خطبة عن قوله تعالى (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا)
يونيو 30, 2018خطبة عن حديث :(تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ)
يونيو 30, 2018الخطبة الأولى: وقفات مع حديث (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه ( أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الشريف ، يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم حال الناس بقوله : « إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً » وهذا الحديث يحمل بين طياته معان كثيرة ، وحكما وفوائد جليلة ، ومن هذه المعاني : لَا تَجِدُ فِي مِائَةِ إِبِلٍ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، لِأَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَطِيئًا سَهْلَ الِانْقِيَادِ، وَكَذَا لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ، بِأَنْ يُعَاوِنَ رَفِيقَهُ وَيُلِينَ جَانِبَهُ .وقَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ سَوَاءٌ ، لا فضل فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى مَشْرُوفٍ، وَلَا لِرَفِيعٍ عَلَى وَضِيعٍ، كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا رَاحِلَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُرْحَلُ لِتُرْكَبَ، وَالرَّاحِلَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيْ كُلُّهَا حَمُولَةٌ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَصْلُحُ لِلرَّحْلِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا . وَالثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الاعراف (187) ،وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمَعْنَى: أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا ، الْكَامِلَ فِيهِ ، الرَّاغِبَ فِي الْآخِرَةِ : قَلِيلٌ ؛ كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَعْنَى: إِنَّ الْمَرْضِيَّ الْأَحْوَالِ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلَ الْأَوْصَافِ قَلِيلٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ: أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، وَالْحَمَالَاتِ عَنْهُمْ ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ : عَزِيزُ الْوُجُودِ ، كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة . وقالَ الإمامُ ابن قيِّم الجوزيَّة ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ ـ: «والمقصود أنَّ طريق الحقِّ واحدٌ: إذْ مردَّه إلى الله الملك الحقِّ، وطُرق الباطل مُتشعِّبة مُتعدِّدة، فإنَّها لا ترجع إلىٰ شيءٍ موجود، ولا غاية لها يوصَّل إليها، بل هي بمنزلة بُنيَّات الطَّريق، وطريقُ الحقِّ بمنزلة الطَّريق الموصَّل إلى المقصود، فهي وإنْ تنوَّعت فأصلها طريقٌ واحدٌ » . «بدائع الفوائد»
أيها المسلمون
ورُوي أن سهلًا التستري خرج مِن مسجدٍ، ورأى خلقًا كثيرًا في داخله وخارجه، فقال: أهل لا إله إلا الله كثير، والمخلصون “العاملون” منهم قليل، وقد نبه الله سبحانه- على هذا المعنى في آياتٍ، منها: قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ:13)، ومنها قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) (ص:24)، وهكذا يصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم حال الناس في الفضل والكمال والاتصاف بالصفات الحسنة، فيبين صلى الله عليه وسلم أن أكثر الناس أهل نقص، وأكثر الناس فيهم قصور، ومعظم الناس لا يحوزون الفضل والسبق فيما يتصفون به من صفات ،وما يقومون به من أعمال، وأن أهل الفضل عددهم قليل جدًا، فاسأل نفسك أخي وأختي : هل أنت هذه الراحلة من بين المائة من الناس؟ فكم من المسلمين اليوم قام بحق لا إله إلا الله؟، هذه الكلمة التي يقولها المسلم في يومه وليلته عدة مرات، وكم من المسلمين اليوم الذين نقضوا هذه الكلمة بأفعال شركية تناقض أصل هذه الكلمة ،وتنقضها من أصلها، فلا يبقى لها أثر ،إلا تمتمات وهمهمات ،تخرج من بين الشفاه لا تفيد صاحبها شيئًا، وقد اجتثت من أصلها بدعاء أموات لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، وطواف حول قبور أناس يزعمونهم من الأولياء، ولو كانوا كذلك أيضًا لم يجز الطواف حول قبورهم ،وذبح القرابين لهم ،ووضع النذور لهم، وغير ذلك من مظاهر الشرك التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين. وانظر إلى حال السنة اليوم كيف ذُبحت وهُجرت، وحلّ محلها كثير من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا حجة لأصحابها إلا أنهم وجدوا من قبلهم يفعلها، ففعلوا مثلهم، فالناس اليوم في تطبيق السنة كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، أقوام قد ألفوا البدع وتربوا عليها، وإذا