خطبة عن (الإسلام علمني)
سبتمبر 22, 2018خطبة عن حديث (لاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، أو يَتَعَرَّض لِمَا لاَ يُطِيقُ)
سبتمبر 22, 2018الخطبة الأولى عبادة التفكر:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (3) ،(4) الرعد ، وقال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (10) :(14) النحل وقال الله تعالى : (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (65) :(69) النحل
إخوة الإسلام
لقد تميز الدين الإسلامي على غيره من الأديان بأنه حث أتباعه على التفكر والتدبر والتأمل ، وذلك ليكون إيمانهم بالله إيمانا قائما على العلم واليقين ، وليس إيمانا تقليديا أو شكليا ، حيث ينشأ الأبناء على دين آبائهم ، فيصدق فيهم قول الله تعالى : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (22) الزخرف. والتفكر والتدبر في خلق الله عبادة من أجل العبادات ، ولهذا كان لعبادة التفكر والاعتبار في الإسلام أهمية عظمى، وتظهر هذه الأهمية لمن أدرك أن وسيلة التفكر هي مناط التكليف، فلا تفكُّر إلا بالعقل، ولا تكليف على من فقد عقله. وهذه العبادة العظمية تنعدم أو تقل كثيراً حينما تغلب الماديات على حياة الناس؛ فينشغلون باللهو والترف، مع أن هذه العبادة تقرب إلى الله تعالى، وتظهر حقيقة الدنيا ومتعها وزخرفها . فبعبادة التفكر والتدبر والتأمل يستدل العبد على عظمة الله بآياته الكونية، ويدرك سننه الشرعية، ويعلم حقيقة الوجود، وأهمية العمل لليوم الموعود، يقول الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191-192]. فالقرآن الكريم يزخر بالآيات القرآنية التي تحث المسلمين وغيرهم من البشر على التفكر والتدبر والتيقن من وجود الله عز وجل من خلال النظر فيما خلق الله سبحانه وتعالى من أشياء فقال تعالى :“أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (185)” الأعراف.
فالإسلام دين الفطرة، يدعو إلى التأمُّل، واستخدام العقل فيما حولنا من ملكوت السموات والأرض، ولقد دعا القرآن الكريم الناس إلى تأمُّل خَلْق السموات والأرض، والليل والنهار، والحياة والموت، ولقد استخدَم مرات كثيرة الفعل: “ينظرون” من النظرة بالعين، نحو قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20]. وفي النظر دعوة لاستعمال العين المجرَّدة في هذه الأشياء؛ لتأمُّل خَلْقها، والاستدلال على خالقها – سبحانه، ومرات كثيرة أخرى يستخدم القرآن الفعل: “يُبصرون”، وهذا الفعل وإن كان فيه معنى النظر والإبصار بالعين، إلاَّ أنَّ معنى التأمُّل فيه أكثر، فعادةً يُستخدم في الدعوة إلى استخدام البصيرة، وليس الإبصار؛ لتأمُّل ما لا يمكن أن تقعَ عليه العين المجرَّدة. فعبادة التَفَكُّرِ في خلق الله ـ عز وجل ـ عبادة من أعظم العبادات ، وبها يدخل العِباد على الله ، فيملئون قلوبهم إجلالاً وتعظيماً له ؛ وبهذه العبادة يُعرَفُ اللهُ فيُحَب ، وبها يُعرف مراد الله من الخلق ، وبهذه العبادة يرِقُّ القلب ويتصل بالخالق ـ عز وجل ـ وبها تُتركُ المعاصي ؛ لأنَّ هذه العبادة هي الباب الموصل إلى الله تبارك وتعالى .. قال ابن القيم رحمه الله : معرفة الله سبحانه وتعالى نوعان : الأول : معرفة إقرارٍ بوجوده ؛ وهذه يشترك فيها البر والفاجر ، والمطيعُ والعاصي ، فكل الناس يقولون : إن الله موجود .. وأمّا النوع الثاني : فمعرفة حياءٍ ومحبةٍ وشوق وأُنسٍ واتصالٍ ورغبةٍ وخشيةٍ وإقبال ؛ وهذه يفتح الله بها على من أراد أن يعرفه به .. فأنظر حولك ، وتأمل بديع صنع الخالق جَـلَّ وعلا .. جبالٌ شاهقة ، وبحارٌ ومحيطات ، وسماء قد مُلأت بالنجوم والكواكب الكثيرة ، وأرضٌ متنامية الأطراف قد مُلأت بالأشجار والأحجار والدواب ، وكائنات تُرى بالعين المجرَّدة وأخرى لا تُرى إلا بالمجهر ، وشيء نعلمه وأخرى لا نعلمها ،آيات عِظام تُبهِرُ العقول والأبصار .