خطبة عن (السنة من مصادر التشريع في الاسلام)
سبتمبر 29, 2018خطبة عن (من أخلاق المسلم: (مراقبة الله)
سبتمبر 29, 2018الخطبة الأولى ( البركة : معناها ، وأسبابها ، وموانعها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ الأعراف: 96، وقال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16].
إخوة الإسلام
قال الفخر الرازي: بيَّن الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات من بركات السماء بالمطر، وبركات الأرض بالنبات والثمار، وكثرة المواشي والأنعام وحصول الأمن والسلامة ، فالبركة هي: النماء والزيادة في كل خير . ومن المعلوم أن البركة ليست قاصرة على المال وحده ، وإنما هناك البركة في الوقت ، والبركة في الجهد ، والبركة في العلم ، والبركة في الأولاد ، والبركة في العلاقات والبركة في العمر ، وإلى غير ذلك ..، وروي عن ابن عباس: أنه قال في البَرَكة: أنها الكثرة في كل خير، فالبركة في المال زيادته وكثرته، وفي الدار فساحتها وسكينتها وهدوؤها، وفي الطعام وفرته وحسنه، وفي العيال كثرتهم وحسن أخلاقهم، وفي الأسرة انسجامها وتفاهمها، وفي الوقت اتساع وقضاء الحوائج فيه، وفي الصحة تمامها وكمالها، وفي العمر طوله وحسن العمل فيه، وفي العلم اتساعه وفائدته ومنفعته.. فالبركة هي جوامع الخير، وكثرة النعم، وليست العبرة في ذلك بما تملك من كثرة ومن طاقات وقُدرات ، وإنما القليل من كل ذلك مع بركة الله ترى في نفسك ومحيطك الأعاجيب، وإذا سلبت البركة من كل ذلك ،تبخر كل ذلك ،أو جله ،من غير أن تجد له أثرا حسنا فيك ، وفيمن حولك،
ومما ينبغي التسليم به بداية : هو أن البركة ملك لله تعالى ،شأنها شأن الرزق ،والهداية ، ونحو ذلك ،يمنحها ويسلبها وفق مشيئته وإرادته، ولا يمنع ذلك أن يكون لها أسبابها وسننها، فقد جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال:رأيْتُني مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقدْ حَضَرَتِ العَصْرُ، وليس معَنا ماءٌ غيرَ فَضلَةٍ، فجُعِلَ في إناءٍ فأُتيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهِ، فأدْخَلَ يدَهُ فيه وفَرَّجَ أصابِعَهُ، ثم قال : (حيَّ علَى أهلِ الوضوءِ، البَرَكَةُ مِن اللَّهِ ) . فلقدْ رأيتُ الماءَ يَتَفَجَّرُ مِن بينِ أصابعِهِ، فتَوَضَّأ الناسُ وشَرِبوا، فجَعَلْتُ لا آلُو ما جَعَلتُ في بطْني منه، فعَلِمتُ أنَّه بَرَكَةٌ . قلتُ لجابرٍ :كَم كُنتُم يومَئِذٍ ؟ قال : ألْفًا وأربَعمِائةٍ .” ، فالبركة نعمةٌ من نِعَم الوهاب، ونفحة من الواسع العليم، والكيِّس الفطِنُ هو الذي يلتمسها من المولى الكريم، ويدخل بالْتماسه على ربه من الأبواب التي رضِيها وشرَعها، فالبركة كلها لله تعالى ومنه، وهو المبارِك جل وعز ،بيده الخير كله ،والبركة كلها له، وهو سبحانه يختص بعض خلقه بما يشاء من الخير والفضل والبركة كالرسل والأنبياء والملائكة وبعض الصالحين. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (33)آل عمران. وقال تعالى عن عيسى عليه السلام: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (30) ،(31) مريم. وعلى رأس المباركين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،فإنه سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع ،وأول مشفع ،وله عليه الصلاة والسلام فضائل عظيمة ،ومزايا كريمة ،أنعم الله تعالى عليه بها ،فزادته شرفاً وفضلاً وبركة. ومن أعظم بركاته عليه الصلاة والسلام هذا الدين الذي بعث به ،فمن قبله سعد في الدنيا والآخرة ،ومن ردّه خسر الدنيا والآخرة ،قال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الانبياء(107) ” وما النكد والشقاء والضنك إلا بالبعد عن هديه ورسالته. فقد كان عليه الصلاة والسلام مباركا في أموره كلها حتى الحسية منها: من تكثيره الطعام ،ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة وإبراؤه المرضى ودر اللبن وبركته في إجابة الله تعالى لدعائه صلوات ربي وسلامه عليه. وغيرها من البركات المعنوية العظيمة.