أنكر عليهم منكر ونصحهم ناصح أبغضوه، وبأنواع التهم رموه، كل ذلك لأنه خالفهم فيما ألفوه، يرون البدعة سنة والسنة بدعة، قائدهم الهوى ودليلهم على غير هدى، يحبون من وافقهم على ما هم فيه ولو كان فيه ما فيه، ويبغضون من خالفهم وأنكر عليهم ولو كان إمامًا من الأئمة. ثم تأملوا حال كثير من المسلمين اليوم في أخوّتهم ومودّتهم وصداقتهم بعضهم لبعض، تجدهم في صدق الأخوة كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، فكم من إنسان نزلت به نازلة ،وحلت به ضائقة ،فإذا فكر وفكر فيمن يُنْزِلُ به هذه الضائقة من إخوانه ،ليكون له عونًا وسندًا بعد الله ،ويعينه على فك ضائقته ،لم يجد أحدًا من إخوانه يفكها له ، على كثرتهم ،وسعة ما بسط لهم في رزقهم. فأين الأخ الصديق الذي لا يبخل على أخيه بشيء؟! مثل هذا لا يكاد أن يكون موجودًا اليوم فلا يهم الكثير منا إلا نفسه، ويقدم مصلحته على كل أحد، وليس مستعدًا أن يضحي بشيء من حطام الدنيا ولو من أجل أخيه الشقيق، فكيف بإنسان بعيد لا تربطه به إلا أخوة الإسلام؟ ، وتأملوا أيضًا حال المصلين اليوم على ضوء هذا الحديث، تجدهم كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، فكم عدد المحافظين على الصلوات الخمس في المساجد كما أمر الله من بين هذا العدد الهائل الذين ينتسبون إلى الإسلام؟ ،وكم عدد الذين يخشعون في صلاتهم من بين أولئك الذين يصلون الصلاة ؟ إنك في نهاية الأمر قد تخرج من المجموع الكلي للمسلمين بما قاله عليه الصلاة والسلام: « إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً »
ولو تأملنا حال الناس مع الخلق الإسلامي الرفيع الذي أمرنا به ديننا وحثنا عليه تحت ضوء هذا الحديث لوجدنا الناس حقًا كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. فالصدق والأمانة والرحمة والوفاء بالوعد وحفظ العهد وغيرها من الأخلاق التي هي من صميم هذا الدين، تبحث عن هذه الصفات فيمن حولك من الناس فتكاد لا تجد راحلة. وتأمل كذلك في حال الناس مع صلة الرحم، تجدهم كما أخبر كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. فيا لله، كم تشتكي الرحم اليوم إلى ربها من القطيعة والهجر، وكم بكت أعين آباء وأمهات من عقوق أبنائهم وقطعهم لبرهم لهم ،وإذا انتقلت إلى جانب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل للدين وبذل الجهد لإنقاذ الأمة مما تعانيه اليوم والتضحية بكل ما يملك الإنسان لإعزاز دين الله في الأرض فيتضح لك فعلاً : « إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولنا أيضا مع هذا الحديث النبوي وقفات لنستلهم الدروس والعبر : الوقفة الأولى: أنه على الدعاة والمربين ،والآباء والمعلمين ، الاعتناء بالعناصر الفاعلة المتميزة؛ إذ هم قليل في الناس، وعزيز وجودهم، فمثلا : ليس كل إنسان مهيأ للقيادة! بل إن القادة أقلية! فالأهم هو تحديد المسار المناسب للقدرات، فهناك المستشار، والمخطط، والمنفذ، والمحاسب، والمفكر، والواعظ، فقد وزع الله القدرات، وليس العيب ألا تكون قائدًا بل العيب ألا تعرف مكانك المناسب! وأن يدرك الجميع أيضا : أن ميدان القول غير ميدان العمل؛ فقد يسهل على الكثيرين أن يقولوا ويتكلموا، ولكن قليلٌ مِن هذا الكثير يستطيع أن يعمل، وقليلٌ ممَن يعمل يثبت عند العمل، ويقدر على تحمل الأعباء والمضي قُدُمًا نحو البذل والعطاء، وهؤلاء الرجال هم الصفوة الذين تقوم على أكتافهم الدعوات، وتتحقق مِن خلالهم الأهداف والغايات، ويُرتحل إليهم عند الشدائد والملمات؛ فهم الرواحل الذين يثبتون عند المحن، فتراهم وقد حاصرتهم الهموم وجذبتهم المنون، ولا هَمَّ لهم إلا نصرة دين الله وإعلاء كلمة الله -تعالى-. الوقفة الثانية: حين يدرك الداعية والمربي هذا المعنى، يدعوه ذلك لأن يكون واقعياً في ما يطلبه من الناس وينتظره منهم، فالناس لن يكونوا كلهم رواحل، ولا يسوغ أن نرسم صورة مثالية وننتظر من الناس جميعاً أن يصلوا إليها. الوقفة الثالثة: حين نرى صورة واقعية من أحد من الناس، فلا يسوغ أن نتخذها نموذجاً نقارن الآخرين به، وننتظر منهم أن يصلوا إلى ما يصل إليه، فمن الصور الشائعة في ذلك ما يصنعه بعض الآباء مع أبنائه، أو بعض المعلمين مع طلابه حين يعجب بأحدهم فينتظر من الآخرين أن يكونوا مثله، وأن يصلوا إلى ما وصل إليه. الوقفة الرابعة: ليس معيار الاختلاف بين الناس قاصراً على القدرات العقلية والذهنية وحدها، فهم يتفاوتون في تحملهم للأعباء، وفي جديتهم، وفي تضخيمهم للمخاطر، وفي قدراتهم النفسية…..إلخ هذه العوامل، وهي كلها مما لابد من أخذه في الاعتبار. ويُستفاد من هذا الحديث أيضا : – الدَّعوة إلى اختيار الصُّحبة الصالحة. – وألا تغترَّ بالكثرة من النَّاس إذا كانت على باطلٍ. – والحثُّ على مخالطة النَّاس والصبر على أذاهم. – والدعوة إلى الإصلاح إذا عَمَّ الفسادُ وكثُر.
الدعاء