خطبة عن حديث (فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ)
أبريل 7, 2018خطبة عن (من الجوانب الحضارية في سيرة خير البرية)
أبريل 7, 2018الخطبة الأولى ( وقفات وتأملات في سورة قريش )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ،ويقول سبحانه: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقال الله تعالى : ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سُئلت عائشةُ رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد :(قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”.وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به”
أيها السلمون
ومن سور القرآن الكريم التي تتكرر على أسماعنا ،ونحن بحاجة ماسة إلى تدبرها ، ومعرفة ما فيها من الحكم والفوائد الجليلة ، سورة قريش، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ (1) :(4) قريش ، وهذه السورة لها صلة بالسورة التي قبلها ،وهي سورة الفيل، إذ إن في سورة الفيل بيان لمنة الله عزَّ وجلَّ على أهل مكة ،بما فعل بأصحاب الفيل ،الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة، فبين الله في هذه السورة نعمة أخرى كبيرة على أهل مكة ،وهي رحلة الشتاء والصيف.وأما قريش: فَعَلَمٌ على القبيلة، وهم ولد النضر بن كنانة، وكل من لم يلده النضر فليس بقرشي. وقيل: هم ولد فهر بن مالك بن النضر، فمن لم يلده فهر فليس بقرشي, بل هو كناني. وقال القرطبي: والقول الأول أصح وأثبت . وسموا بذلك؛ لتجمعهم بعد التفرق، فالتقريش: التجمع والالتئام، وكانوا متفرقين في غير الحرم، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوه مسكنًا، وأسكنهم مكة، ونظّم شؤونها، ووضع أساسَ سيادتها الدينية والسياسية، وأسَّس دارَ الندوة حيث كان يجتمع أعيانُ قريش للتشاور في أمور السلم والحرب، وإنجازِ معاملاتهم. وقيل قريش : من القرش وهو التكسب لتجارتهم وجمع المال، وقيل قريش : تصغير قرش, وهي دابة تكون في البحر، هي أعظم دواب البحر خطرا، لا تظفر بشيء من دواب البحر إلا أكلته، فسميت قريش بها؛ لأنها أعظم العرب فعالا، وفي السورة بشارة عظيمة لقريش خاصة بإظهار شرفهم في الدارين، وبيان منّة الله عز وجل عليهم بما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة. وتضمنت تعداد نعم اللَّه العظمى على قريش أهل مكة، حيث جمع اللَّه كلمتهم، وحقق الألفة والتئام الشمل بينهم، ومكّنهم من التنقل وحرية التجارة إلى اليمن شتاء، وإلى الشام صيفا؛ لتوفير الثروة والغنى، وأمنهم من المخاوف؛ لما وقر في نفوس العرب من حرمتهم؛ لأنهم سكان الحرم، وعمّار الكعبة، ورد القبائل فلا يغير عليهم أحد،
فقوله تعالى : ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْش ﴾ ، فالإلف بمعنى الجمع والضم، ويراد به هنا التجارة التي كانوا يقومون بها مرتين في رحلتين ، مرة في الشتاء، ومرة في الصيف، أما في الشتاء فيتجهون نحو اليمن للمحصولات الزراعية فيه، وأما في الصيف فيتجهون إلى الشام؛ لأن غالب تجارة الفواكه وغيرها تكون في هذا الوقت في الصيف مع مناسبة الجو البارد، فهي نعمة من الله سبحانه على قريش في هاتين الرحلتين؛ لأنه يحصل منهما فوائد كثيرة ومكاسب تجارية، إضافة إلى أنهم يرجعون إلى بلدهم مكة آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس ، ولكونهم سكان حرم الله، فمن عرفهم احترمهم، بل من سار معهم أمن بهم، هذا هو حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم، وصيفهم، وأما في حال إقامتهم، فكما قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67]. وفي قوله تعالى : ( إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف) ، فقد كان ملوك النواحي يعظمون أهل مكة ويقولون: هؤلاء جيران بيت الله، وسكان حرمه، وولاة الكعبة، حتى إنهم كانوا يسمون أهل مكة: أهل الله. وقيل أن الذي سنَّ لقريش هاتين الرحلتين هو هاشم بن عبد مناف ، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسبب ذلك: أنهم كانوا تعتريهم خصاصة، فإذا لم يجد أهل بيت طعاما لقوتهم حمل ربُّ البيت عياله إلى موضع معروف، فضرب عليهم خباء وبقوا فيه حتى يموتوا جوعا، ويسمى ذلك (الاعتفار)، فحدث أن أهل بيت من بني مخزوم أصابتهم فاقة شديدة فهَمُّوا بالاعتفار، فبلغ خبرهم هاشمًا، فقام هاشم خطيبًا في قريش وقال: إنكم أحدثتم حدثًا تقِلُّون فيه، وتكثر العرب، وتذلون، وتعزّ العرب، وأنتم أهل حرم الله، والناس لكم تُبّع، ويكاد هذا الاعتفار يأتي عليكم. ثم جمع كل بني أب على رحلتين للتجارات، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير من عشيرته، حتى صار فقيرهم كغنيهم. وأما قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت ﴾ فقد أرشدهم الله تعالى إلى شكر هذه النعم بعبادة رب البيت ،والمراد به الكعبة، وهنا أضاف ربوبيته إليه، فقال: ﴿ رَبَّ هَذَا الْبَيْت ﴾ وإضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم والمعنى : أي: فليشكروا الله، وليوحدوه، ويخلصوا له العبادة بما أنعم به عليهم من النعم العظيمة؛ ومنها تهيئته سبحانه هاتين الرحلتين اللتين كانتا سببًا في تلك النعم عليهم.