خطبة عن: من أخلاق المسلم :(الأمانة)
أبريل 14, 2018خطبة عن (سورة الفاتحة: وقفات وتأملات)
أبريل 21, 2018الخطبة الأولى ( وقفات وتأملات في سورة الفاتحة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ،ويقول سبحانه: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ومن سور القرآن الكريم ، والتي تتكرر على أسماعنا سبع عشرة مرة كل يوم في صلاتنا ، ونحن بحاجة ماسة إلى تدبرها ، ومعرفة ما فيها من الحكم والفوائد الجليلة ، سورة الفاتحة، وقد تناولت معكم في اللقاءين السابقين قول الله تعالى : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة (1) :(5) ، واليوم -إن شاء الله- حديثنا عن قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) الفاتحة (6)، (7) ، ففي قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } لجوؤك إلى الله عزّ وجلّ أن يثبتك على دينه ، فالصراط المستقيم هو الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، و{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } فيها مسألة عظيمة ،لا يعرف قدرها إلا من وفقه الله وسدده وقليل ما هم ، فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام ، فأنت تطلب من الله أن يبين لك طريق الحق ، وهذه هي هداية البيان ، وأنت تطلب من الله أن يوفقك لهذا الطريق الذي لا اعوجاج فيه ، وأن يثبتك عليه ، وهذه هي هداية التوفيق ، ونحن في زمننا هذا ؛ أشد ما نكون إلى هاتين الهدايتين ، فنسأل الله أن يرزقنا إياها ، بمنِّه وفضله وكرمه . وحقيقة الصراط المستقيم الذي يتصوره العبد وقت سؤاله ،هو طريق الله الذي نصبه لعباده عن طريق رسله ، فمن رحمة الله أن أوجب علينا تكرار هذا الدعاء ، فلنتأمل ضرورتنا إلى هذا الدعاء ، فالهداية إلى ذلك تتضمن العلم النافع ، والعمل الصالح ، والثبات على ذلك إلى أن نلقى الله ،والإيمان والعمل الصالح هو الصراط المستقيم في الدنيا الذي أمر الله العباد بسلوكه والاستقامة عليه , وأمرهم بسؤال الهداية إليه ، وكل ما خالف هذا الصراط من طريق أو علم أو عبادة فليس بمستقيم، بل معوج ولذلك جعل الله هذا الدعاء ركناً قولياً نجهر به في الصلوات اليومية ، لأنه إذا حصل البيان والدلالة والتعريف ، أدى ذلك إلى هداية التوفيق وحُبِّب الإيمان في قلب صاحبه وزُين فيه ، وحصل الرشد والهداية .
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } ففي هذا الدعاء ضمان السعادة في الدارين ، فنحن بحاجة ماسة إلى هذا الضمان ، وإلى السكون والاطمئنان ، فالأمر يتعلق بمصير الإنسان ، وبكل حياته ووجوده وحركته، فهذا الدعاء أعظم شيء نحتاجه ، فحاجتنا إلى الهدى في كل لحظة أعظم من حاجتنا إلى الأكل والشرب .ومن المعلوم أن من هُدي في هذه الدار إلى الصراط المستقيم الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ، هُدي في الآخرة إلى الصراط المستقيم المنصوب على متن جهنم ، فعلى قدر سير العبد على هذا الصراط في الدنيا ، يكون سيره على ذلك الصراط في الآخرة ، فلينظر المرء إلى الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم ، فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط التي تخطفه وتعوقه عن المرور عليه ، فإن كثرت هنا وقويت ، فكذلك هي هناك ،وفي قوله تعالى : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فيه التفصيل بعد قوله الصراط المستقيم ، لبيان هذا الطريق الذي هو طريق الذين تكرّم الله عليهم بأعظم النعم ، وقد ذكرهم الله في قوله تعالى: { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً } النساء 69،. وفي قوله تعالى : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } دليل على أن نعمة الدين أكبر من نعمة الدنيا ، وأن من سلك هذا الصراط فهو في نعمة ، وكلمة { أَنْعَمْتَ } تفيد معنى ينطبق على جميع الأمور التي تعني الإنسان من هداية ، أو صحة أو مال ، أو جاه ، أو علم ، أو أمن ، أو أي شيء آخر يسهم في إسعاد الإنسان ، فهذه كلها نعم من رب العالمين ، ولكن المهم هو أن ندرك نحن هذه النعمة ، ولأجل ذلك جاء التعبير عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، بـ {أنعمت عليهم} لأنهم في نعمة حقيقية ، وفي السعادة القلبية ، حتى وهم يتألمون ويواجهون المحن ، والبلايا، ويستشهدون ، وفي مسند أحمد (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مُضْطَجِعٌ مُرْمَلٌ بِشَرِيطٍ وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَدَخَلَ عُمَرُ فَانْحَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- انْحِرَافَةً فَلَمْ يَرَ عُمَرُ بَيْنَ جَنْبِهِ وَبَيْنَ الشَّرِيطِ ثَوْباً وَقَدْ أَثَّرَ الشَّرِيطُ بِجَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَكَى عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ ». قَالَ وَاللَّهِ مَا أَبْكِى إِلاَّ أَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَهُمَا يَعِيثَانِ فِى الدُّنْيَا فِيمَا يَعِيثَانِ فِيهِ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالْمَكَانِ الَّذِى أَرَى. فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ ». قَالَ عُمَرُ بَلَى. قَالَ « فَإِنَّهُ كَذَاكَ ».
