خطبة عن الصحابي: (أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ )
مارس 10, 2018خطبة عن الصحابي: (أسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ)
مارس 17, 2018الخطبة الأولى ( مراقبة الله ( إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (29) البقرة ،وقال الله تعالى : (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (64) النور ،وقال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (7) المجادلة
إخوة الإسلام
(إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .. لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .. من الأقوال والأعمال .. والحركات والسكنات .. والطاعات والمعاصي .. قال الله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (70) الحج . (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فهو سبحانه قد أحاط بكل شيءٍ علماً .. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه :(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس .(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) – فالله وحده علام الغيوب .. يعلم ما في السماوات وما في الأرض كما قال الله سبحانه عن نفسه : ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (33) البقرة . (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) – فهو عليم بكل شيء .. ومفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ،كما قال سبحانه : (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (59) الأنعام ،(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) – فهو سبحانه وحده الذي يعلم قيام الساعة .. ونزول المطر .. وما في الأرحام .. وعمل الإنسان .. وزمانه ومكان أجله ،قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (34) لقمان. والله سبحانه معنا ،ولا يخفى عليه شيء من أمرنا .. (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (4) الحديد، والله مطلع علينا .. يعلم أعمالنا ،خيراً كانت أو شراً .. ثم يخبرنا بها ،ويجازينا عليها يوم القيامة .. كما قال سبحانه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (7) المجادلة ، والله سبحانه يعلم وحده الغيب والشهادة .. والسر والجهر كما قال سبحانه عن نفسه : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) (9) ،(10) الرعد
أيها المسلمون
واعلموا أن رقابةَ البشرِ على البشرِ قاصرة، وأن رقابةَ المخلوقاتِ بعضها على بعض محدودة ، فالبشرُ يغفل، والبشرُ يسهو، وينام، ويمرض، ويسافر، ويموت . إذا ، فلتسقطُ رقابةَ المخلوقين ،ولتسقط رقابة الكائنات جميعَها، وتبقى الرقابةُ الكاملة، الرقابةُ المطلقة ، آلا وهي رقابةُ اللهِ جل وعلا. فهو سبحانه :
باري البراي منشى الخلائق…..مبدعهم بلا مثال سابق
حي وقيوم فلا ينام………وجل أن يشبه الأنام
فإنه العلي في دنوه………وإنه القريب جل في علّوه..
فهذان رجلان من قريش ،يجلسان في جوف الليل، تحت جدارِ الكعبة، قد هدأت الجفون ونامت العيون، أرخى الليلُ سدوله، واختلط ظلامُه، وغارت نجومُه، وشاع سكونُه ، قاما يتذاكران، ويخططان ويدبران وظنا أن الحي القيوم لا يعلمُ كثيرا مما يعملون ،استخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله الذي يعلم ما يبيتونَ مما لا يرضى من القول. تذاكرا مصابهم في بدر فقال صفوان وهو أحدُهم: والله ما في العيش بعد قتلى بدر خير. فقال عمير: صدقت والله لولا دينُ علي ليس له قضاء، وعيالُ أخشى عليهم الضيعة لركبتُ إلى محمد حتى أقتله. اغتنم صفوان ذلك الانفعال، وذلك التأثر وقال: علي دينُك، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءُ ويعجزُ عنهم. قال عمير: فأكتم شأني وشأنك لا يعلم بذلك أحد. قال صفوانُ أفعل. فقام عمير وشحذ سيفَه، وسمَه، ثم انطلقَ به يغضُ السير به إلى المدينة، وصل إلى هناك وعمرُ رضي الله عنه، أعني أبنَ الخطاب في نفرٍ من المسلمين ،أناخَ عميرُ على بابِ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا سيفه. فقال عمر: عدو الله، والله ما جاء إلا لشر. ودخل عمر على رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدخلُه علي ، فأخذ عمرُ بحمائل سيفِ عُمير ،وجعلها له كالقلادة ،ثم دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال لعمر : أرسله يا عمر. ثم قال ما جاء بك يا عمير ، وكان له أبنُ أسير عند رسولِ صلى الله عليه وسلم ، قال جئت لهذا الأسير، فأحسنوا به. قال صلى الله عليه وسلم فما بالُ السيفِ في عنقك ؟ ، قال قبحها اللهُ من سيوف وهل أغنت عنا شيء .فقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحيُ بما يضمرُه عمير، أصدقني يا عمير، ما الذي جاء بك؟ قال ما جئت إلا لذاك. فقال صلى الله عليه وسلم بل قعدت مع صفوان في الحجر في ليلة كذا، وقلت له كذا، وقال لك كذا وتعهد لك بدينك وعيالك واللهُ حائلُ بين وبينك. قال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أمرُ لم يحضُره إلا أنا وصفوان، وللهِ إني لأعلم أنه ما أتاك به الآن إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق والحمد لله الذي هداني للإسلام. هكذا جاء ليقتلَ الرحمة ، ويطفئ النور، فرجعَ وهو شعلةُ نور ،أقتبسَه من صاحب النور صلى الله عليه وسلم. فهذه المؤامرة التي تحاك تحت جدار الكعبة، وفي ظلمة الليل ، ولا يعلمُ بها أحد ،حتى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يعلم الغيب. لقد حيكت المؤامرةُ سرا ، فمن الذي أعلنها ؟ ومن الذي سمعهما وهما يخططان، ويدبران ويمكران عند باب الكعبة ؟، إنه الذي لا يخفى عليه شيءُ في الأرض ولا في السماء. فكم تآمر المتآمرون في ظلام الليل؟، وكم من عدو للإسلام جلس يخطط لضرب الإسلام وحدَه أو مع غيره سرا، ويظن أنه يتصرفُ كما يشاء، متناسيا أن الذي لا يخفى عليه شيءُ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين؟.
