خطبة عن قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)
مارس 10, 2018خطبة عن (لطائف ووقفات مع سورة القصص
مارس 10, 2018الخطبة الأولى ( احذر السيئات الجارية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (12) يس، وقال الله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (25) النحل ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ». وروى ابن ماجة في سننه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ».
إخوة الإسلام
واجب على كل مسلم أن يعمل الخير ، وأن يدعو ويدل الآخرين إلى عمل الخير ؛ وذلك لكي يَنال أجر وثواب فاعله ، ويكتب له هذا الأجر ما عُمل بهذا العمل ، فيكون له أجر من علمه ، وأجر من دعاه إلى فضيلة ،وأجر من قوم سلوكه ،أو هداه إلى طاعة من الطاعات ،وهكذا .. وأيضًا على المسلم أن يجتنب كل سبل الشر، وما يؤدِّي إليها؛ تجنُّبًا لعواقبها، وخوفا من أن يُعمل بها ، فيكون هو سببا في دعوة الغير إلى معصية الله ، وبالتالي تكتب عليه كل السيئات التي كان هو سببا فيها ، ولذلك ، جاء في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ » ، فالسيئات الجارية من أخطر الأمور، وقد لا يدركها الكثير ممَن يشارك بها، فمن يروِّج للسيئات يَحمل كلَّ وِزر يترتَّب على هذا الترويج وهذا النَّشر، ومن يعين على المعصية ، فعليه وزر كل فاعل لها ، ومن يعلم الباطل ويدعو إليه ، فعليه أوزار كل من عمل بباطله وفساده وفسوقه ، فهذا النوع من السيئات جاوَز مجرَّد اكتساب الشخص لذنبه فقط؛ بل تعدَّاه إلى حمله لأوزار غيره ، بتعمُّده وسعيه لنشره للآخرين؛ . وكلنا معرَّضون للذنوب، ولا ننسب العصمةَ لأنفسنا، ولكن مَن يكتسب ذنبًا فعليه بالتوبة وإخفاء ما كسبَت يداه، وأن يبتعد عن الذنوب والآثام والسيئات التي يتعدى وزرها للغير ، ويجري عليه وزرها في حياته وبعد مماته . فتجد البعض قد لا يَكتفي بذنبه، ولكن يحبُّ مشاركةَ الآخرين له في هذا الذنب، فيجاهِر به، ويساعِد على نشره، وفي الحديث الشريف رادعٌ لكلِّ من تُسوِّل له نفسُه المجاهرةَ بالذنب؛ ففي صحيح البخاري :(أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ » . وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ،وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ». فكثيرٌ من الناس يغفلون عن مسألة السيئات الجارية وخطورة شأنها، فهي إذا مات صاحبها يمتد أثرها ، وتجري عليه وزرها ، وفي ذلك يقول أبو حامد الغزالي: ” طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويُسأل عنها إلى آخر انقراضها ” ( إحياء علوم الدين )
أيها المسلمون
والسيئات الجارية لها صورٌ كثيرة ومتعددة في حياتنا ، وخصوصًا بعد انتشار الآليات التكنولوجية التي تسهِم في سرعة نَشر المواد بأنواعها المرئيَّة والنصيَّة والصوتية، والبعض يستغل هذه الآلياتِ في نَشر الخير واكتساب مغانِمه، والبعض يروِّج للشرِّ وتجرى عليه عواقبه، والجهل بهذا الأمر العظيم يعرِّض المرء لمخاطِرَ جسامٍ، فنحن لا نستطيع تحمُّل ذنوبنا، فكيف بمن يتاجِر بالسيئات لكي يَحمل وِزرَه ووزر غيره؟ ، ولنتدبَّر في قول الله تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25]، فعلى المسلم أن يَحذر كلَّ الحذر من السيئات الجارية ونشر السوء وما يقرِّب إليه من قولٍ وعمل. ومن أمثلة السيئات الجارية على سبيل المثال لا الحصر : أولا : من السيئات الجارية : الدعوة إلى المعتقدات والطوائف الباطلة ،ونشر ضلالهم وبدعهم ،ونقل أفكار ومزاعم العلمانية المحاربة لدين الله ،والمخالفة لمنهج الله القويم ، ونقل أفكار الذين تأثروا بمنهجهم الخبيث . ثانيا : من السيئات الجارية : نقل الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدون تحري .. ثالثا : من السيئات الجارية : تأليف ومشاهدة ، وقراءة أبراج الحظ وما تجر إليه .. فالقارئ لهذه الأبراج كالمستمع للكاهن ، وروى مسلم في صحيحه (عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » .