خطبة عن ( لطائف ووقفات مع سورة النمل)
مارس 17, 2018خطبة عن (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
مارس 17, 2018الخطبة الأولى ( اسم الله (الْمُحْيِي الْمُمِيتُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العظيم: اسمه سبحانه: ( الْمُحْيِي الْمُمِيتُ )، وهناك من العلماء من قال : (الْمُحْيِي الْمُمِيتُ) من الصفات وليست من الأسماء ،وقد ورد ت آيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكد صفته أو اسمه تعالى: (الْمُحْيِي الْمُمِيتُ) ، ومنها، قوله تعالى :(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (28) البقرة. وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (39) فصلت ، وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (156) آل عمران ، وقوله تعالى : (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (65) النحل ، وقوله تعالى : (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (11) غافر ،وأما ما جاء في السنة المطهرة ، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ « بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا » . وَإِذَا قَامَ قَالَ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» ،وفي الصحيحين :(عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي » . أيها المسلمون
و(الْمُحْيِي الْمُمِيتُ) اسمان أو صفتان فعليتان خاصتان بالله، ومعناهما: أن الله هو الذي أحيا جميع المخلوقات، وسيُحييهم يوم القيامة ليحاسبهم على أعمالهم ، فالمعنى الأول لاسم الله المحيي أنَّ الله سبحانه وتعالى يُحيي الأجساد بإيجاد الأرواح فيها. ويحيي النفوس بعد موتها.. ويحيي القلوب بمعرفته والإقبال عليه. فالمحيي هو خالق الحياة ومعطيها لمن يشاء، قال الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (122) الانعام ، وقال البيهقي: «المحيي: هو الذي يحيي النطفة الميتة، فيخرج منها النسمة الحية، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها؛ بإنزال الغيث، وإنبات الرزق. والمميت: هو الذي يميت الأحياء، ويوهي بالموت قوة الأقوياء » ، وقال بعض العلماء: المحيي : هو من “يحيي العوالم بسرِّه”، ويغمر الموجودات بوافر برِّه ، وأما اسمه تعالى المميت : فهو مُقَدِّرُ الموت على كلِّ من أماته ، وأنه سبحانه لا مميت سواه.. فيجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنَّه ليس في الكون جهةٌ تقرر إنهاء الحياة إلا الله ، فسبحان الذي قهر عباده بالموت، والْمُحْيِي والْمُمِيتُ: من أسماء الله الحسنى التي تسمى بها , ومدح بها ذاته العلية , ونفى عن غيره أن يتسمى بهذا الاسم أو أن يتصف به ،فلا أحد غير الله قادر على أن يحيى ولا أن يميت , فكل حي لم يكن إلا بعد أن أخرجه الله من الموت إلى الحياة ،فهو وحده المتفرد بالإحياء وبالإماتة ،فلا محيي سواه ولا مميت غيره ،واسم الله تعالى “المحيي المميت” من الأسماء المزدوجة ولذلك فيهما الكمال، ومن المستحب أن يذكرا مجتمعين ، فهو خالق الحياة ومعطيها لمن يشاء، ويسلبها منهم بالموت متى شاء ، وهو الذي أحيا قلوب المؤمنين بنوره، وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ونزل الكتاب، لينذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين، وهو الذي أنزل من السماء ماء، وجعل من الماء كل شيء حي ، يقول الحق سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (30) الأنبياء
