خطبة عن(كن كيفما شئت فأنت من تصنع حياتك الآن بيديك)
مارس 31, 2018خطبة عن قوله تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )
مارس 31, 2018الخطبة الأولى ( مع اسم الله (الْوَلِيُّ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » ، وقال تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (9) الشورى
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: “ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز : اسمه سبحانه وتعالى : (الْوَلِيُّ ) ، واسم الله (الْوَلِيُّ ) ورد في القرآن 14 مرة منها ، قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (9) الشورى ،وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (28) الشورى ،وقوله تعالى : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (257) البقرة ،وقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (68) آل عمران ،وقوله تعالى : (إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (122) آل عمران ،وقوله تعالى : (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا ) (45) النساء ،وقوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (55) المائدة ،وقوله تعالى : ( لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (127) الأنعام ، وقد ورد اسم الله (الْوَلِيُّ )في السنة النبوية المطهرة ، ففي الصحيحين : يقول صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِى – يَعْنِى فُلاَنًا – لَيْسُوا لِى بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ». ومعنى اسم الله : (الوليّ) أي: نصير المؤمنين وظهيرهم ، وهو يتولاهم بعونه وتوفيقه. وقال الخطابي: الولي : هو الناصر، ينصر عباده المؤمنين، وهو أيضًا المتولي للأمر، والقائم به ، وقال الزجاجي: فالله عز وجل وليّ المؤمنين أي ناصرهم ،ومصلح شؤونهم ،والمثني عليهم. ويقول ابن القيم: الولي : ولي الصالحين ،ومقيل عثراتهم ،وغافر زلاتهم ،ومقيم أعذارهم، ومصلح فسادهم، والدافع عنهم ،والمحامي عنهم ،والناصر لهم ،والكفيل بمصالحهم ، والمنجي لهم من كل كرب ،والموفي لهم بوعده ،وأنه وليهم الذي لا وليّ لهم سواه ،فهو مولاهم الحق ،ونصيرهم على عدوهم ،فنعم المولى ونعم النصير.
أيها المسلمون
ومن معاني اسم الله “الولي” : أنه هو المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق جميعاً ،والقائمُ بها، والذي ينصر أولياءه ويليهم بإحسانه وفضله، وولاية الله لعباده تعني قربه منهم، فهو أقرب إليهم من حبل الوريد. فلما كان يوم أحدٍ أشرف أبو سفيان على المسلمين فقال كما في صحيح البخاري : (فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا . فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ ، وَقَدْ بَقِىَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ . قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي ، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ ، أُعْلُ هُبَلْ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ » . قَالَ إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ » ، وفي سنن الترمذي بسند حسن : (قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ رضى الله عَنْهُمَا عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ « اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ »، وقد دل اسم الله “الولي” على تنزيه الله تعالى أن يكون في ولاية أحد له ما يقتضي الذل، قال الله تعالى ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) [الإسراء:111] ، قال الحسن بن الفضل: يعني لم يذل فيحتاج إلى ولي ،ولا ناصر لعزته وكبريائه.
أيها المسلمون
وإن ولاية الله لخلقه تشمل جميع الخلق ،في الأرض وفي السماء، برهم وفاجرهم، المسلم منهم والكافر ،وتنقسم ولايته سبحانه وتعالى إلى قسمين : ولاية عامة: تقتضي الخلق والرزق والإحاطة، ومنها قوله تعالى : ( ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) [الأنعام:62]. وولاية خاصة: تقتضي الهداية والتوفيق ، قال الله تعالى : ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ) [البقرة:257] ، وتقتضي النصرة والتأييد كما في قوله تعالى ( بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) [آل عمران:150]، وتقتضي المحبة، قال تعالى ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) [الأعراف:196]، وتؤدي كذلك الاطمئنان والسعادة في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) [يونس:62] . وصور ولاية الله لعباده المؤمنين أكثر من أن تعد، فقد تولى الله سبحانه أمر سيدنا يوسف عليه السلام ، فأحوج القافلة للماء في الصحراء ،ليذهبوا إلى البئر، ثم أحوج عزيز مصر للأولاد، ليتبنى سيدنا يوسف، ثم أحوج الملك للرؤيا وتفسيرها ،ليخرجه من السجن، ثم أحوج مصر بأكملها للطعام ليكون عزيز مصر، كل هذا من أجل عبده الذي تولى أمره، فانظر إلى آخر سورة يوسف، قال الله تعالى على لسان نبيه يوسف : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:101]، أي وأتمم ولايتك علىَّ في القبر وتوفني مسلماً وأدخلني الجنة كما توليت أمري طوال حياتي. وعندما يقرأ المسلم هذه الآية: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى : 28]. ،يتصور في مخيلته حال الناس، وجزعهم على أنفسهم، وذراريهم وأنعامهم وحرثهم، وقد جف الضرع، وماتت الأرض، وسط رمضاء محرقة، وقيظ قاتل، وجفاف شديد ،وقد رغبوا إلى الله، وضجوا بالدعاء حتى تقطعت بهم الآمال، وأيقنوا بالبوار والهلاك، وإذا بالغيث يفاجئهم من السماء مدرارا، ناشرا آثار رحمة الله في فجاج الأرض وشعابها ؛ لتحيي الأرض والنفوس والأرواح، بعد يأسها وموتها، وكم هو جميل ،أن تختم الآية باسمي الله: “الولي الحميد”، فهو سبحانه ولي العباد وحده, الذي تكفل بهم وتولى أمرهم في كل آن.