وفي قوله تعالى : { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } استعطاف ، فإن من عادة المساكين أن يتوسلوا بقولهم : أعطنا كما أعطيت فلاناً وفلاناً، فهذا الدعاء توسل إلى الله بنعمه وإحسانه إلى من أنعم عليهم بالهداية ،وهذا من الافتقار إلى الله في طلب الهداية التي هي أصلُ السعادة ،وفي الآية أيضا دليل على أن الله تعالى له المنة الكبرى على من أنعم عليهم بهذه النعمة ، فليحمد العبد ربه على كل عمل صالح يعمله ، فإنه بنعمة الله ، وعونه وتوفيقه . وفي قوله تعالى : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } فيه الاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين ، والمغضوب عليهم هم اليهود ومن كان على شاكلتهم ممن عرفوا الحق وجحدوه، وعلموا الحق وعدلوا عنه ، وأما الضالون فهم النصارى ، ومن كان على شاكلتهم ممن ضلوا الطريق ، وانحرفوا عن الجادة ، ولا يهتدون إلى الحق .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات وتأملات في سورة الفاتحة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والاستعاذة من صراط المغضوب عليهم استعاذة من أسباب الغضب ، والاستعاذة من صراط الضالين استعاذة من أسباب الضلال ، فقد يظن البعض إذا رأى في التفسير أن اليهود مغضوب عليهم ، وأن النصارى ضالون ، ظن أن ذلك مخصوص بهم ، بل كل من علم حكماً من أحكام الله تعالى وخالفه كان مستحقاً لغضب الله عز وجل وذلك بحسب ما خالف به من أمر الله تعالى . وهذا الدعاء الذي نكرره في كل ركعة يجعل كلاً منا يحاسب نفسه , ليسلم مما وقع فيه هذان الفريقان فيحذر طريقهما , فكم من المسلمين يعلم حكم تارك الصلاة ، ويتركها ، ويعلم حكم تحريف الكلم عن مواضعه ويحرف ، ويكتم دين الله تعالى ، ويتحايل على الدين ويعلم حرمة ذلك ، ولهذا كان في قوله تعالى :{ وَلا الضَّالِّينَ } إشارة إلى أن الضلال صفة ممقوتة لأن المؤمن يسأل الله تعالى أن يعصمه عن طريق الضالين ، فعليه إذاً أن يتعلم ما يجعله يؤدي عبادته على الوجه الصحيح . وكما سألت الله أن يعصمك من طريق هؤلاء فتبرأ منهم ، وتجنب ما هم عليه ، واحمد الله على أن هداك الصراط المستقيم ، فكم من مسلم يدعو ربه في كل ركعة بأن يجنبه الله طريق المغضوب عليهم والضالين وهو ما يزال يسير في طريقهم ، فمن علامة اهتدائك للصراط المستقيم مخالفة المغضوب عليهم والضالين ومن سار على نهجهم , وفي سنن أبي داود (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ». ومن الملاحظ أن كلمة : { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } جاءت في مقام الإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم ، وفي الآية يأمر الله عباده المؤمنين بمعاداة أهل الغضب والضلال ، فالمؤمن يغضب لغضب ربه ، ويرضى لرضا ربه ، ومن الملاحظ أيضا أن الناس انقسموا في السورة إلى ثلاثة أقسام : عالم بالحق وعامل به ، وهو المنعم عليه ، وهذا الذي زكى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وهو المفلح؛ وعالم بالحق ومخالف له ومتبع لهواه ، وهو المغضوب عليه ، وجاهل بالحق ، وهو الضال .ففساد القصد وسوء النية ، والحسد والتكبر عن قبول الحق سبب للحرمان من هداية التوفيق ، لأن هداية التوفيق لا تتحقق للعبد إلا بحسن القصد وصدق النية وطهارة القلب ، وكذلك الجهل بالحق وترك العلم الواجب سبب الضلال والحرمان من هداية البيان والعلم ، لأن هداية البيان والعلم لا تتحقق إلا بالعلم النافع وبذل الجهد في تحصيله ، فهذه السورة كما قال ابن القيم : هي المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجَنَّة، ولكن ليس كل واحد يُحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أنَّ طُلابَ الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحقَّقُوا بمعانيها، وركَّبوا لهذا المفتاح أسناناً، وأحسنُوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكُنوزِ ، ولكنْ لله تعالى حكمةٌ بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالَمين، كما لَه حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم ….)
الدعاء