مقبل عليهم، وتعصف بهم رياح التقلبات سوف تسمعهم بجميع أديانهم يلهجون باسمه: يا الله! فالصمد تصمد إليه.. لترتاح، ليهدأ لهاثك، لأنك بدونه تركض وتلهث وتتوتر، جعل في داخلك حاجة لأن تقول اسمه، هناك أمن يعم كيانك إن قلت يا الله، فإذا لم تقلها اختياراً، قلتها اضطراراً، وإن لم تذكرها إيماناً ذكرتها قهراً، وإذا لم تكن كلمتك في الرخاء، كانت صرختك في الشدة! ، فأصمد إليه في كل حين، فعقلك خراب إن لم يمر اسمه على خطراتك، فإذا جاء ذكر الحي الذي لا يموت صارت أنهاراً وأشجاراً وعصافير شادية. قال الخليفة لابن عمر وهو يطوف حول الكعبة: سلني يا ابن عمر، فنظر إليه بشموخ الصامد إلى الله وقال: من أمر الدنيا أم الآخرة؟ فقال أما الآخر فلله ولكن من شؤون الدنيا، فقال ابن عمر: لم أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها؟!
أيها المسلم الموحد
إنه الله جل جلاله ، فإذا شعرت يوما أن حياتك في خطر، أو أن المرض يهدد صحتك، أو كان ابنك بعيداً عنك وقد خشيت عليه من الضياع أو رفقاء السوء، أو أن مالك الذي جمعته قد بات قاب قوسين أو أدنى من التبدد والتلف فاعلم أنك بحاجة إلى أن تعلم أن من أسماء ربك سبحانه “الحفيظ” وأنه ينبغي عليك أن تجدد إيمانك بهذا الاسم العظيم، وأنه قد جاء الوقت المناسب لتتفكر فيه وتتأمل.. فهو وحده من يحفظ حياتك، ويحفظ صحتك، ويحفظ أبناءك ويحفظ مالك، ويحفظ كل شيء في هذه الحياة! يحفظ سمعك وبصرك، لذلك ندعوه في الصباح والمساء أن: اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري. فالحفيظ هو من يحفظ سمعك، الذي تسمع به الحرام، ولو شاء لأذهبه في لحظة. ويحفظ بصرك الذي تنظر به للحرام، ولو شاء لأذهبه في لحظة. لو لم يثبت قلبك على دينه لتناوشتك الشبهات، وتخطفتك الأهواء ، فلأجلك أنت يأمر الحفيظ سبحانه أربعة ملائكة أن يحيطوا بك حتى يحفظوك بأمره من كل ما لم يقدّره عليك ، وكيف لا يكون حفيظاً وقد أوكل بك هذا العدد من ملائكته الكرام حتى يصدوا عنك أي طلقة لم يشأ سبحانه أن تخترق جسدك، وأي صخرة لم يرد سبحانه أن تنهي حياتك، بل وأي بعوضة لم يشأ سبحانه أن تؤذي بشرتك! فإذا خرجت من بيتك وخشيت على اطفالك فقل: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، ستعود –بإذن الله- وهم في أحسن حال، لأنه الحفيظ! وإذا ألجأتك الظروف أن تترك شيئاً ثميناً في مكان عام أو مكان غير آمن فانزح بقلبك إليه وقل: اللهم احفظه، وثق أن عين الله ستكلؤه إلى أن تعود. ومن صور حفظ الله أنه سبحانه يدافع عن المؤمنين: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) الحج 38 ، وفي الحديث القدسي: ” مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ” رواه البخاري . ولأجل عباده وأوليائه يلقي بالرعب في قلوب الذين كفروا فتنتفض أطرافهم فرقاً من أولياء الله!، فها هم فتية الكهف يلتجئون إليه ويسألونه الهداية فيلجئهم إلى كهف بلا باب، كهف مفتوح للبشر والهوام والسباع، ولكنه يريد حفظهم فيلقي عليهم أحد جنوده، إنه جندي الرعب!! فلا يقترب من الكهف أحد إلا وانتزع الرعب رغبته في التقدم فتراه يهرع خائفاً، قال الله تعالى: ( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) الكهف 18، والحفيظ يحفظك بالملائكة، إذا قرأت آية الكرسي قبل أن تنام أوكل الله لك ملَكاً يقوم على رأسك يحفظك مما لم يقدره الله عليك.