إن ثقة العبد بربه الولي ،الذي يتولى جميع الأمور ،في السراء والضراء، واليسر والعسر، هو الذي دفع الفتية أصحاب الكهف الذين خالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته سبحانه، ففارقوا أقرب الناس فرارا إلى الله، وطلباً لرضاه، وخوفاً على دينهم، من الشرك والفسوق والعصيان ، واستبدلوا لأجل مرضاته ضيق الكهف ،بسعة العيش الرغيد، فما كان إلا أن وسعه الله عليهم ،وتولى أمرهم ،بما نشر لهم فيه من رحمته، قال تعالى : (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً) [الكهف: 16]. وتأملوا قوله تعالى: (يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته) فيعلم العبد أن رحمة الله واسعة، إذ بعضها، أو قدر معلوم عند الله منها؛ يكفي ليجعل ذلك الكهف، أو ذلك السجن، أو تلكم الزنزانة جنة، أو روضة من رياض الجنة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله (الْوَلِيُّ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعندما رزق الله نبيه إبراهيم بالولد الأول إسماعيل -عليه السلام- أمره ربه بأن يهاجر من فلسطين مع زوجته هاجر وابنه الرضيع ،إلى وادٍ لا ماء فيه ولا طعام ولا شجر، ولا يوجد فيه أحد من البشر، حتى إذا وصل إلى ذلك المكان ،ترك زوجته وابنه الرضيع، وترك لهما قليلاً من الماء ،وبعض حباتٍ من التمر، وعاد بأمر ربه إلى فلسطين، فتبعته أم إسماعيل فقالت: “يا إبراهيم: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أحد ولا شيء فيه؟!”، قالت ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها حتى لا يتأثر بالعاطفة ويحن عليهما وينسى أمر ربه، فقالت له: “آلله الذي أمرك بهذا؟!”، قال: “نعم”، قالت: “إذًا؛ لا يضيعنا”. يا لها من كلمة عظيمة تنبئ عن إيمان عميق، وتوكل عظيم، وثقة لا حدود لها بالولي خالق الأرض والسماوات! حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا الولي الذي لا يضيع ولا يخذل من تولاه: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (37) :(41) إبراهيم ، وهل يعقل من إبراهيم -عليه السلام- الذي كان يتمنى طوال حياته هذا الولد أن يتركه في هذا الوادي بدون طعام أو شراب؟! لكنه التوكل على الله، والثقة بأن من يتولى تدبير أمور العباد هو الله سبحانه وتعالى. وتولى الله أمر مريم بنت عمران وهي في شدة الضيق ،والهم والخوف والقوم والناس، أي شدة عاشتها هذه المرأة ، لكن الله تولى أمرها وكذلك يتولى الله الصالحين ،قال تعالى : (فحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم: 22: 26]، نعم قري عينا يا مريم ، لأن الولي سبحانه هو من يتولى أمورك ،إنه هو الولي المالك للأشياء ، المستولى عليها ، فهو المتفرد بتدبيرها أولا ، والمتكفل والمنفذ للتدبير ثانيا ، والقائم عليها بالإدانة والإبقاء ثالثا ، هو المتولي أمور خلقه بالتدبير والقدرة والفعل ، فهو سبحانه المالك للأشياء، المتكفل بها ،القائم عليها بالإبقاء، والمتفرد بتدبيرها ، المتصرف بمشيئته فيها ، ويجرى عليها حكمه ، فلا والى للأمور سواه ، والولي سبحانه وتعالى يتولانا برحمته ورعايته دون أي مصلحة أو غرض فهو يواليك ويحفظك وهو الغني عنك فطاعتك لن تزيد في ملكه ولا في عزته ولا في عظمته بينما ولاية البشر للبشر نابعة من مصلحة أو هدف معين فشتان بين ولاية الله عز وجل وولاية البشر. فقد قال عز وجل (إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) الأعراف 196،
أيها المسلمون
أما عن آثار الإيمان باسمه تعالى (الولي ) في سلوك المؤمن وحياته : فعندما يتيقن المسلم أن الله وليه ،يعرف أنه ولي بنفسه على من حوله من البشر، فهو ولي على أهله ،وجاره ، ومن لهم حق عليه ،وولي على الفقراء ، والمحتاجين من المسلمين فللمسلم ولاية مصغرة في الدنيا ،بالسعي في حاجات الناس ،ومساعدتهم ، ففي المعجم للطبراني (عن عبد الله بن عمرو قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن لله عند أقوام نعما ،يقرها عندهم ما كانوا في حوائج الناس ،ما لم يملوهم ،فإذا ملوهم نقلها من عندهم إلى غيرهم )
الدعاء