خطبة عن عبادة التفكر:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
سبتمبر 22, 2018خطبة عن حديث (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)
سبتمبر 29, 2018الخطبة الأولى ( لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، أو يَتَعَرَّض لِمَا لاَ يُطِيقُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (8) المنافقون، وروى الترمذي في سننه بسند حسن (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ». قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ. قَالَ « يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ ».
إخوة الإسلام
المؤمن أحيانا قد تدعوه حماسته لفعل ما يظنه خيرا أو ثوابا ،أو أنه من أفعال المروءة والرجولة , ولكنه ما يلبث أن يندم على ذلك بعدما يتبين له أنه قد أخطأ في التقدير ، ووجد لفعله آثارا سلبية وسيئة، وقد تكون سببا في إذلاله ، أو تعرضه للمواقف المحرجة ، أو يصبه من الأذى ما لا يطيق . وغالبا ما تحدث هذه المواقف ،عندما يقبل المرء على العمل ،دون أن يدرس عواقبه أو أن يعرف قدراته وإمكاناته , فتكون عاقبة فعله الذي قد رآه صائبا , سيئة للغاية ! فمن الحكمة أن يتروى المؤمن في اتخاذ القرار، عند الإقدام على الأعمال غير المعتادة , وخصوصا تلك التي لا يعرف المرء حقيقة مردودها ، وأن يبعد نفسه عن الهوى والخلل والطيش عن الأعمال التي دافعها الحماس إلى الخير ، ولكنها مرفوضة شرعا ،أو يترتب عليها ضرر أو أذى ,
وفي الحديث الذي بدأت به هذه الخطبة ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ». قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ. قَالَ « يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ ». والحديث واضح الدلالة ،على أهمية أن يحمي المؤمنِ نفْسَه مِن كلِّ ما يكون سبباً لوقوعه في الأذى أو المهانة أو المذلة أو العجز .فليقم المؤمن بما يستطيعه من الخير ، دون أن يعرض نفسه للضرر الذي لا يطيقه هو , أو من يعول ، وليقدم المؤمن على فعل الخير الذي في طاقته وقدرته , ولا يحمل نفسه ما لا يقدر , أو مالا يمكنه معه الوفاء والأداء ، وليأمر كذلك بالمعروف ، وينه عن المنكر ، كل ذلك بحسب قدرته واستطاعته ، ويحذر أن يترتب عليه منكر مثله أو أشد ، وليقنع بما آتاه الله من دنياه ، ولا يذل نفسه بالتزلف للناس، ولا بالطأطأة لهم ،بحثا عن المنزلة ، أو طلبا للمنفعة.. وليضع المؤمن نفسه في مقامه ، حيث يعلم ، ويعمل ، ويحسن , ولا يضع نفسه حيث يجهل و يخطئ ، كما ينبغي للمؤمن أن يكون عزيز النفس, موفور الكرامة, بعيداً عن كل ما يوقعه في الذل والمهانة والحرج, حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، يستعيذُ بالله من الذلة, ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ » وثبت في البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً ، فَيَسْأَلَهُ ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ » ،وفي الصحيحين :(عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ « مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ » ،فمن استغنى بالله متوكلاً عليه, واثِقاً به, باذلاً لأسباب كفايته وعزته, أغناه الله وكفاه، ومن إِذلالِ النفس أيضا ،أن يتذلل المؤمن لأصحاب الرئاسة والمناصب, أو أصحاب الجاه والغنى, كي يصل إلى منصب أو مصلحة معينة, وأخطر من ذلك أن يرتكب ، ما يُسخط الله في سبيل الوصول إلى ذلك, من رشوة، أو شهادة كاذبة، وأُعظَمُ أسباب الذل في الدنيا والآخرة, مخالفة أَمر الرسول صلى اللهُ عليه وسلم ,فاحذر أيها المسلم من ذلك, واعلم أنه لا عزة لك ولا كرامة ولا مكانة ,إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ظاهراً وباطناً, وقد قال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63) النور ، وروى الإمام أحمد : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ »
أيها المسلمون