أيها المسلمون
إنه الله جل جلاله ، فهو اللطيف الخبير ، وإذا أراد اللطيف أن يعصمك من معصية جعلك تبغضها، أو جعلها صعبة المنال منك، أو أوحشك منها، أو جعلك تقدم عليها فيعرض لك عارض يصرفك به عنها!، وعباد الله يرقبون تلك الألطاف من اللطيف، ويبصرونها ببصائرهم، وكأن كل قضاء ينالهم به بصمة لطفٍ يدركونها وحدهم. فعندما أراد اللطيف أن يخرج يوسف عليه السلام من السجن، لم يدكدك جدران السجن، ولم يأمر مَلَكَاً أن ينزع الحياة من أجساد الظَلَمة، ولم يأذن لصاعقة من السماء أن تقتلع القفل الحديدي، فقط.. جعل الملك يرى رؤيا في المنام تكون سبباً خفياً لطيفاً يستنقذ به يوسف الصديق من أصفاد الظلم! ، ولما شاء اللطيف أن يعيد موسى عليه السلام إلى أمه لم يجعل حرباً تقوم يتزعمها ثوار بني إسرائيل ضد طغيان فرعون يعود بعدها المظلومون إلى سابق عهدهم، لا.. بل جعل فم موسى لا يستسيغ حليب المرضعات! بهذا الأمر الخفي يعود موسى إلى أمه بعد أن صار فؤادها فارغاً! ولما شاء اللطيف أن يخرج رسولنا عليه الصلاة والسلام ومن معه من عذابات شِعب بني هاشم لم يرسل صيحة تزلزل ظلم قريش، فقط أرسل الأرَضَة تأكل أطراف وثيقة الظلم وعبارات التحالف الخبيث! فيصبحون وقد تكسرت من الظلم العُرى، بحشرة لا تكاد ترى! وأنت تنام ،فيحب اللطيف أن تقوم تصلي بين يديه، فيرسل ريحاً هادئة تحرك نافذتك، أو طفلاً من أسرتك يمر ويحدث ضوضاء بجوار غرفتك، أو حاجة شديدة في شرب شيءٍ من الماء، فتستيقظ وتنظر إلى الساعة، وبعد دقائق تكون واقفاً على السجادة تناجيه ولا تعلم أنه هو من أيقظك! وقد تخطط لمعصيته، فتخرج ليلاً، تفاصيل الخطة محكمة، فجأة تمر سيارة من بعيد، فتشك أنت أن أحدهم يراقبك، فتنغّص تلك السيارة المارة فكرة الذنب لديك، فتبرد إرادتك وتعود إلى بيتك، ولا تعلم أنه هو من صرفك بلطفه عن معصيته!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لأنك أنت الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما إذا داهمتك الأمراض ، وانهكت جسمك الأسقام ، وعجز الطبيب ، وقلاك القريب ، فالجأ إلى من بيده الشفاء ، إنه الشافي لكل الأمراض ، وها هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي جاء ربه بقلب سليم، يقولها عليه السلام ، فيفهم المؤمن منه الدرس ولا يلتجئ إلا للحي الذي لا يموت ، قال تعالى على لسانه: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء 80، فهو وحده، لا أحد سواه يشفيني، ولن تحتاج إلى غيره إذا أراد شفائك، ولن يفيدك غيره إذا لم يرد! ، ويرض الجدري جسد أيوب عليه السلام، تتشتت أسرته، تتبعثر أملاكه، أكثر الناس تفاؤلاً يفقد الأمل في شفائه، وهو صابر محتسب! تشتعل الأسقام في جسده وهو منكس الرأس لمولاه، وبعد سنوات البلاء، يند من شفتيه دعاء حيي، دعاء منكس ،رأسه بذلة، دعاء ممتلئ باليقين:( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء 