خطبة عن ( وقفات مع سورة الحجرات)
مارس 24, 2018خطبة عن حديث ( مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ )
مارس 24, 2018الخطبة الأولى ( اشهد . ولا تقض وتحكم ) « وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ »
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) (25) :(28) الجن، وقال الله تعالى: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (27)، (28) الانبياء ، وروى مسلم في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى جَنَازَةِ صَبِىٍّ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ ،قَالَ :« أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ :إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ ،وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ ».
إخوة الإسلام
من الأخطاء التي يقع فيها الكثير ، الحكم على شخص معين ، أو أشخاص معينين ، بالجنة ، أو بالنار ، أو بالفوز والفلاح ، أو بالخيبة والخسران ، فنحن – المخلوقين – لا نعلم عن المخلوقات (بما فيهم الانسان ) إلا القليل ، ولا نرى إلا جانبا صغيرا من الحقيقة ، فمهما تكن معلوماتنا عن شخص أو أشخاص ، فهي لا تمثل إلا أقل القليل عنه ، لذا ، فمن الجائز لنا أن نشهد بما علمنا ، وقد تقبل شهادتنا ، وقد ترد ، ولكن الخطأ كل الخطإ ، أن تتحول هذه الشهادة إلى حكم ، وإلى قول مجزوم به ، فلا يملك الحكم المؤكد ، والقول الفصل ، إلا من يعلم السر وأخفى ، إنه الله وحده ، الذي لا تخفى عليه خافية ، قال الله تعالى : (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) (8) :(10) الرعد ، فكن أخي شاهدا .. ولا تكن قاضيا حاكما ، واشهد ،ولا تقضي وتحكم ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذلك ، وأنه لا يعلم مصير الانسان (أهو إلى الجنة، أم إلى النار)، إلا الله ، ففي صحيح البخاري ( ..قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا ، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّىَ ، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ » . قَالَتْ قُلْتُ لاَ أَدْرِى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ ،قَالَ « أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَمَا أَدْرِى وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي » . قَالَتْ فَوَ اللَّهِ لاَ أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ قَالَتْ فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِى ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَخْبَرْتُهُ . فَقَالَ « ذَلِكَ عَمَلُهُ » . وموقف آخر يتبين لنا فيه الأمر جليا ، وأنه لا يعلم الحقائق والخواتيم إلا الله ، وقد يكون الأمر ظاهره بخلاف باطنه ، وقد نحكم على شيء ، والله يعلم أنه خلاف ذلك ،فقد روى البخاري ( عَنْ سَهْلٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَنَظَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا » . فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، وَهْوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ ،فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مُسْرِعًا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالَ « وَمَا ذَاكَ » . قَالَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ » . وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ » ، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يختبر أصحابه ، ويبين لهم أن الأمر على خلاف ما يفهمون أو يشهدون ، ففي صحيح البخاري (عَنْ سَهْلٍ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا » . قَالُوا حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ . قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ « مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا » . قَالُوا حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا »
وقد يغتر الناس بعمل فلان ،ويشهدون له بالصلاح والفلاح ، والفوز بالجنان ، ويشهد الله على ما في قلبه ،وهو ألد الخصام ، وقد يكون العمل في ظاهره عملا صالحا ، ولكنه عند الله غير مقبول ، ولذلك لا ينال عامله إلا الخسران المبين ، بعد أن ضل سعيه في الحياة الدنيا ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِي النَّارِ ،وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِي النَّارِ ».
وعلى النقيض والعكس من ذلك ، فقد يشهد بعض الناس على شخص ما بالفساد والضلال المبين ، ويظنون أنه من أهل النار، ثم تكون الخاتمة بخلاف ما يشهدون ، ففي سنن الترمذي (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ قَالَتْ لاَ وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ. وَقَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَعْصِى اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ ».
أيها المسلمون
وقد يقول قائل : وماذا تقول فيما جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». قَالَ عُمَرُ فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّي مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ ». وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ». فنقول : ليس في الأحاديث الحكم على معين بالجنة أو بالنار ابتداء، ولكنه يفيد بأن من مات فأثنى عليه الناس خيراً ، أو شهدوا له بالخير ، فيرجى له الخير، ومن حافظ على الصلاة فيرجى له الخير ، ولكن أمره إلى الله الذي يعلم سره وعلانيته ، فقد تقبل شهادتنا وقد ترد ، وقد يكون مقبولا عند الله ، أو غير مقبول ، فأمره إلى الله ، فإجماع المسلمين على خيريته بمثابة النص عليها، وفرق بين الشهادة له بالخيرية ، والشهادة له بأنه من أهل الجنة ،ولا تمسه النار، ولهذا يشهد أهل السنة لعامة الصدر الأول بالخيرية، مع اختلافهم في الشهادة للمعين منهم، وإنما وقع الجزم لمن ذكر في الحديث بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له، وقد ثبت بالمقابل في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » ، وفي صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ » .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اشهد . ولا تحكم ) « وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ »
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فأهل السنة والجماعة يتَّبِعُونَ في الأمور الغيبية ما دلَّ عليه الدليل من كتاب الله – عز وجل – ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يَقْفُون ما ليس لهم به علم ولا يقولون على الله – عز وجل – ما لا يعلمون ، امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى :” وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” [الإسراء:36]، وامتثالاً لقوله – عز وجل – :” وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” [الأعراف :33]، فَحَرَّمَ الله – عز وجل – القول عليه بلا علم، ومن القول عليه بلا علم أن يُشهَدَ في أمرٍ غيبي أنَّ الله – عز وجل – لا يغفر لفلان، أو أنَّ فلاناً من أهل الجنة؛ يعني قد غُفِرَ له، أو أنه من أهل النار المُعَيَّن لأنه لم يشأ الله أن يغفر له. فنحن لا نُنَزِّلُ أَحَداً من أهل القبلة جنةً ولا ناراً، وأنَّ هذا الأمر غيبي ،والله – عز وجل – حًكمُهُ في أهل القبلة قد يُعذبْ وقد يغفر؛ يغفرُ لمن يشاء ويعذبُ من يشاء، فالواجب اتِّبَاعْ النص وتقديس الرب – عز وجل – وتعظيم صفات الرب جل جلاله، وأن لا يُشْهَدَ على مُعين من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة جزماً أو من أهل النار جزماً إلا من أخبر الوحي بأنه في هذا الفريق أو في هذا الفريق
أيها المسلمون
ولا بد أن نعلم أن الشهادة بالجنة والنار لا تكون إلا لمن شهد له الله ورسوله بذلك، والشهادة نوعان: النوع الأول: أن يشهد الله تعالى ، أو يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم لشخصٍ بعينه، فهذا نشهد له، سواء بجنة ،أو بنار، ومثال من شهد الله له بالنار بعينه: أبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله فيه: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (1) :(5) المسد ، ومثال من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، ما رواه البخاري ومسلم ) عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ الْبَابِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » ، والنوع الثاني: شهادة بالوصف لا بالعين، فنشهد لكل مؤمن أنه في الجنة، ولكل تقي أنه في الجنة، ولكل كافر ومجرم فاجر أنه في النار، أما بعينه ، فلا نشهد له بذلك ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى جَنَازَةِ صَبِىٍّ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ ،قَالَ « أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ ».
الدعاء