والمتأمل أيضا في هذا الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة ، فحين سأل الصحابة عليهم رضوان الله ، رسولهم صلى الله عليه وسلم : (قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ. قَالَ صلى الله عليه وسلم : « يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ ». فيفهم من ذلك أن لكل إنسان طاقة لا يتعداها ، وقوة تحمل لا يتجاوزها ، ومن المعلوم أن كل شيء تحمَّله فوق طاقته فإنك تخسره، أو تكاد تخسره ، والمتأمل في نصوص الشريعة الإسلامية يتبين له مراعاة الشريعة لهذا المبدأ العظيم، ومنها قول الله سبحانه- : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [ البقرة:286]، وقوله تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [ الحج:78]، وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [ البقرة:185]، وقوله تعالى : (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) [ النساء:148]، وقوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) [ النساء:129]. وفي صحيح البخاري :(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ »، وفي رواية في صحيح الترمذي : « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَلأَخَّرْتُ صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ » ، وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَوْلاَ حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ – وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا » . قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ خَلْفًا يَعْنِى بَابًا . فإنه صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يحمّل إيمان قريش الغضّ أكثر مما يحتمل، ولذلك امتنع عن ذلك العمل الذي قد يهيجهم، ويدفعهم إلى الاستنكار، ويحملهم ما لا طاقة لهم به .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، أو يَتَعَرَّض لِمَا لاَ يُطِيقُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الشريعة الإسلامية قد راعت حال المكلفين وقدرتهم على النهوض بحقوق الالتزام، ولهذا فليس في ديننا – بحمد الله- ما يشقّ اعتقاده أو يشقّ عمله. وحين يعيش المسلم في ظروف خاصة أو طارئة فإن الشريعة تلمح ذلك، وتجنح به إلى الرخصة والتيسير، وصار من القواعد الفقهية المشهورة أن الأمر (كلما ضاق اتسع). وفلسفة الرخصة في الإسلام تقوم على أن التخفيف في التكليف يساعد المسلم على أن يبقى في إطار الاستجابة لأمر الله، وفي إطار الشعور بالقيام بحقوق العبودية ،عوضاً عن الشعور بالضيق والمشقة والحرج، والسعي إلى التماس الأعذار للتقصير ،والإعراض عن أمر الله بالكلية. ومن هنا كانت رخصة قصر الصلاة وجمعها للمسافر، وجواز التيمم في ظروف معينة، وجواز الإفطار في رمضان للمريض والمسافر، ورفع القلم عن النائم والمجنون والطفل، والإعذار بالجهل في الكثير من المواطن، وعدم المؤاخذة بما لا يستطيعه المسلم من العدل بين نسائه في المحبة والأنس والاستمتاع. ولدينا العديد من النصوص التي توجه المسلم إلى ألاّ يحمَّل نفسه مالا يطيق حتى لا يقع في شكل من أشكال الخسارة التي أشرنا إليها. وهي نصوص كثيرة في الحقيقة، منها : ما رواه الشيخان من قوله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّى فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِى لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ » . فالخسارة هنا واضحة ،فإن حمل النفس على العبادة مع شدة النعاس، قد يؤدي إلى عكس المقصود، فيدعو المرء على نفسه عوضاً من الاستغفار. فحين يعرّض المسلم نفسه لابتلاءات قاسية ،فإنه يضع نفسه على حافة الخطر ،حيث لا ضمانة لصبره على ما جرّه لنفسه من البلاء، ولا ضمانة لنجاحه في الاختبار الصعب ، الذي قرر الدخول فيه. وقد رأينا الكثير الكثير من ذوي القلوب الطيبة وقد نكثوا على أعقابهم نتيجة الذل الذي صاروا إليه بسبب تحميلهم لأنفسهم ما لم يحملهم الله – تعالى- إياه، وكانت النتيجة أنهم انتهوا إلى لا شيء ، فالمثابرة إحدى الفضائل الإسلامية، وهي لا تكون أبداً إلا إذا جعلنا أنشطتنا في إطار طاقاتنا، وإلا إذا تجنبا إرهاق الأنفس ،وفي صحيح البخاري (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ « مَنْ هَذِهِ ». قَالَتْ فُلاَنَةُ. تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا . قَالَ « مَهْ ،عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَوَ اللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا » . وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ . وفي صحيح مسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ ». (قَالَهَا ثَلاَثًا)، والتنطع هو التعمق والتشدد في غير موضع تشديد. فالشريعة الغراء تدعو إلى اليسر لأنه من أهم منطلقاتها، ولأن التجربة أثبتت أن الإيغال في أي أمر يكون في الغالب على حساب أمور أخرى؛ ومن النادر أن ترى رجلاً صرف جل اهتمامه وعنايته لأمور معينة دون أن يقع في التفريط في أمور أخرى، لا تقل في أهميتها عما يبالغ في العناية به،
الدعاء