رابعا : من السيئات الجارية : نشر صور النساء المثيرة للشهوات والفتن بكل الوسائل ، خامسا : من السيئات الجارية : نظم أو نشر أشعار الغزل والحب والهيام ، وكذلك الأغاني المهيجة للشهوات ، وكذا الألحان الموسيقية التي تأجج الفتنة والميوعة وتدعو إلى الخلاعة بين الجنسين . سادسا : من السيئات الجارية : كتابة موضوعات عن أهل الفن والطرب ويتعرض لشيء من أخبارهم والاحتفاء بالفسقة مروجي الضلال والمعاصي ، وكذلك الكتابة عن الممثلين والممثلات أصحاب الاختلاط والكذب والتكشف وهدم القيم وإضلال الناس . سابعا : من السيئات الجارية : الدلالة على مواقع المنكرات ،أو الصور الخليعة ، والأشياء المحرمة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( احذر السيئات الجارية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن صور وأشكال السيئات الجارية : ثامنا : من السيئات الجارية : إيراد النكت الساخرة ، بقصد اضحاك الناس ، وقد جاء في سنن الترمذي أن (النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ » ، فهذا من ينشر النكت ،والموسيقى الماجنة ، والأفلام الجنسية ، والمسرحيات والمسلسلات الهابطة ،وكل الفواحش بلا أدني خوف من عاقبة الأمر، وينام وهو قرير العين، وهو لا يعرف عاقبة السوء لمن يتبع هذا النهج، ولا يعرف أن تجارته في نشر المعاصي يتم تسجيلها ، وتوابعها وآثارها، تاسعا : ومن السيئات الجارية : إنشاء القنوات والمجلات والصحف وكذا مواقع النت وصفحات التواصل الاجتماعي الفاسدة والتي تبث الأفكار المخالفة للإسلام وتروج للأخلاق المنحرفة ، فأصحابها ،والمساهمين فيها مادياً ومعنوياً يتحملون آثام هذه القنوات وآثارها السيئة على كل من شاهدها أو تعامل معها، وهم بذلك قد فتحوا على أنفسهم باباً لا يكاد يُغلق من السيئات الجارية ، إلا أن يتوبوا. عاشرا : ومن السيئات الجارية : إرسال الرسائل النصية (SMS) ، في التلفاز ، أو في الجوال، فإذا كانت هذه الرسائل تحتوي على كلامٍ بذيء أو دعوةٍ إلى الشر فإنَّ ذلك يدخل في باب السيئات الجارية، لأنَّ مُرسِل تلك الرسائل قد يسهم في نشر شرٍ يجهله الناس، فيكون بذلك معلماً للشر ، وناشراً له. الحادي عشر : ومن السيئات الجارية : إنشاء المواقع والمنتديات الفاسدة والضارة كالمواقع الإباحية ومواقع أهل الفسق والضلال، وهذه المواقع ثبتت أضرارها وآثارها الخطيرة على المجتمعات الغربية قبل المسلمة.
أيها المسلمون
هذه هي بعض صور السيئات الجارية في عصرنا الحاضر، والمتأمل في آثارها يعرف مدى خطورتها في إضلال الناس وإفسادهم . فلا أظن عاقلاً إلا ويبادر إلى غلق باب الشر هذا عليه قبل فوات الأوان، ويستبدله بفتح الجانب الآخر المعاكس له وهو الحسنات الجارية، وذلك عن طريق تسخير تلك الوسائل في الخير وفيما ينفع الناس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، قال تعالى : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) [التوبة: 105] وكلنا معني لوقف هذا الخطر، وعلى كل مسلم أن يقوم بنصح من يراه بالموعظة الحسنة، وبيان ما يتعلق بالأمر الشرعي، ونشر الفتاوى والدروس والمقالات والمرئيات لتثبيت الوعي وبيان الخطر. فاحرص كلَّ الحرص أخي المسلم، على تجنُّب السيئات وما قرَّب إليها، واسْعَ إلى تنبيه المسلمين لهذا الخطر الدَّاهم؛ حتى لا يجد أحدٌ في ميزانه يوم القيامة سيئات كالجبال لا قِبَل له بها، ولنتدبَّر قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، فعلى المسلِم أن يتجنَّب نَشر السوء والسعي إلى ترويج الفواحش والآثام حتى يَجد ما يسرُّه يوم القيامة، ولا يتحمَّل آثام الغير وهو في غنًى عن هذه العاقبة الوخيمة، وهو في غنًى عن العذاب الأليم.
الدعاء