خطبة عن حديث (الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ)
مارس 17, 2018خطبة عن اسم الله (الْمُحْيِي الْمُمِيتُ)
مارس 17, 2018الخطبة الأولى ( لطائف ووقفات مع سورة النمل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ، ويقول سبحانه: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد (قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”.وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به”
أيها السلمون
وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع لطائف ووقفات مع سورة النمل : فمن الواضح أن هذه السورة قد سميّت بسورة (النمل) ، دلالة على أن النمل (هذه الحشرات) نجحت في الأداء وحسن التنظيم والتفوق ،فكيف بالبشر الذين أعطاهم الله تعالى العقل والفهم ، فهم أحرى أن ينجحوا كما نجح النمل في مهمتهم في الأرض ، وفيها دلالة عظيمة على علم الحيوان. والمتأمل والمتدبر لآيات هذه السورة يتبين له أن الهدف العام لهذه السورة هو : ( بيان أسباب التفوق الحضاري مع تذكر الله تعالى) ، ومن خلال ذلك تتبين لنا (أسباب وعوائق التنمية في بلاد المسلمين اليوم ) فسورة النمل هي سورة مكيّة ، وهي سورة تتحدث عن التفوق الحضاري ، لتثبت أن الدين الاسلامي، ليس دين عبادة فقط ، وإنما هو دين علم وعبادة ،ويجب أن تكون الأمة المسلمة الموحّدة متفوقة في العلم ، ومتفوقة حضارياً ، لأن هذا التفوق هو سبب لتميّز أمة الإسلام ، كما حدث في العصر الذهبي للإسلام ، والذي انتشر من الشرق إلى الأندلس ، بالعلم والدين الحنيف ،وقد تميّز فيه العلماء المسلمون في شتى مجالات العلوم. وفي سورة النمل جاءت خطة محكمة لبناء مؤسسة أو شركة أو مجتمع أو أمة غاية في الرقي والتفوق ، وذلك من خلال آيات قصة سيدنا سليمان عليه السلام ،مع ملكة سبأ بلقيس ، فمن عناصر القوة والتفوق الحضاري كما يعلمنا إياها القرآن الكريم في هذه السورة : أولا : أهمية العلم : يقول الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) النمل : 15 ، فقد كان عند داوود وسليمان تفوق حضاري ،بالعلم الذي آتاهم الله تعالى إياه ،وهم مدركون قيمة هذا العلم ،وقد توارثت الأجيال هذا العلم ، فقال الله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) النمل 16 ، كما بينت الآيات الاهتمام باللغات المختلفة (لغة الطير) كما في قوله :(عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ) وأهمية وجود الإمكانيات والموارد، والعمل على زيادتها ،في قوله :(وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ) ، ثانيا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : وجود نظام ضبط وربط ، ووجود تعدد في الجنسيات ، والكائنات ، يقول الله تعالى : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) النمل 17. ثالثا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : أهمية التدريب الميداني للأفراد، يقول الله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) النمل 20 ، فهذا يدل على أن الهدهد كان في مهمة تدريبية وتفقدية ، رابعا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : تفقد الرئيس ومتابعيه لعمّاله وموظفيه ، كما في قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) النمل20 ، 21 ، خامسا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : إيجابية العاملين والموظفين في العمل الاستكشافي وتحري المعلومات الصحيحة ، فالهدهد كان موظفاً غير عادي، وكان عنده إيجابية ،وقد جاء بأخبار صحيحة ودقيقة ، قال الله تعالى : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) النمل 22 ، سادسا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : مسؤولية العاملين والموظفين تجاه الرسالة ، كما في قوله تعالى : (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) النمل 24 ، فالهدهد استنكر أن يجد أقواماً يعبدون غير الله ، وهذا حرص منه على رسالة التوحيد. سابعا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : أهمية تحرّي الأخبار والتأكد من صحتها وتحليلها، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى : (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)النمل 27، فلم يصدق سليمان الهدهد بمجرد أن أخبره الخبر، ولكنه أراد أن يتحرى صدقه فيما أخبر به، وهذا يؤكد حرص المسؤول على صدق ما يصله من معلومات من عمّاله، وعن موظفيه . وتظهر تجربة تحرّي الأخبار أيضا من خلال قوله تعالى على لسان نبيه سليمان : (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) النمل 28 ، فإرسال الكتاب مع الهدهد إلى بلقيس وقومها ،فيه تثبت من صحة الخبر ، والتأكد من صدق الهدهد ، ثامنا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : أهمية الشورى في اتخاذ القرار ، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى :(قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) النمل32 ، وفيه مشاورة بلقيس لقومها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لطائف ووقفات مع سورة النمل )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن عناصر القوة والتفوق الحضاري من خلال سورة النمل : تاسعا : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : سياسية جس النبض، وذلك من خلال قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) النمل 35 ، فبلقيس أرسلت هدية لسليمان ، لترى ردة فعله، ويتبين لها هدفه ومقصده. عاشرا: من عناصر القوة والتفوق الحضاري : امتلاك القوة العسكرية الهائلة ، فالحق والعدل ، والتفوق الحضاري لا بد أن تحمية قوة ، فيد تحمل المصحف ، والأخرى تحمل السلاح الذي يمكن لهذا الكتاب ، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى على لسان نبي الله سليمان :(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) النمل 37 ، فالقوة ضرورية لأية أمة ، تريد أن تنشر دين الله في الأرض وتدافع عنه.الحادي عشر : من عناصر القوة والتفوق الحضاري : التكنولوجيا الراقية : ويظهر ذلك من خلال قوله تعالى : (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) النمل38 : 40 ، فقد تم نقل عرش بلقيس في زمن قياسي ،من مكانه إلى قصر سليمان ، وهو ما يعرف في عصرنا الحاضر بانتقال المادة ، الثاني عشر: من عناصر القوة والتفوق الحضاري : الذكاء والديبلوماسية في السياسة ، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى : (فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) النمل 42 ، فقد أجابت بلقيس بأسلوب دبلوماسي يحتمل أكثر من معنى ، (قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ، وذلك حتى لا يظهر أنها لا تعرفه. الثالث عشر: من عناصر القوة والتفوق الحضاري : الاستسلام أمام القوة والتكنولوجيا غير العادية ، والتفوق الغير عادي ، والامتثال للحق ، والاذعان له ، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل44 ، فقد جعل نبي الله سليمان الزجاج فوق الماء ، فكانت تكنولوجيا غير عادية في ذلك الزمان ، فلم تستطع بلقيس إلا أن تسلم. وهنا نلاحظ الفرق بين ردّ بلقيس التي كانت تقدّر العلم ، فقد بهرتها هذه التكنولوجيا التي رأتها بأم عينها ، فأسلمت مباشرة بلا تردد، أما في قوله تعالى في السورة: (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) النمل 13، كما في قصة سيدنا موسى عليه السلام ، فقد اعتبر قومه الآيات المعجزة التي جاء بها سحر، لأنه لم يكن لديهم علم أو تكنولوجيا، وكل ما يعرفونه ويسمعون به هو السحر والسحرة .
الدعاء