وهناك أيضا الصالحون المباركون من البشر، الذين هم أولياء الله عز وجل،فهؤلاء أيضاً بركة على أنفسهم وعلى غيرهم، وفي مقدمة هؤلاء العلماء والدعاة وطلاب العلم والعاملون المخلصون ،هؤلاء هم صفوة المجتمع أو كذلك ينبغي أن يكونوا، فهم مستقيمون في عامة أحوالهم وهم مطيعون لربهم،أخلاقهم حسنة، نفوسهم طيبة، أو كذلك ينبغي أن يكونوا، فهم بركة بما يبثون من الخير بين الناس، وبما يأمرون به من معروف وما ينهون عنه من منكر وما ينشرونه من علم نافع ونصيحة بين الأنام وكل هذا بركة على الناس، ومن بركتهم الدعاء للناس، يقول ابن القيم: “النافع هو المبارك ،وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي يُنتفع به حيث حل“. وقد فضل الله بعض الأماكن على بعض وبارك فيها كمكة والمدينة والمسجد الأقصى والشام واليمن، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري “اللهم اجعلْ بالمدينةِ ضِعفَي ما جعَلْتَ بمكةَ من البرَكةِ” وقال تعالى في شأن الشام التي هاجر إليها إبراهيم ولوط عليهما السلام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (71)الأنبياء. وقال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : « اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَأْمِنَا ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى يَمَنِنَا » وفضل الله بعض الأزمنة على بعض وبارك فيها ،كشهر رمضان وليلة القدر وعشر ذي الحجة ويوم الجمعة، ويوم العيد ففي صحيح البخاري عن أم عطية نسيبة الأنصارية قالت: “كنا نُؤمَرُ أن نَخرُجَ يومَ العيدِ، حتى نُخرِجَ البِكرَ من خِدرِها، حتى تَخرُجَ الحُيَّضُ، فيكُنَّ خلفَ الناسِ، فيكَبِّرْنَ بتكبيرِهم، ويَدعونَ بدعائِهم، يَرجونَ بركةَ ذلك اليومِ وطُهرَتَه .” ، ومن الأوقات المباركة وقت البكور، ففي الترمذي وصححه الألباني ( عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِى فِى بُكُورِهَا ». قَالَ وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ ) ، وجعل الله البركة في أشياء كالمطر، قال تعالى: ” وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (9) ق. ومن ذلك: شجرة الزيتون قال تعالى: (يوقد من شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ) 35 النور. وأيضاً: الجهاد والخيل، ففي صحيح البخاري : (عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ : الأجرُ والمغنمُ .” فالبركة في الخيل لارتباطها بالجهاد في سبيل الله. وأيضاً النخل فقد البخاري : (قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ » . فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِى النَّخْلَةَ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ ، فَقَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « هِىَ النَّخْلَةُ » ، وروى الترمذي أن :(النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ ..) ، ومن ذلك ماء زمزم فهذه العين، عين مباركة، قال فيها عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : « إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ». وفي السحور بركة، ففي صحيحين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِى السُّحُورِ بَرَكَةً ». وفي السلسلة الصحيحة ومسند أحمد : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّخِذُوا الْغَنَمَ فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً »
أيها المسلمون
والمسلم – وبخاصة في هذا الزمن- لفي أمس الحاجة إلى نيل البركات؛ ليصلَ إلى ما يريد من خيرَي الدنيا والآخرة من أقصر الطُّرق وأقربها ، ولكن لحصول البركة أسبابا شرعية ، فمن أسباب البركة : أولا : تقوى الله -عز وجل- والتوكل عليه: يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ الطلاق: 2، 3 ، ثانيا : الاستغفار مع ترك الإصرار فإن البركات التي أودعها الله -عز وجل- في هذه الأرض، والتي بثَّها في وحيه المعصوم، وشريعتِه المحكَمة – لَتُحجب عن الإنسان بذنوبه ومعاصيه؛ فإذا به يسعى ولا بركة في سعيه، ويجمع ولا بقاء ولا قرار لِما يجمعه، فإذا ما ثاب إلى رشده، وآب إلى ربِّه، ولهج لسانُه بالاستغفار؛ فإن هذا الاستغفارَ الحارَّ يمزِّق الحجب، ويحرق الأستار، التي كانت تَحول بين العبد وما ساق اللهُ له من البركات، فإذا بالخير يتدفَّق من كل جانب، وينحدر من كل صوب، على هذا النحو الذي صوَّره القرآن، قال -تعالى-: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12]، ثالثا : الدعاء بالبركة: فمما لا شك فيه أن الدعاءَ هو أقرب الأسباب لنيل ما عند المولى -عز وجل- من الخير، فمن دعا اللهَ -تعالى- بالبركة فاستجاب الله