خطبة عن (الإسلام يعلمني)
أكتوبر 13, 2018خطبة عن (تدبر القرآن والعمل به)
أكتوبر 13, 2018الخطبة الأولى ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (30) الانسان ،وقال الله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (27) :(29) التكوير
إخوة الإسلام
للعلماء والمفسرين أقوال في قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )، فقد جاء في الوسيط لطنطاوي : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) : أي : وما تشاءون الاستقامة أو غيرها ، إلا إذا شاءها وأرادها الله – تعالى – رب العالمين ، إذ مشيئة الله – تعالى – هي النافذة ، أما مشيئتكم فلا وزن لها إلا إذا أذنت بها مشيئته – تعالى – ، فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن كل مشيئة لا قيمة لها ولا وزن إلا إذا أيدتها مشيئة الله – عز وجل – . وقال السعدى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (29) التكوير، أي: فمشيئته نافذة، لا يمكن أن تعارض أو تمانع ، وقال البغوي : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (29) التكوير، أي أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه ،وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله، وفيه إعلام أن أحداً لا يعمل خيراً إلا بتوفيق الله ولا شراً إلا بخذلانه. وقال ابن كثير : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (29) التكوير، أي :ليست المشيئة موكولة إليكم ،فمن شاء اهتدى ،ومن شاء ضل ،بل ذلك كله تابع لمشيئة الله عز وجل رب العالمين. وقال سفيان الثوري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى لما نزلت هذه الآية : (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) التكوير (28) ، قال أبو جهل :الأمر إلينا ،إن شئنا استقمنا ،وإن شئنا لم نستقم ،فأنزل الله : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (29) التكوير. وقال القرطبي : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (29) التكوير ، بين الله بهذا أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله ، ولا شرا إلا بخذلانه . وقال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها .
أيها المسلمون
وقال العلماء : إن قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله} : لا يدل على أن العبد ليس بفاعل لفعله الاختياري، ولا أنه ليس بقادر عليه، ولا أنه ليس بمريد، بل يدل على أنه لا يشاؤه إلا أن يشاء الله، وهذه الآية رد على طائفتين: المجبرة الجهمية ، والمعتزلة القدرية. فإنه تعالى قال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} فأثبت للعبد مشيئة وفعلا، ثم قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) التكوير ،فبين أن مشيئة العبد معلقة بمشيئة الله. فالأولى رد على الجبرية، وهذه رد على القدرية، فالعَبْدَ لاَ يَخْرُجُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ عَنْ مَشِيئَةِ اللهِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا يَجِدُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَشِيئَةً يَجِدُهَا كَذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُهُ مِنْ أَفْعَالِهِ كَانَ بِهِمَا مُكَلَّفًا، ثُمَّ هُوَ لاَ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ مَشِيئَةِ اللهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (29) التكوير ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ الانعام 111، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ الانعام 112، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ يونس 99، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف 29. فالمراد بالآية : وما تشاؤون بعد أن أمرتم بالفعل أن تفعلوه ،إلا أن يشاء الله، فإنه تعالى ذكر الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، ثم قال الله تعالى بعد ذلك: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله} الانسان 29، 30، فقوله تعالى : {وَمَا تَشَاءُونَ} نفي لمشيئتهم في المستقبل. وكذلك قوله {إلاَّ أّن يّشّاءّ اللَّه} تعليق لها بمشيئة الرب في المستقبل، وأيضا، فقوله تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله} ،سيق لبيان مدح الرب والثناء عليه ببيان قدرته، وبيان حاجة العباد إليه ، وفي قوله تعالى : {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (28) التكوير: فيها إفصاح عن شرف أهل الاستقامة بكونهم بمحل العناية من ربّهم إذا شاء لهم الاستقامة وهيأهم لها ، وهذه العناية معنى عظيم تحير أهل العلم في الكشف عنه ، فمنهم من تطوح به إلى الجبر ومنهم من ارتمى في وهدة القدر ، ومنهم من اعتدل فجزم بقوة للعباد حادثة يكون بها اختيارهم لسلوك الخير أو الشر
أيها المسلمون
ومذهب أهل السنَّة والجماعة في أفعال العباد، حيث يرَوْنَ أنها جميعَها -طاعاتٍ أو معاصيَ- مخلوقةٌ لله تعالى، ومقدَّرةٌ على العباد، ومَقْضيَّةٌ عليهم قبل وقوعها منهم، وعلى هذا دَرَج أعلامُ الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وغيرهم مِن الأئمَّة الأخيار. وليس معنى ذلك أنَّ العبد مسلوب الإرادة والمشيئة، بل يعتقدون أنَّ فِعْلَ العبد فعلُه حقيقةً لا مجازًا، وله قدرةٌ ومشيئةٌ على فعله باختياره، وأعمالُه كسبٌ له يجازى على حَسَنِها ويعاقَب على سيِّئها، فما قام به العبد فهو فعلُه وكسبُه وحركاته وسكناته، والذي قام بالله تعالى علمُه وقدرته ومشيئته وتكوينه، فالفعل فعلُ العبد، وهو مخلوقٌ مفعولٌ للربِّ عزَّ وجلَّ، لكنَّ مشيئة العبد غيرُ مُطْلَقةٍ، بل هي مقيَّدةٌ بمشيئة الله تعالى وتابعةٌ لها، فلا يخرج شيءٌ عن مشيئة الله