خطبة عن ( رعاية الموهوبين في الإسلام )
أبريل 14, 2018خطبة عن اسم الله ( الرشيد، المرشد )
أبريل 14, 2018الخطبة الأولى (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ ، فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ « أَيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ » . قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ »
إخوة الإسلام
الإسلام دين النّزاهة ، والعفة ، والأمانة، قال الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (58) النساء ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ». وروى الإمام أحمد وغيره : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ قَالَ « لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ ». والأمانة كلمة واسعة المفهوم ، ويدخل فيها أنواع كثيرة ، ومظاهر متعددة ، ومنها : الدين ، فالأمانة العظمى هي الدين ، والتمسك به ، قال القرطبي: (الأمانة تعم جميع وظائف الدين ، وتبليغ هذا الدين أمانة ) ، وأيضا كل ما أعطاك الله من نعمة فهي أمانة ، فالبصر أمانة ، والسمع أمانة، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، واللسان أمانة ، والمال أمانة ، والمنصب أو الوظيفة والجاه أمانة ، وكذلك العرض أمانة ، والولد أمانة ، والعمل الذي توكل به أمانة ، والسر أمانة ، والودائع أمانة ، والصَّلاةِ أَمَانَةُ ، وَ الصَّوْمِ أَمَانَةُ ، والغسل والوضوء أَمَانَةُ ، وهكذا … وكما أمر الاسلام بحفظ وأداء الأمانات ، فقد حذر أيضا من الخيانة ، وتضييع الأمانة ، فقال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال 27]. ومن أعظم الخيانات إسناد الأمور إلى غير أهلها، لما في ذلك من الظّلم للأكفاء بعدم وضعهم في موضعهم ،وإسناد الأمر إليهم، ولغير الأكفاء الّذين أُسندت إليهم الأمور ،وهم غير قادرٍين على القيام بها، وكذلك للأمّة الّتي تصطلي بنار التّدابير السّيّئة الصّادرة من غير الأكفاء، بل وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم ، أن ضياع الأمانات ، وانتشار الخيانات ، دليل على فساد الفطرة ، وانقلاب الموازين ،وتبدل الأحوال، بل وعد ذلك علامة على قرب قيام الساعة ، وانتهاء الدنيا ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم : « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ »
أيها المسلمون
نعم ، فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » فمن أهم مظاهر تضييع الأمانات، إسناد أمور الناس من إمارة ،وخلافة ،وقضاء ،ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها ،والمحافظة عليها، لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم, وإيغاراً لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم. فإذا ضيع من يتولى أمر الناس الأمانة، والناس تبع لمن يتولى أمرهم، كانوا مثله في تضييع الأمانة، فصلاح حال الولاة صلاح لحال الرعية, وفسادهم فساد لهم، وإسناد الأمر إلى غير أهله دليل واضح على عدم اكتراث الناس بدينهم, بدليل أنهم يولون أمرهم لمن لا يهتم بدينه، وهذا إنما يكون عند غلبة الجهل ، ورفع العلم, وتزداد خيانة الّذي يسند الأمور إلى غير أهلها، إذا علم أنّ الأكفاء نادرون بين البشر، فإذا وُجد هذا النّادر واختير غيره من الجهلة أو الخونة أو الضّعفاء، كان ذلك دليلاً على أنّ الخيانة في تارك الكفء إلى غيره متأصِّلة فيه، وأنّه لا يريد للأمّة خيراً، وإنّما يريد لها الشّرّ، وإنزال الفساد بساحها، إشباعاً لرغباتٍ شرّيرةٍ فيه ،وأهواءٍ فاسدةٍ ،وجلباً لمصالح شخصيّة. وقد شبّه الرّسول صلّى الله عليه وسلمّ، الرّجل الكفء بنجيب الإبل [وهو قليل بين الإبل الكثيرة] والّذي إذا وجده المسافر أمن في سفره على نفسه وعلى متاعه؛ لأنّه قويّ صبور متمرّس على الحمل والسّفر وتحمّل المشاقّ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ».وهكذا الرجل الكفء يأمنه ولي الأمر الذي اختاره، وتأمنه الأمة على ضروراتها ومصالحها، أما غير الكفء فهو شبيه بالإبل الكثيرة التي يلتمس الراكبُ منها واحدةً صالحة فلا يجدها.. فأمانة المسؤول أمانة عظيمة، لاختيار الأصلح لكلّ عمل، دون مراعاة لأحد، ولا محاباة لفرد من الأفراد، ودون تقدير لشعور قريب أو صديق، فلن يجادل عن المفرّط أحد يوم القيامة، بل سيقاسي ألوان العذاب بسبب تفريطه في الأمانة وتضييعه لها، وسيكون جلساؤه خصماءه، وشهداء عليه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « وَيْلٌ لِلأُمَرَاءِ وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ وَيْلٌ لِلأُمَنَاءِ لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ ». وإن المتأمّل في هذا الزّمن، والنّاظر في واقع المسلمين اليوم، يجد أنّ كثيراً من الأعمال يتولّاها أناسٌ ليسوا أهلاً لهذا المكان، ولا يخافون الله ولا يهابونه، فكيف تسير سفينة الحياة مع تلك الفئة من النّاس؟! روى الإمام أحمد في مسنده، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ: يَا يَزِيدُ، إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ، وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ، فَإِنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ…)،فكم من غير المؤهلين مسندة إليهم الأمور؟؟ وكم أثبتت لنا الحقائق والتجارب السابقة والكثيرة أن الأمانة قد ضيعت في كثير من الحالات بسبب إسناد أمرها إلى غير المؤهلين لها .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالله الله أيها المسلمون في أمانة إسناد المهام إلى أهلها، فيجب على من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين ،أن يولِي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل، وقد توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخيانة لله ورسوله والمؤمنين من خالف ذلك ، ففي سنن البيهقي (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ ». وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من ولي من أمر المسلمين شيئاً ،فولى رجلاً لمودة ، أو قرابة بينهما، فقد خان الله، ورسوله ،والمسلمين ، واعلموا إخوة الاسلام أن القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة.. فقد جاء في تفسير ابن كثير (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ .. ” الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ” ، أَوْ قَالَ .. ” يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا ، إِلا الأَمَانَةَ ، يُؤْتَى بِصَاحِبِ الأَمَانَةِ ، فَيُقَالُ لَهُ .. أَدِّ أَمَانَتَكَ ، فَيَقُولُ .. أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدَ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا ، فَيُقَالُ .. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى قَعْرِهَا ، فَيَجِدُهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا فَيَحْمِلُهَا ، فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ ، فَيَصْعَدُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ ذَلَّتْ فَهَوَتْ ، وَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ) ، فالأمانة فضيلةٌ ضخمةٌ ثقيلةٌ ، وقد تحملها الإنسان من جهله، كما في قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الاحزاب 72، وأذكركم بما بدأت به ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ »
الدعاء