خطبة عن (وقفات وتأملات في سورة قريش)
أبريل 7, 2018خطبة عن حديث (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ)
أبريل 7, 2018الخطبة الأولى (من الجوانب الحضارية في سيرة خير البرية)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الاحزاب
إخوة الإسلام
كلمة (الحضارة) كما عرَّفها مَجمع اللغة العربيّة في القاهرة بأنّها : الرُقي الاجتماعي والأدبي في الحضر، وأما مفهومها الاصطلاحي : فهي تعني مجموعة المظاهر العلميّة، والأدبيّة، والفنيّة، وكذلك الاجتماعيّة، الموجودة في المجتمع ، ومقدار التقدم العلمي والتقني الذي يتمتع به شعب معين في حقبة من التاريخ ، فهي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني. ومن خلال ذلك فسوف نتناول اليوم إن شاء الله مجموعة من الجوانب الحضارية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك بغرض كشف وبيان وتوضيح الصورة المشرقة للإسلام ، والمجتمع المسلم ، وذلك من خلال شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأولى هذه الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : حسن الخلق : فالأخلاق الفاضلة هي المؤشر الحقيقي لرقي الأمم وحضارتها ، وقد تبوأت الأخلاق في المجتمع الاسلامي مكان الصدارة ، وذلك بفضل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكارم الأخلاق ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ »،وفي مسند الإمام أحمد: (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً قَالَ الْقَوْمُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً » ، وفيه أيضا 🙁 عَنْ أَنَسٍ قَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ سِنِينَ لاَ وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ وَلاَ قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلاَّ فَعَلْتَهُ. وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ « إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ». وفي الأدب المفرد وصححه الألباني (قالوا يا رسول الله ما خير ما أعطى الإنسان قال خلق حسن) ،وروى الترمذي بسند حسن :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ ». ، ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : النظافة الشخصية : فنظافة البيئة بما فيها نظافة الانسان هي من مظاهر الحضرات الراقية ، وقد أهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بجوانب النظافة ، وفي مقدمتها النظافة الشخصية ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْفِطْرَةُ خَمْسٌ – أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ – الْخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ ». وفي صحيح البخاري :(عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ) ، وروى أحمد : (قِيلَ لِعَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ.
ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : بر الوالدين : فقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في بر الوالدين ، والاحسان إليهما ، ومداومة صلتهما ، ومتابعة أحوالهما ، وإجابة ما يطلبان أو يحتاجان إليه ، ومواصلة السؤال عنهما ، والدعاء لهما ، وحذر من عقوقهما ، واهانتهما ، والجفاء في معاملتهما ، وهو ما تنادي به المجتمعات والشعوب في العصر الحاضر ،بعد أن أودع بعض الأبناء آباءهم في دور العجزة وكبار السن ، ففي سنن الترمذي وغيره بسند حسن (أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي أَبِى عَنْ جَدِّى قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ قَالَ « أُمَّكَ ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمَّكَ ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « أُمَّكَ ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ » ، وكان أبو هريرة قد استخلفه مروان ، وكان يكون بذي الحليفة ، فكانت أمه في بيت وهو في بيت ، فإذا أراد أن يخرج ، وقف على بابها فقال : السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته . فتقول : وعليك يا بنى ورحمة الله وبركاته . فتقول : وعليك يا بنى ورحمة الله وبركاته . فيقول : رحمك الله كما ربيتني صغيرا ، فتقول : رحمك الله كما بررتني كبيرا . وكان إذا أراد أن يدخل صنع مثله .وفي الصحيحين :(حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ – ثَلاَثًا – أَوْ قَوْلُ الزُّورِ » ، وروى البخاري في صحيحه أن (أَسْمَاء ابْنَة أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنهما – قَالَتْ أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – آصِلُهَا قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة (8) ــ ومـن صور تكريم الوالدين ألا يعرضهما ابنهمـا المسلم للإهـانة ، فقد روى مسلم :( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ « نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ». ــ ومن بر الوالدين بعد موتهما ما أجاب به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سائلا سأله : فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ « نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا » رواه أبو داود. وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ».
أيها المسلمون
ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : تربية البنات والاحسان إليهن :فالعناية بترية الأولاد ، وخاصة البنات ، والحفاظ عليهن من الضياع ، وحسن تربيتهن كل ذلك من خصائص المجتمعات الراقية ، والحضارات السامية ، وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ أَوِ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ ». وفيه ( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنِ ابْتُلِىَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ ». ــ وممـا روي في الأثر عن عبد الله بن عمر : كان عنده رجل له بنات فتمنى موتهن ، فغضب ابن عمر ، وقال له : أنت ترزقهن ؟! . ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : الرحمة بالأطفال ، فهي دليل على نبل الأخلاق ، ورقة المشاعر ، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِى قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَالَ « أَثَمَّ لُكَعُ أَثَمَّ لُكَعُ ». يَعْنِى حَسَنًا فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ ». وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ. فَقَالُوا لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ ». وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ « مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ». وأما عن ضرورة المساواة بينهم ، ففي صحيح البخاري (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِى هَذَا غُلاَمًا . فَقَالَ « أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَارْجِعْهُ »
ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : صلة الرحم :وهي مودة الأقارب بعد الوالدين ، واستمرار التواصل معهم ، ومراعاة أحوالهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، وهي دليل على ترابط أفراد المجتمع ، وتكاتفه ، وقوة العلاقات بينهم ، ففي مسند أحمد وغيره (عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ» ، وروى البخاري (عَنْ أَبِى أَيُّوبَ رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ . قَالَ مَا لَهُ مَا لَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَرَبٌ مَالَهُ ، تَعْبُدُ اللَّهَ ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ » ، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. قَالَ « لَئِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ » ، ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : حسن معاملة الجار :وهي أيضا من مؤشرات ترابط المجتمع ، ففي الصحيحين (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ». وفي البخاري : أنه (صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ » ، وفي رواية (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ،) ــ وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ” كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة ، يقول : يارب ، هذا أغلق بابه دوني ، فمنع معروفه ! ” الادب المفرد وصححه الالباني . وفي صحيح الأدب المفرد : (عن أبي هريرة قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعلُ، وتصدقُ، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا خير فيها، هي من أهل النار”. قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأثوار ، ولا تؤذي أحداً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هي من أهل الجنة “.
