خطبة عن حديث (ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ)
يونيو 30, 2018خطبة عن حديث (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ)
يونيو 30, 2018الخطبة الأولى ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس (12) ، وقال تعالى : (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) 22،23 يونس ، وقال تعالى : {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:67]. وقال تعالى : {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:49]. وقال تعالى : {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت:51].
إخوة الإسلام
يخبرنا الله تعالى في الآيات السابقة عن طبيعة الإنسان وضجره وقلقه ، فهو إذا مسه الضر ، أو وقعت به الشدة ، قلق لها وجزع منها ، (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) [ فصلت : 51 ] أي : كثير ، فطبيعة الانسان ،أنه يكثر الدعاء عند الضر والشدائد ، فيدعو الله في كشفها وزوالها عنه في حال اضطجاعه ،وقعوده وقيامه ، وفي جميع أحواله ، فإذا فرج الله شدته وكشف كربته ، أعرض ونأى بجانبه ، وذهب يزاول كفره وفساده وجحوده ، وكأنه ما كان به من ذاك شيء ، (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ) ، فالقرآن الكريم يكشف لنا عن الطبيعة البشرية الغالبة ، محذرًا من جحود النعم ،وكفرانها ، فالجحود والنكران سبيل النقمة ،وزوال النعم في الدنيا ، والتعرض لسخط الله (عز وجل) في الدنيا والآخرة. أما شكر النعم ،فهو سبيل زيادتها في الدنيا ، وطريق رضوان الله (عز وجل) في الدنيا والآخرة ، حيث يقول الحق سبحانه : ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” (الرعد : 7) .وليتذكر الإنسان دائمًا أنه مراقب ممن لا تأخذه سنة ولا نوم ، وأنه سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى .أيها المسلمون
قال الآلوسي في تفسيره : «وفي الآيات ذم لمن يترك الدعاء في الرخاء، ويهرع إليه في الشدة، واللائق بحال العاقل : التضرع إلى مولاه في السراء والضراء، فإن ذلك أرجى للإجابة، وفي مسند أحمد وغيره ، يقول صلى الله عليه وسلم : « احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ) ، كما تصور الآيات الطبيعة البشرية التي تنسى، وتغفل، ولكنهم عندما يتعرضون للمخاطر المحققة ،يتذكرون بفطرتهم خالقهم الحق ، ويدعون ربهم مخلصين له الدعاء ، فالذين اضطربت بهم السفن، وتلاطمت بهم الأمواج ، عندها يخلصون لله بالدعاء، قال تعالى :(وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ) ، ففي تلك اللحظات الفارقة ، لا سبيل للكذب والنفاق ، ولا سبيل للخداع والمجاملات ، فلا يدعو في تلك اللحظات إلا الله، فلا ولي، ولا ميت، ولا صنم، ولا بشر، (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ) الإسراء67. وقال تعالى :(وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) لقمان32. فيا أيها الإنسان ، كما عرفت الله في شدتك، فإذن تعرف إلى الله في الرخاء ،يعرفك في الشدة، وإذا أردت أن يستجيب الله لك في الشدة ،فادعه في الرخاء، فلا تقتصر بدعائك على نزول المكروه، وعلى وقت نزول الضر، وعلى وقت نزول المرض ،أو الفقر ،أو الحاجة ،أو الخوف، ولكن ادعه في حال الأمن، ادعه في حال الصحة، ادعه في حال الغنى ، حتى يستجيب لك إذا دعوته في حال الفقر ،والمرض، والخوف. والتعرف على الله يكون من خلال دعائه، وقضاء فرائضه، وأداء النوافل، ففي الحديث القدسي الذي يرويه البخاري : يقول الله (وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ،..) ، فما دام العبد مع الله في كل وقت ،فالله لا يخذله ،ولا يتخلى عنه في وقت الشدة، ويحفظه في وقت الرخاء، وهكذا، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ ». وفي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». فالواجِبُ على الإنسانِ المسلم العاقِلِ أن يكونَ صابِرًا عند نزولِ البَلاءِ، شاكِرًا عند الفَوزِ بالنَّعماءِ، ومِن شَأنِه أن يكونَ كَثيرَ الدُّعاءِ والتضَرُّعِ في أوقاتِ الرَّاحةِ والرَّفاهيةِ؛ حتى يكونَ مُجابَ الدَّعوةِ في وقتِ المِحنةِ
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والتضرع والخشوع والتذلل لله، والرغبة والرهبة، هذه هي روح الدعاء، فالله سبحانه وتعالى يحب من عبده إذا دعاه أن يتضرع إليه، ويتملق له، ويتذلل، ويقرع بابه، ويديم القرع، ولا يحب الله من يسأل سؤال غافل لاهٍ بلا تضرع، ولا إقبال، قال عز وجل: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف55. ومن العدوان كما قال شيخ الإسلام: “أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء هذا كالمستغني المدل على ربه، وهذا من أعظم الاعتداء؛ لمنافاته لدعاء الذليل، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتدٍ، ومن علامات التضرع أن يرفع يديه، فرفع اليدين علامة الفقر والطلب، ولذلك كانت السنة أن يجمع يديه، فيرفع يديه كالذي يطلب شيئاً، يمدهما فيلصقهما، ويبسطهما، كالذي يطلب شيئاً من آخر، وكذلك العبد إذا دعا ربه، يدعو ربه هكذا، وهي من علامات الافتقار إلى الله عز وجل، وما أجمل قول من قال : فالله يغضب إن تركت سؤاله *** وبُني آدم حين يُسأل يغضب فالله تبارك وتعالى كلما ألححت عليه كلما أحبك، وكلما أكثرت سؤاله كلما قربك، وكلما كررت الدعاء كنت أحرى بإجابته، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ».
الدعاء