أيها المسلم
فإذا لقيت عنتا ومشقة وسخرية واستهزاء فلا تحزن ولا تأسى ، إن الله يعلم ما يقال لك قبل أن يقالُ لك ،وإليه يرد علم كل شيء ،لا إله إلا هو. وإذا جُعلت الأصابع في الآذان ،واستغشيت الثياب، وزاد الإصرار والاستكبار، وكثر الطعن ،وضاقت نفسك ، فلا تأسى ولا تحزن، إن الله يعلم ويسمع ما تقول وما يقال لك. ويا مرتكبَ المعاصي مختفياً عن أعينَ الخلق أين الله ؟ ، ما أنت واللهِ إلا أحدُ رجلين: إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت. وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجتريَ عليه، وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك ؟ قال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) النساء (108) ، فيا منتهكاً لحرماتِ الله في الظلمات، وفي الخلوات، وفي الفلوات ، وبعيداً عن أعين المخلوقات ، أين الله ؟، هل سألت نفسكَ هذا السؤال ؟. وفي سنن ابن ماجة (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ». قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ». وهذا عمرُ بن الخطاب رضي اللهُ عنه، وهو أمير للمؤمنين ، يعسُ ليلةً من الليالي ويتتبع أحوال الأمة، وتعب ، فاتكاءَ على جدارٍ ليستريح، فإذا بمرأةٍ تقولُ لأبنتها: أمذقي اللبنَ بالماءِ، ليكثرَ عند البيع. فقالت البنت:ُ إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يشابُ اللبنَ بالماء. فقالتِ الأم :ُ يا ابنتي قومي فانكي بموضعٍ لا يراكِ فيه عمرُ ولا مناديه. فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله ؟ وللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملا، واعصيه في الخلاء. ويمرُ عمرُ مرة أخرى بأمرة تغيبَ عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
تطاول هذا الليل وازور جانبه….وأرقني أن لا حبيبُ ألاعبه
فوالله لولا الله لا رب غيره…….لحرك من هذا السريري جوانبه
ما الذي راقبته هذه المرأة في ظلام الليل ،وفي بعد عن زوجها، وفي هدأت العيون ؟ والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. فأنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مراقبة الله ( إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذه أعرابية أخرى يراودها رجل على نفسها كما أورد أبن رجب، ثم قال لها: ما يرانا أحد إلا الكواكب. فقالت: وأين مكوكبها يا رجل ؟ حالُها أين الله يا رجل ؟ وهذا رجل أسمه نوح أبن مريم كان ذي نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له أبنة غاية في الجمال، ذات منصب وجمال. وفوق ذلك صاحبة دين وخلق. وكان معه عبد أسمه مبارك، لا يملك من الدنيا قليلا ولا كثيرا ولكنه يملك الدين والخلق، ومن ملكهما فقد ملك كل شيء. أرسلَه سيده إلى بساتين له، وقال له أذهب إلى تلك البساتين وأحفظ ثمرها وكن على خدمتها إلى أن آتيك. مضى الرجل وبقي في البساتين لمدة شهرين، وجاءه سيده، جاء ليستجم في بساتينه، ليستريح في تلك البساتين. جلس تحت شجرة وقال يا مبارك، أتني بقطف من عنب، جاءه بقطف فإذا هو حامض. فقال أتني بقطف آخر إن هذا حامض، فأتاه بآخر فإذا هو حامض. قال أتني بآخر، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض. كاد أن يستولي عليه الغضب، وقال يا مبارك أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتني بقطف لم ينضج ، ألا تعرف حلوه من حامضه ؟ قال والله ما أرسلتني لأكله ،وإنما أرسلتني لأحفظه ،وأقوم على خدمته، والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة ،والذي لا إله إلا هو ما رقبتك ، ولا رقبت أحدا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. أعجب به، وأعجب بورعه وقال الآن أستشيرك، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششه، والمستشار مؤتمن . وقد تقدم لأبنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت ؟ فقال مبارك : لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب. واليهود يزوجون للمال. والنصارى للجمال. وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزوجون للدين والخلق. وعلى عهدنا هذا للمال والجاه، والمرء مع من أحب، ومن تشبه بقوم فهو منهم. أي نصيحة وأي مشورة ؟ نظر وقدر وفكر وتملى فما وجد خيرا من مبارك، قال أنت حر لوجه الله (أعتقه أولا). ثم قال لقد قلبت النظر ،فرأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت. قال أعرض عليها، فذهب وعرض على البنت وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك. قالت أترضاه لي ؟ قال نعم، قالت فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فكان الزواج المبارك من مبارك. فما الثمرة وما النتيجة ؟ لقد حملت هذه المرأة وولدت طفلا أسمياه عبد الله، لعل الكل يعرف هذا الرجل. إنه عبد الله أبن المبارك المحدث الزاهد العابد ،الذي ما من إنسان قلب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيا بسيرته وذكره الطيب. إن ذلك ثمرة مراقبة الله غز وجل في كل شيء . أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة لصلحت الحال، واستقامت الأمور.
فيا أيها المؤمن
اعلم أن عينَ اللهِ تلاحقُك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات ،وفي الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك، واستشعرتَ ذلك فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.
إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
الدعاء