سبحان من خلق فسوى، وقدَّر فهدى .. وفي ظل هذه الآيات المنظورة يَنقلُ هذا الأعرابي ما صوَّرتهُ عدسات عينه ـ عندما سُئل ـ عن وجود الله فقال بفطرته السليمة : البَعَرَةُ تدل على البعير ،والأثر يدل على المسير ،فسماء ذات أبراج ،وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العزيز الخبير .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية عبادة التفكر:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد أمر البشر في التفكر في كل شيء تقع عليه أعينهم في هذا الكون ،إلا أنه سبحانه قد خص عددا كبيرا من الأشياء بالاسم ، لتكون مجالا للنظر والتفكر ، ومن هذه الأشياء ما جاء في قوله سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (20) ،(21) الذاريات. فهذه الآية الكريمة تَستصرخ خَلْق الله أن يُبصروا ما بداخل أنفسهم، ففيه أدلة كافية على قدرة الله ووحدانيَّته، وإذا لَم يَكفهم تأمُّل ما حولهم، فعليهم بتأمُّل أنفسهم؛ كيف يَتنفسُّون؟ وكيف تعمل قلوبهم؟ وكيف تُفكِّر عقولهم؟ وكيف يَهضمون طعامهم ؟ وكيف يُخرجون ما في بطونهم؟ وكيف تعمل أكبادهم وأمعاؤهم وكُلاَهم؟ وكيف ينامون ويستيقظون؟ وكيف يتناسلون ويحبون ويكرهون؟ فهل هذا كله مَحض صدفة؟ أم أنَّ له خالقا مُدبِّرا قادرا، قد أحسَن الصُّنع ،وأحكَم الخَلق، وبذلك يكون جديرًا بالتوحيد والشكر والحمد؟!(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) : قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق وليِّنت مفاصله للعبادة . ففي تركيب جسم الإنسان وغيره من أجسام الكائنات الحية من التعقيد وحسن التصميم ما ينفي نفيا قاطعا ما يدعيه الملحدون من أن هذه الأجسام قد صنعت بالصدفة ،بل على العكس من ذلك ،فإن تصنيعها يحتاج لصانع لا حدود لعلمه وقدرته. لقد أكد الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة من سورة الذاريات على أنه يوجد في جسم الإنسان وبالطبع في بقية أجسام الكائنات الحية آيات أي معجزات باهرة ،يمكن أن يستدل عليها أي إنسان عاقل مهما بلغت درجة علمه، على وجود الخالق ، وقدرته ، وجميل صنعه . ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]. فمعرفة الإنسان لنفسه، والنظر بما تنطوي عليه ذاته من العوالم والأسرار مما تدعو إلى حتمية الإيمان بالله، أليست أطواره في الرحم آية من آيات الله؟!أليس نظام طعامه وشرابه، وتحليل الطعام إلى عناصر مختلفة بموازين يذهب كل عنصر إلى حيث يؤدي وظيفته عدا العنصر الذي لا يفيد، فيطرد إلى الخارج؟ أليس هذا كله آية من آياته؟ أليس نظام توزيع الدم من مكانه الرئيسي وهو القلب إلى جميع أنحاء الجسم بواسطة الشرايين التي لا يحصي عددها إلا الله، ثم عودته إلى القلب بواسطة الدورة الدموية، ومرور الهواء الذي جلبه التنفس ليصلح الدم بعد الفساد، ويفيد منه الجسم؟ أليس ذلك آية من آياته؟ تفكر وتأمل وتدبر في سمع الإنسان، وبصره، ونطقه، وإحساسه، وما يعرض له من ذكر ونسيان، وحزن وسرور، وعلم وجهل، فإنها آيات كبرى على وجود الخالق..”. إن الأجهزة الدقيقة في جسم الإنسان التي لم يصل العلم الحديث بما يملك من وسائل الأجهزة والمعدات والمختبرات إلى معرفة الشيء اليسير منها كل ذلك يدل على عظمة الصانع وقدرته سبحانه وتعالى .
الدعاء