وفي اسمه تعالى (المحيي المميت) نعيش فيه الجمال ،نعيش فيه الجلال ،نعيش فيه الكمال والتخلق والصبر ،ونعيش فيه الاستمرار في الحياة ،نعيش فيه مقابلة ما في الدهر من شدائد في صبر في حلاوة في جمال . وفي قوله تعالى : (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (11) غافر فالإحياء الأول الإحياء من العدم، والإحياء الثاني الإحياء بعد الموت، أمتنا اثنين وأحييتنا اثنين، الإحياء من العدم اي في بطون أمهاتنا، والإحياء الثاني يحيينا يوم القيامة، يبعثنا من قبورنا ونحيا مرَّةً ثانية. والمؤمن حيّ ، فكما قيل في الحكم : (يا بُني مات خُزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم موجودة ) ،وتجد المؤمن حيِّ القلب، إذا قرأ القرآن تدمع عينيه، إذا قرأ القرآن يقشعرُّ جلده، يَجِفُ قلبه ويضطرب، يحبُّ ربَّه، يحبُّ طاعته، يحبُّ الخير، يصغي إلى الحق، ينطق بالحق، يذكر الله، ويذكِّر بالله ، ويدعو إلى الله ، فله أهداف كبيرة سامية ، يسعى بها إلى مرضات ربه ، فليس من مات فاستراح بميِّتٍ ، وإنما الميِّتُ ميِّتُ الأحياء ،والمميت في حق الله تعالى : هو مُقَدِّرُ الموت على كلِّ من أماته ولا مميت سواه ، والمميت : هو الذي أمات الجبابرة رحمةً بأحبّابه، وأمات الظلمة لعدم احترامهم لجنابه، وأمات الأرض إذ خلت من النبات، فهو (المميت) : ليعلم الناس أنَّ الله قادرٌ على التصرُّف بالإحياء وبالإماتة متى شاء ومتى أراد. فالله قد قدَّر الموت على العباد والمخلوقات، وهو مما قهر الله به عباده، فعادوا بالموت إلى الأرض ،وطواهم التراب ، فالإنسان عندما يولد كلُّ من حوله يضحك ،وهو يبكي وحده، وإذا مات كلُّ من حوله يبكي.. فإذا كان مؤمنا ، فهو يضحك وحده،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اسم الله (الْمُحْيِي الْمُمِيتُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والموت ورد في القرآن الكريم بمعاني متعدِّدة، ومنها : أولاً: الموت: بمعنى :انعدام القوَّة النامية في الإنسان والحيوان والنبات ، لقوله تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الروم (50) ، ثانيا: الموت: بمعنى : زوال القوَّة الحساسة في الإنسان ،كما جاء في القرآن الكريم على لسان السيِّدة مريم : ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ مريم (23) ، ثالثا: الموت: بمعنى : زوال القوَّة العاقلة ،كما قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ الأنعام 122، أي : من كان مغفَّلاً ،وكان جاهلاً ، فاستيقظ وأصبح حيّاً، فعدم النماء موت، وعدم الإحساس موت ، وعدم الإدراك موت. رابعا: الموت: بمعنى : الحزن والألم والكدر، والضيق ، قال الله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ (إبراهيم: 17) ، خامسا: الموت: بمعنى : النوم، فالنوم موتٌ ، (فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ لِيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ) (صحيح البخاري) ، فأحدنا إن نام ، إما أن يصحو من النوم ، أو لا يصحو، فإذا لم يصحُ من نومه فالله يرحمه فقد مات الموتة الكبرى، وإذا صحا من نومه ، فالله بعثه بعد موته ، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الزمر (42)
أيها المسلمون
وحظُّ المؤمن من اسم المحي المميت أن يذكره كثيراً، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ». وفي المستدرك للحاكم : (عن سهل بن سعد قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت ، فإنك مجزي به ) ، وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ) (سنن ابن ماجة) ، فمن علامات العقل : التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزوِّد لسكنى القبور، والتأهُّب ليوم النشور ،ومن أدب المؤمن مع هذا الاسم : الإكثار من ذكر الحيّ ،حتى يحيي القلب بنور المعرفة، وتُضيء النفس بأسرار المكاشفة، والإكثار من ذكره ، ولا سيما في جوف الليل. ويجب أن نستعدَّ للموت بطاعة الله، وأن نستعدَّ للموت بالتوبة إلى الله، وأن نستعدَّ للموت بالعمل الصالح،
الدعاء