أيها المسلمون
ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : رعاية الأيتام والأرامل : فهؤلاء من الفئة الضعيفة التي تحتاج إلى رعاية خاصة ، ورعايتهم دليل على السمو والرقي في التعامل ، ولذا فهم مؤشر حضاري رفيع المستوى، وهذا ما دعا إليه الاسلام ، ففي صحيح البخاري أن (سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) وفي مسند أحمد وغيره (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ – وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى – امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَيْتَامِهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا ». وفي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ – وَأَحْسِبُهُ قَالَ – وَكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ ». ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : عيادة المريض : ففي البخاري (الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ – رضى الله عنهما – قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ . فَذَكَرَ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ ، وَرَدَّ السَّلاَمِ ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي ، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ) ،وروى مسلم في صحيحه (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ « جَنَاهَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من الجوانب الحضارية في سيرة خير البرية)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : إفشاء السلام : فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». وروى الترمذي بسند صحيح :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَفْشُوا السَّلاَمَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ». ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : المحبة بين الناس : ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا » ،ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : الحياء : وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ». وفي البخاري (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِى فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ » ، ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : ذم الكبر : فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ». وروى أحمد أن (ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِىَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ »، ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : الرفق بالحيوان : في الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ بِي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِى الْبَهَائِمِ أَجْرًا . فَقَالَ « فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ » ، وفي الصحيحين :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ » ، وروى مسلم (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ». وروى أحمد : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْزِلاً فَانْطَلَقَ إِنْسَانٌ إِلَى غَيْضَةٍ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَيْضَ حُمَّرَةٍ فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرُءُوسِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ « أَيُّكُمْ فَجَّعَ هَذِهِ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا أَصَبْتُ لَهَا بَيْضاً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ارْدُدْهُ »، ومن الجوانب الحضارية في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم : تنظيف الطريق : فقد روى مسلم (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِى آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاَثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِمِائَةِ السُّلاَمَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ » وروى أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « غُفِرَ لِرَجُلٍ نَحَّى غُصْنَ شَوْكٍ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ » وروى مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِى حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِى أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ ».
أيها المسلمون
ومن أهم النتائج المستخلصة من الجوانب الحضارية في حياة وسيرة خير البرية صلى الله عليه وسلم : أولا : أن ما أوردناه من أقوال الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وأفعاله يدل بوضوح على مستوى حضاري عال ، يكاد يختلف تمام الاختلاف عما كان متعارفا عليه من الأخلاق والسلوكيات والقيم في البيئة التي عاش فيها . وأهم ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو طابع الرفق والتسامح الذى تميزت به حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، في مقابل العنف والخشونة والعدوانية التي كانت سائدة في المجتمع البدوي . ثانيا : أننا لا نكاد نجد أحدا من مشاهير العالم تنطبق تعاليمه النظرية على حياته الشخصية ، كما نجدها متمثلة في حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فهو لم يقل شيئا لا يفعله ، ولم يوجه المسلمين إلى سلوك لم يطبقه عمليا في تصرفاته اليومية ، ومن هنا كان وصف السيدة عائشة ، رضى الله عنها ، بقولها : ” كان خلقه القرآن ” . ولا شك أن هذا التطابق التام بين القول والعمل كان له أكبر الأثر في التحول الأخلاقي السريع والعميق ، الذى حدث لصحابته فردا فردا ، ثم انتقل بالتالي إلى عموم المسلمين ، ثالثا : أن عاطفة الحب الشديد التي بثها الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، في نفوس أصحابه جعلهم يتابعون حياته في أدق تفاصيلها ، حتى كانوا يسألون زوجاته عما كان يفعله في بيته ، وأثناء راحته أو نومه ، وذلك لكى يحاكوه أو يقتربوا منه ، ونحن نعلم جيدا أن المحب يكون دائما على خطى من يحب . وهذا بدون شك هو السبب الكامن الذى مازال يدفع المسلمين جميعا في سائر أرجاء العالم إلى محاولة الأخذ بسنته ، والالتزام الكامل بتوجيهاته في أدق تفصيلاتها . رابعا : أن الجوانب الحضارية في حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ينبغي أن يستمر تسليط الضوء عليها للأجيال الحاضرة والقادمة ، فهي تمثل منظومة تربوية متكاملة يمكنها أن تعصم تلك الأجيال من الجنوح إلى الانحلال ، أو الوقوع في التطرف . وكلا الطرفين يتناقض تماما مع النموذج الانساني الرفيع الذى يقدمه الرسول ، صلى الله عليه وسلم .
الدعاء