دعاءه، فإنه يحصِّل البركةَ من أقرب طُرقها؛ رابعا : سلوك السبيل السويِّ في الكسْب والاسترباح وطلب الرزق الحلال، والتعفف عن الحرام وعن الشبهات :فإذا كان المسلم ينشُد البركة في رزقه، وفي صحته، وفي ولده، فعليه بتحري الحلال في التكسب، والترفُّع عن كل ما لا يحل له من المال والمتاع، وعليه بالصِّدق والأمانة والعفة والصيانة، وألا ينغمسَ في الربا أو الغش أو ما شابه ذلك من المحرمات التي فيها أكلٌ لأموال الناس بالباطل؛ فإنه إن سار على منهج الله، فإن البركةَ ستحُلُّ في كسبه ورزقه وحياته كلها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( البركة وأسبابها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
خامسا : ومن أسباب حصول البركة واستجلابها : البر والصلة وحسن المعاملة مع الخَلْق: ففي الصحيحين 🙁 قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ». وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “إن حُسْنَ الخُلق، وحسن الجوار، وصلة الرحم – تعمُر الدارَ، وتَزيد في الأعمار” ، سادسا : حسن تنظيم الوقت والمبادرة إلى اغتنامه: فالوقت هو رأس مال المسلم، ومسؤولياتُه في هذه الحياة تضيق بها الأوقات، وتفنى فيها الأعمار؛ لذلك كانت المبادرةُ إلى اغتنام الوقت وحُسن تنظيمه واجبًا من الواجبات الكبار؛ لأن واجباتِ المسلم لا تتمُّ إلا بهذا، وما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب، وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمَّته بالبركة في بكورها؛ روى الترمذي وصححه الألباني ( عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِى فِى بُكُورِهَا ». سابعا : الجود والكرم والتكافل :يقول الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِى الاِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِى الأَرْبَعَةَ ». وفي مسند أحمد وغيره (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّا نَأْكُلُ وَمَا نَشْبَعُ. قَالَ « فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُفْتَرِقِينَ اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُروا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ ». ثامنا : الجهاد في سبيل الله: ففي الصحيحين (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « الْخَيْلُ فِى نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » ، فالجهاد خيرٌ وبركة على هذه الأمَّة إلى يوم القيامة، فيه الأجر الكبير والثواب الجزيل، وفيه الرِّزق الواسع الشريف الذي هو أشرفُ الأرزاق، والذي هو رزق أشرفِ الخلق محمَّد -صلى الله عليه وسلم، كما في مسند أحمد: (وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى) ، وفي الجهاد -إلى جانب ذلك- قيامُ الدين، وتحقيقُ مصالح العباد في الدارين.
أيها المسلمون
وأما عن موانع البركة، فمنها : حب الدنيا وكراهية الموت،فالأمة اليوم كثيرة ولكن كثرة لا بركة فيها، وصدَق فينا قول المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا فقال قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فقال قَائِلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ وما الْوَهْنُ قال: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) ، ومن موانع البركة : كثرة المعاصي،فللمَعصيةِ كبير الأثر في مَحقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل؛ يقولُ النبي – صلى الله عليه وسلم -: (وإن العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبه)؛ رواه الحاكم وصححه. ومن موانع البركة : الغش والخداع،ما أكثر الغش والخداع في حياتنا، فكثير من الناس في البيع والشراء يلجأ إلى الحلف كذبًا؛ حتي يبيع السلعة، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الشيخان: (الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلبركة). ومن موانع البركة : التعامل بالربا،وما أكثر من يتعالم بالربا في حياتنا، ويَحسَب أن فيها زيادة للمال، لكنها زيادة ظاهرية لا بركة فيها، اقرؤا معي إن شئتم قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]، وقال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ البقرة: 276 .
أيها المسلمون
وخلاصة الأمر أن البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وأن المحْقَ هو النقصُ والاستئصال والمحو والإبطال، ونحن -المسلمين – نعتقد أن البركة والمحق يكونان بحكمة الله عز وجل وتقديره، فلا شك أن أساس البركة الإيمان، وأن أساس المحق ونزع البركة العصيان ، فالبركة في المال من الله عز وجل، وإذا نُزعت البركةُ ومحقت الأموالُ، فإن ذلك من الله عز وجل.
الدعاء