83، فإذا بأبواب السماء تنفتح بالرحمة، وإذا بالأوامر العليا تنزل من فوق السماء السابعة لأجل ذلك المهموم المكروب ، وتنتهي سنوات العذاب في ساعة، ليأتي عهد الشفاء! وهو سبحانه بالمرض يذكرك بأيامك الأولى، يقول لك: عد إلي، فكما خلقتك من عدم فأنا وحدي الذي أرفع عن جسدك السقم! فإذا رضيت عن الله أرضاك الله.. فالمرض من أقسى اختبارات الرضا، فإذا كانت إجاباتك في هذا الاختبار راضية، كانت النتيجة مرضية بإذن الله. قد يسأل البعض: كيف أرضى بالمرض وفيه الألم المكروه فطرة؟ يجيب الإمام ابن القيم عن هذا قائلاً: (لا تنافي في ذلك، فإنه يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يحب، ويكرهه من جهة تألمه به، كالدواء الكريه الذي يعلم أن فيه شفاءه، فإنه يجتمع فيه رضاه به، وكراهته له). قل من بين آهاتك ما أمر به نبيك أمّته أن تقول: (رَضيتُ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا ) رواه مسلم ، قلها بقلبك، واجعل قلبك يتنفس الرضا، اجمع يديك واتل اسمه في دعائك، ثم امسح على جسدك ، واجعل المرض بداية عهد جديد تتعرف فيه إلى ربك من خلال اسم الشافي
أيها المسلمون
إنه الله جل جلاله ، فإذا حلَّ الهمَّ وخيَّم الغمَّ واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السُّبل وبارت الحيل نادى المنادي: يا الله .. يا الله .. يا الله.. فهو الملاذ في الشدة والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض فيدعوه لشفائه، ويتجه إليه المكروب ويسأله الصبر بالمكتوب، يتجه إليه المظلوم داعياً بنصرته، خزائنه لا تنفد، كريم لا يبخل، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات ويبدِّلها إلى حسنات، ما ردَّ ولا خيَّب من دعاه فهو قريب مجيب الدعاء. إنه الله جل جلاله ، فهو سبحانه سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، ويحب التوابين والمتطهرين، هو الله الأحد الصمد ،الذي لم يلد ،ولم يولد ،ولم يكن له كفواً أحد، خلق فسوى ، وقدَّر فهدى ،وأخرج المرعى ،فجعله غُثاءً أحوى، السماء بناها ،والأرض دحاها ،والجبال أرساها ،وأخرج من الأرض ماءها ومرعاها. إنه الله جل جلاله ، فهل شعرت يوما بضعفك؟ وبأن الدنيا بتفاصيلها أكبر منك، وبأنك ريشة في مهب ريح الحياة الصاخبة؟ إذاً فاتخذ الله وكيلاً.. فأرح نفسك من ضعفها، وقلقها بأن تجعلها تتفيأ ظلال الوكيل سبحانه .فهو الذي لا ينبغي أن تتوكل إلا عليه، ولا تلجئ ظهرك إلا إليه، ولا أن تضع ثقتك إلا فيه، ولا أن تعلق آمالك إلا به. فأي عمل توكلت على الله فيه ، فهذا يعني أنك وضعت ثقتك في إتمام هذا العمل بمن يملك الأمور كلها، ومن يجير ولا يجار عليه. يقول سبحانه: ( رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) المزمل 9، فيأمرك رب المشرق والمغرب أن تتخذه وكيلا، فماذا بعد هذا من راحة وعز وشموخ وضمان للتوفيق؟ ، فقط يريدك أن تقول بقلبك: أنت وكيلي يا الله! والتوكل يقين قلبي، يحيلك إلى سائر تحت مظلمة عظيمة تقيك من حر الهموم، ومطر المكائد، ورياح الدنيا المقلقة.. المحروم وحده هو من لا يقدّر هذه المظلة ومن لا يحاول السير تحتها. فما هو الأمر الكبير والكرب الشديد والهم العظيم الذي سيستعصي على رب العزة؟ العزة نفسها هو ربها، كل عزة سمعت بها أو علمتها هو ربها، فكيف يمكن لكروبك أن تصمد أمام إرادة رب العزة والكبرياء والعظمة؟ وأعظم ما تتوكل على الله فيه هو عبادته، أن تتخلى وتتبرأ من حولك وقوتك وتقول بقلبك قبل لسانك: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة 5، فلا يتصور أن يأمرك الله أن تعبده، ويأمرك أن تتوكل عليه، فتتوكل عليه في أمر العبادة فيخذلك، فقط أكثِر من الكلمات النبوية الكريمة: (اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) رواه أحمد ، إنه الله جل جلاله ، فهو رحيم، فأنزل حوائجك ببابه ،واجعل قلبك منكسراً وكأنه مُخبت تحت العرش، ولو لم تدعه، الرحيم سبحانه يريد هذه الحالة الخاشعة منك، وبعدها ثق بأنه سيقضي حوائجك، ويرفع مرضك، ويخلق الابتسامة على ثغرك. الله سيحول جميع مشاكلك إلى حلول، وكل آلامك إلى عافية، وكل أحلامك إلى واقع، وكل دموعك إلى ابتسامات. ألست تريده أن يحبك؟ فهو القائل :(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران 159، إن هذا المعنى لا يمكن لمن لديه أدنى رهافة ،أن يمر عليه دون أن يخفق فؤاده حنيناً وشوقاً ، فالله الذي لا إله إلا هو يحبك، هذا سبب كاف جداً أن تسعى إلى التعلق به، وأن تتوكل عليه ، قد يأتي بعض الناس ليثبطوك، أو ليهزوا يقينك الداخلي، ليأمروك أن تخشى فلان .. أو أن تخاف علان.. لتغير موقفك ،أو تحرف وجهة مبادئك، في تلك اللحظة ،اغسل قلبك بالإيمان وقل: حسبي الله ونعم الوكيل، لحظتها ستنقلب بنعمه من الله وفضل، ولن يمسك سوء! اقرأ بتدبر قوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ – فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) آل عمران ( 173، 174 ) ،وإذا توكلت على الله ،فلا تعتقد أن المسألة تتعلق بأنك لم تجد غيره لتتوكل عليه، لا أبداً، فأنت تتوكل على أعظم ما يمكن أن يتوكل عليه مخلوق ، فلا تتخذ وكيلاً غيره، واحذر أن تلتجئ إلى سواه، سوف يصيبك الوهن، ويتعلق قلبك بشُعب الدنيا، فلا تتكل على غيره وهو الحي، ولا تلتجئ إلى غيره وهو المُقيت ، فالحياة مزرعة مليئة بالأمراض والأتعاب والأشباح والخطط والمؤامرات، وبدون رعاية الله ستبتلعك هذه الأفاعي!!فهو حسبك وكافيك ورادّ السوء عنك.. أنت إن لم تحطك رعاية الله من كل جانب هلكت! وإذا نمت ألجئ ظهرك إليه وفوض أمرك إليه رغبة ورهبة إليه، في كل حين وكل لحظة تذكر: هناك رب أمرك أن تتوكل عليه، وأنت تحتاجه، لا تفرط في هذه الفرصة. قل: يا الله توكلت عليك.. ونستكمل الموضوع في الجزء الثاني إن شاء الله
الدعاء