خطبة عن التعاون(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
مارس 3, 2018خطبة عن الصحابي: (أَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِثِ)
مارس 3, 2018الخطبة الأولى ( يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : « يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع الفقرة الأخيرة من هذا الحديث القدسي ، وهي قوله تعالى : « يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». فالله -جل وعلا- لم يترك للإنسان المقصر حُجة يحتج بها، ولا يمكنه أن يأتي يوم القيامة ويقول: أنت كتبتني شقياً فكيف تلومني؟ كما تقول الجبرية؟ ، لا، لقد ترك الله للإنسان حرية الاختيار، وبين له الطريق، وهداه النجدين، وبين له السبيلين ، وعاقبة كل منهما ، قال الله تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس (7): (10) ، وقال الله تعالى :(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) الانسان (3) ، وقال الله تعالى 🙁 إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) الليل (4) :(10) ، ومثل المحتج بالقدر كمثل من عنده الماء، ولا يوجد ما يمنعه منه، ثم لم يشرب فعطش، من يلوم حينئذٍ؟ لا يلومن إلا نفسه، فهو الذي فرط في حق نفسه. وكذلك لو سافر سفراً بعيداً يقطع به المفاوز ولم يحمل معه ماء ولا زادا، فمات جوعاً وعطشاً من يلوم؟ يلوم نفسه؛ لأنه هو الذي فرط، وهو الذي أهلك نفسه. فالإنسان الذي بُين له الحلال والحرام، وبُين له طريق الحق والصواب ،وطريق الضلال والانحراف ، ثم اختار الضلال ، فلا يلومن إلا نفسه. فالعبد له مشيئة ،وله حرية ،وله اختيار، ولكنه لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، فإذا أذن المؤذن ثم جلس في بيته ولم يصل ، وقال: مكتوب علي ألا أصلي، واحتج بالقدر على هذه المعايب، فليس له ذلك؛ فما الذي يدريه أنه مكتوب عليه أنه لا يصلي؟ ومن الذي يمنعه من أن ينهض إلى المواضئ ويتوضأ ويذهب إلى المسجد؟ هل أحد يمنعه؟ فقد أعطاه الله -جل وعلا- من القدرة ومن الحرية والاختيار أن يذهب ويتوضأ ويذهب إلى المسجد ويرجع من دون أي معترض، ثم يقول: “أنا مكتوب علي أني لا أصلي”. فالاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعايب. وفي الصحيحين : (عَنْ طَاوُسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ». فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ». وقد يتسبب إنسان في إضلال إنسان، ثم يتجه باللوم عليه، فمثلا : إذا أراد أن يصلي، قال له : “انتظر قليلا-، فما زال به حتى خرج الوقت. فلا تَلُمْ أيها الساهي عن صلاتك إلا نفسك، فأنت الذي أطعته، وأنت المسؤول عن ذنبك، وهو مسؤول عن ذنبه وذنبك أيضاً؛ لأنه تسبب فيه، قال الله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سبأ (31) :(33)
( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ) فكل نفس لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، كل نفس بما كسبت رهينة ، وكل انسان مسؤول عن عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ( إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ) أي أسجِّلها عليكم فمن وجد في عمله خيرًا فليحمد الله عز وجل الذي وفّقه لهذا الخير، وإذا وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه،(إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ )، أضبطها وأحفظها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها « يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ » ،فبين سبحانه وتعالى أنه محسن إلى عباده في الجزاء على أعمالهم الصالحة إحسانًا يستحق به الحمد؛ لأنه هو المنعم بالأمر بها، والإرشاد إليها، والإعانة عليها، ثم إحصائها، ثم توفية جزائها. فكل ذلك فضل منه وإحسان؛ إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، وهو، وإن كان قد كتب على نفسه الرحمة، وكان حقًا عليه نصر المؤمنين ،فليس وجوب ذلك كوجوب حقوق الناس بعضهم على بعض ، بل هو الذي أَحَقَّ الحق على نفسه بكلماته، فهو المحسن بالإحسان وبإحقاقه وكتابته على نفسه، فهو في كتابة الرحمة على نفسه، وإحقاقه نصر عباده المؤمنين، ونحو ذلك محسن إحسانًا مع إحسان.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكما بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى أنه محسن في الحسنات، ومتم إحسانه بإحصائها والجزاء عليها، فقد بين سبحانه أنه عادل في الجزاء على السيئات، فقال الله تعالى في الحديث : « وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ » ، وكما في قوله تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } هود 101، وأما قوله في الحديث القدسي :” ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ” فتحتمل الموافاة في الدنيا، وتحتمل الموافاة في الآخرة، وعلى هذا ، فما يصيب الإنسان في الدنيا من سوء فبسبب أعماله، فليحذر العبد المؤمن. وقد يعمل الإنسان السوء ثم تتأخر موافاة الله له، وهذا يجعلنا لا نغتر بحلم الله عنا، ولا نأمن من الاستدراج، وبالمقابل قد يعمل الإنسان الخير ،وتتأخر موافاة الله له، وهذا يجعلنا نحتسب أجورنا عند الله في الآخرة. ودل قوله:” أُحْصِيهَا لَكُمْ ” على أن كل ما عمل الإنسان من عمل فهو مكتوب، محفوظ عند الله، وعلى هذا ،فكم من الذنوب نسيها الإنسان ،إلا أنها مكتوبة عليه؟ فلنلزم الاستغفار. وفي قوله: ” أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ” إظهار للعدل الذي اتصف الله به، والذي تمثل هنا في موافاة كل عامل بما عمل، كما دل قوله:” فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ “: أن دخول الجنة يكون بفضل الله وحده ،وليس بمجرد الأعمال، فإن أعمال العباد لا تؤهل الإنسان لدخول الجنة ،وإنما يدخلها المؤمنون بفضل الله ورحمته ومنه وكرمه، ويؤيد ذلك ما جاء في الصحيحين (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ » . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لاَ ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ » ، والحديث يورث الحياء من الله سبحانه وتعالى، فمع غناه الكامل وعظمته إلا أنه ينادي عباده لدعائه واستغفاره.
أيها المسلمون
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا ، فلْنَتَّخِذ حذرنا ، فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأماني ، وتذكروا دائما قول الله في الحديث القدسي : « يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
الدعاء