وإرادته النافذة، قال الطحاويُّ -رحمه الله- في «العقيدة الطحاوية» : «وكلُّ شيءٍ يجري بتقديره ومشيئتِه، ومشيئتُه تنفذ، لا مشيئةَ للعباد إلاَّ ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن » ، وقال في موضعٍ آخر : «وكلُّ شيءٍ يجري بمشيئة الله تعالى وعلمِه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئاتِ كلَّها، وعكست إرادتُه الإراداتِ كلَّها، وغلب قضاؤه الحيلَ كلَّها، يفعل ما يشاء، وهو غير ظالمٍ أبدًا، ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] ، وقال ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى»: «وممَّا ينبغي أن يُعلم أنَّ مذهب سلف الأمَّة -مع قولهم: الله خالق كلِّ شيءٍ وربُّه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنه هو الذي خَلَق العبدَ هلوعًا، إذا مسَّه الشرُّ جزوعًا، وإذا مسَّه الخير منوعًا، ونحو ذلك- أنَّ العبد فاعلٌ حقيقةً، وله مشيئةٌ وقدرةٌ، قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨-٢٩]، وقال تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً. وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [الإنسان: ٢٩-٣٠]، وقال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدَّثِّر: ٥٤-٥٦] . وعليه، فليس كلُّ مَن أراد عملاً صالحًا أو نافعًا يوفَّق له، ولا مَن أراد عملاً سيِّئًا أو ضارًّا يُمكَّن منه، فاختيارُه غيرُ خارجٍ عن مشيئة الله وقدرته النافذة، قال تعالى لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ﴾ [الأعراف: ١٨٨]، فنَفَتِ الآية أن يملك العبد كسبًا ينفعه أو يضرُّه إلاَّ بمشيئة الله وقدرته، ولهذا نهى الله تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يقول: إنه سيفعل شيئًا في المستقبل إلاَّ معلِّقًا ذلك بمشيئته تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف: ٢٣]،وقال الشنقيطيُّ -رحمه الله- في «أضواء البيان»: «فإذا عرفتَ معنى هذه الآية الكريمة وسببَ نزولها، وأنَّ الله عاتَب نبيَّه فيها على عدم قوله: «إن شاء الله» لمَّا قال لهم: «سأخبركم غدًا»؛ فاعلَمْ أنه دلَّت آيةٌ أخرى بضميمةِ بيان السنَّة لها على أنَّ الله عاتب نبيَّه سليمان على عدم قوله: «إن شاء الله» كما عاتب نبيَّه في هذه الآية على ذلك، بل فتنة سليمان بذلك كانت أشدَّ، فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: «لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً -وفي روايةٍ: تِسْعِينَ امْرَأَةً، وفي روايةٍ: مِائَةِ امْرَأَةٍ- تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ»، فَقِيلَ لَهُ -وفي روايةٍ: قَالَ لَهُ المَلَكُ-: «قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ» فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ»، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: «إِنْ شَاءَ اللهُ» لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ»، وفي روايةٍ: «وَلَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ» أخرجه البخاري فإذا علمتَ هذا فاعلَمْ أنَّ هذا الحديث الصحيح بيَّن معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ الآية [ص: ٣٤]، وأنَّ فتنة سليمان كانت بسبب تركِه قولَه: «إن شاء الله»، وأنه لم يَلد مِن تلك النساء إلاَّ واحدةٌ نصفَ إنسانٍ، وأنَّ ذلك الجسد الذي هو نصف إنسانٍ هو الذي أُلقي على كرسيِّه بعد موته».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وممَّا سبق ذكرُه يتبيَّن لنا أنْ لا مشيئة للعبد ولا اختيار إلاَّ بعد مشيئة الله تعالى، لأنَّ العبد يفتقر إلى ربِّه في جميع أمور الدين والدنيا مِن جلب المنافع وتحصيل المصالح ودفعِ المفاسد والمضارِّ، فلا يملك العبد لنفسه شيئًا مِن هذا كلِّه، ولا يتحقَّق له شيءٌ ممَّا يريده إلاَّ بمشية الله وإرادته النافذة، ويؤكِّد هذا المعنى -أيضًا- قولُه تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣]، وقولُه تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، وقولُه تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ [المائدة: ٤١]، وآيات القرآن في معنى هذه الآيات كثيرةٌ، ومِن السنَّة حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه فيما يرويه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربِّه، وفيه قولُ الله عزَّ وجلَّ: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ..» [أخرجه مسلم
أيها المسلمون
فالمؤمن المقبل على ربه ، دائماً يربط مشيئة بمشيئة ربه عز وجل ،ويعلم علم اليقين أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ،فهو مسلم لقضاء ربه تعالى ، ويوقن أن الخير كله فيه . وذلك مصدقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». رواه مسلم . فأساس كل خير في حياة المؤمن أن يعلم أن ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن ، فيتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فيشكره عليها ، ويضرع إليه أن لا يقطعها عنه ، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته فيبتهل إليه أن يحول بينه وبينها ، وتفويض العبد لربه ” يهب صاحب السكينة الداخلية وهدوء النفس إنما يمنح لصاحبه – أيضاً صورة ظاهرية منها هيبة ، فتكون له مكانه محترمة بين الناس ، ويأخذوا بمعاملته على أنه مثال المروءة حتى ليظن ذكره الحسن بعد مماته زينة لأحفاده ، والتفويض يكسب الإنسان صلابة نفسية تميزه عن غيره والإيمان بمشيئة الله – تعالى – لا يعنى الاستسلام للظرف والأقوال وعدم الصلابة في مواجهة الصعاب والأزمات ، لأن ذلك يعنى التواكل والخنوع الذي نهى عنه الإسلام ، وهو يدمر الفرد ويمحو شخصيته .
الدعاء