، كما جعل لهم حرمًا آمنًا ،وبيتًا محرمًا ، كما قَالَ تَعَالَى في محكم آياته : ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 91]. ومعنى عبادة الله رب البيت، ألا يعبدوا صنمًا ولا ندًا ولا وثنًا، ومن استجاب لهذا الأمر ،جمع الله له بين أمن الدنيا ، وأمن الآخرة، ومن عصاه ، سلبهما منه، كما قَالَ تَعَالَى في محكم آياته : ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون ﴾ [النحل: 112]. أما قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف ﴾: فالمعنى : أي أطعمهم من بعد الجوع، وكان صلى اللهُ عليه وسلم يتعوذ بالله من الجوع. فقد روى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ” . وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما في قوله تعالى : “﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ ﴾ وَذَلِكَ بِدَعوَةِ إِبرَاهِيمَ عليه السلام حَيثُ قَالَ: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ [البقرة: 126]” ،وقال ابن زيد: “كانت العرب يغير بعضها على بعض ،ويسبي بعضها من بعض، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم، ثم قرأ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا ﴾ [القصص: 57]”﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ فرب هذا البيت سبحانه وتعالى هو الذي أوسع لهم الرزق، ومهد لهم سبله، فقد كانوا في ضر ومجاعة ،حتى جمعهم هاشم على الرحلتين، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقر حتى استغنوا، وذلك لأن أرضهم ليست بذات زرع ولا ضرع، وما هم بأهل صناعة مشهورة يحتاج إليها الناس فيأتوهم، فكانت تضيق عليهم مسالك الأرزاق، وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات، حتى رحمهم ربهم ورب أبيهم إبراهيم عليه السلام الذي استجاب الله لدعوته، حيث قال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ (إبراهيم: 37)، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: 129), فاستجاب الله دعاءه؛ فأطعمهم الله من جوع، وآمنهم من خوف، وأورثهم القبول عند غيرهم، وبعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياته. ولم يتخلف ذلك عنهم إلا حينَ دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» متفق عليه ، فأصابتهم مجاعة وقحط سبع سنين، وذلك أول الهجرة. وفي قوله تعالى : ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ أي: آمنهم من فزع وخوف، ويَسَّر لهم ما لم يتأت لغيرهم من العرب من الأمن من عدوان المعتدين، وغارات المغيرين، ولولا ذلك لكانوا في جوع وضنك عيش ،فكانوا يذهبون آمنين، ويعودون سالمين، لا يمسهم أحدٌ بسوء- على كثرة ما كان بين العرب من السلب والنهب والغارات التي لا تنقطع-، فكان احترام البيت ضربًا من القوة المعنوية التي تحتمي بها قريش في الأسفار، وكان سببًا لرفعة شأنهم بين العرب كما قال تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ (المائدة: 97)، وقال تعالى: ﴿ ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (القصص: 57)، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ (العنكبوت: 67)، فلهذا ألفته نفوسهم وتعلقت به, وكل ذلك بتسخير رب البيت سبحانه الذي حفظ حرمته، وزادها في نفوس العرب تعظيمًا برد الحبشة عنه حين أرادوا هدمه وإهلاكهم فجعلهم عبرة لغيرهم. فإذا كانوا يعرفون أن هذا كله بفضل رب هذا البيت فَلِمَ يتوسلون إليه بتعظيم غيره وتوسيط سواه عنده؟ وفي هذا الجمع لهم بين الإطعام من الجوع والأمن من الخوف نعمة عظمى؛ لأن الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين هاتين معًا، إذ لا عيش مع الجوع، ولا استقرار مع الخوف، وتكمل النعمة باجتماعهما. ولذا في سنن الترمذي :( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات وتأملات في سورة قريش )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فوائد هذه السورة الكريمة: أولًا: أن نعم الله على عباده كثيرة ،ومن أعظمها بعد الإيمان: الأمن والغذاء، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار ﴾ [إبراهيم: 34]. وقال تعالى ممتنًّا على عباده بنعمة الغذاء: ﴿ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِه * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم ﴾ [عبس: 24-32]. وقال تعالى ممتنًّا على عباده بنعمة الأمن: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون ﴾ [الأنعام: 82]. وقال تعالى ممتنًّا على أهل سبأ بهذه النعمة: ﴿ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِين ﴾ [سبأ: 18]. ومن فوائد هذه السورة الكريمة: ثانيًا: أن دوام هذه النعم وبقاءها إنما يكون بشكرها ،وذلك بإخلاص العبادة له وطاعته واجتناب نواهيه، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ﴾ [النور: 55]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد ﴾ [إبراهيم: 7]. ومن فوائد هذه السورة الكريمة: ثالثًا: أن شكر هذه النعم يكون بالقلب والقول والفعل، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [لقمان: 12]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور ﴾ [سبأ: 13]. وأن ذهاب هذ ه النعم ،إنما يكون بسبب المعاصي والذنوب، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار ﴾ [إبراهيم: 28-29]. وفي الصحيحين مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!” وما أجمل قول القائل :
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ العِبَادِ فَرَبُّ العِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
فالواجب على العباد أن يقابلوا هذه النعم، بإفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه ندًا ولا صنمًا ولا وثنًا، ليزيدهم الله في الرزق، ويتم عليهم الأمن في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الأنعام: 82).
الدعاء