خطبة عن قوله تعالى (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً)
أغسطس 25, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)
أغسطس 25, 2018الخطبة الأولى ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ ». وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد بلفظ : « الْمَطْلُ ظُلْمُ الْغَنِىِّ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع بعض الأحكام الشرعية ، والتوجيهات والوصايا النبوية ، والتي يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة التأخير في سداد الديون ، وأذية أصحاب الديون الذين أحسنوا إلى الناس ، فأعطوا الأموال، وائتمنوا الغير عليها ،فبين النبي صلى الله عليه وسلم – أنه لا يحق للمسلم إذا كان قادراً على السداد أن يتأخر عن السداد ، أو أن يماطل فيه، وأنه إذا فعل ذلك كان من الظالمين فقال صلى الله عليه وسلم : « مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ »، ومعنى المطل: التأخير؛ أي: تأخير الغني الواجد للمال قضاء ما عليه من الدَّين. والمماطلة : هي محاولة المديون أن يراوغ صاحب الدين ،بتأخير سداد حقه . وفي قول الرسول – عليه الصلاة والسلام- : « مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ » : فليس المراد هنا ( بالْغَنِىِّ ) أن يكون غنيا في الحقيقة ، وإنما المراد : كل من لك عليه دين ، وعنده قدرة على أن يسدد ذلك الدين ولو كان حاله حال فقر ، فإنه أصبح غنياً : أي : قادراً على السداد ، فإذا كان قادرا على السداد ،فهو الغني المقصود في هذا الحديث . قال النووي : “فإن المطل منع أداء ما استحق أداؤه، وهو حرام من المتمكن ، ولو كان غنياً، ولكن من ليس متمكناً، جاز له التأخير إلى الإمكان ” وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين،:« مَطْلُ الْغَنِىِّ ظُلْمٌ » يعني: ممانعة الإنسان الذي عليه دَين عن الوفاء، وهو غني قادرٌ على الوفاء؛ ظلم، فهذا منع ما يجب؛ ولأن الواجب على الإنسان أن يبادر بالوفاء إذا كان له قدرة، ولا يحل له أن يؤخر، فإن أخر الوفاء وهو قادر عليه؛ كان ظالمًا ، وأما مطل غير الغني ، فليس بظلم ،ولا حرام ، لمفهوم الحديث ، ولأنه معذور ، ولو كان غنيا ولكنه ليس متمكنا من الأداء ،لغيبة المال أو لغير ذلك ،جاز له التأخير إلى الإمكان ،قال الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (280) البقرة، ومن صور (المماطلة) وأشكالها في حياتنا : أنه فكلما جاء صاحب الدين سوّفَهُ المدين ، وقال لـه : سأقضيك دينك ، أنظرني يوماً ، أنظرني أسبوعاً ، أنظرني شهراً ، مع أنه قادر على أن يسدد حقه في الحال ، والسؤال : متى يكون المدين مماطلاً بالدين؟ ، والاجابة : لا يكون مماطلاً إلا بعد الطلب من صاحب الدين ،سواء كان هذا الطلب حقيقة ، أو حكماً: كأن يترك الطلب استحياء ،أو خوف أذية ، فهو في حكم الطلب. وقيل أيضاً: لا يكون مطلاً إلا بعد حلول الأجل: قال في المنتقى: “وإنما يكون مطلاً بعد حلول أجله، وتأخير ما بيع على النقد عن الوقت المعتاد في ذلك على وجه ما جرت عليه عادة الناس من القضاء قد جاء التشديد فيه” ،وقالوا : “ويجب الأداء بواحد من ستة: خوف فوته بموته، أو مرضه، أو ذهاب ماله، أو موت المستحق، أو طلبه، أو علم حاجته إليه”، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَىُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ ». قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ شِكَايَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ. فيحل (عرضه) أي: التظلم منه بقول: مطلني وظلمني، وقال بعض العلماء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (وعقوبته) سجنه حتى يؤدي” ،وقال بعض العلماء : المماطل فاسق ترد شهادته، ففي الشرح الكبير: ” (مطل الغنى ظلم).. أي أن المطل من موانع الشهادة”. وفي مواهب الجليل: “وإذا مطل الغني ردت شهادته عند سحنون؛ لأنه ظالم”
أيها المسلمون
وقد بيّن الله-تبارك وتعالى- في مسألة قضاء الديون الحكم الشرعي ، فأنصف الناس ، وبين العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض ؛ فقال في كتابه المبين : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } البقرة 178، ففي هذه الآية الكريمة بين الله-تبارك وتعالى- فيها أن الواجب على صاحب الدين ، أو من لـه حق أن يترفق ، وأن يحسن إلى أخيه المسلم، بأن يطالبه بالسداد بالمعروف ، وواجب أيضا على من عليه الحق أو الدين أن يؤديه ، وأن يرد الحقوق إلى أهلها على وجه الإحسان ، لا على وجه الإضرار والإساءة ، فلو أن الناس ساروا بهذه السيرة ، وانتهجوا هذا الطريق الشرعي الذي سنه الله-عز وجل- في كتابه المبين ، لاستقامت أمورهم في مسائل الحقوق وأدائها ،فقوله-تعالى- : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } أي : عفا أخوه عن القصاص ، فوجبت الدية أي دية المقتول ، { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } يعني : أن صاحب الدين يتبع المديون بالمعروف ، فإذا نظرت إلى مديون معسر فليس من المعروف أن تضيق عليه ، وليس من المعروف أن تجحف به ، وأن تلزمه أن يسدد وليس عنده شيء ؛ولذلك قال-تعالى- في كتابه : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } (280) البقرة، فالمعسر ليس بحوله ، ولا طَوْله ، وليس عنده الطَوْل والقُدْرة على السداد ،فينبغي أن يرفق به صاحب الدين فقال تعالى :{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فالواجب عليه أن يتبع بالمعروف لا بالإٍساءة وبالمنكر ،ومن هنا إذا علم صاحب الدين أن المديون عنده ضائقة ، وأن ظروفه لا تساعده على السداد، وأنه في حرج، ترفق به، ويسر عليه، وهذا مـن أحب الأعمال إلى الله- تعالى – ، وأعظمها ثواباً أن يضع الإنسان عن المعسر، أو يخفف عنه ، فمن فعل ذلك فقد ثقل ميزانه يوم القيامة بالحسنات ، فقد روى البخاري في صحيحه 🙁عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ ، لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا . قَالَ فَلَقِىَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ » ، فالجزاء من جنس العمل ، وبين-صلى الله عليه وسلم – أنه لا يَفُكُّ ضائقة مسلم ، وأنه لا ييسر على معسر ، ولا يسهل على ذي حُزْن إلا سهل الله- تعالى- على من فعل ذلك ، وأن من فعل ذلك فقد أعان أخاه المسلم ، ومن أعان المسلم أعانه الله ؛ ففي صحيح مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ..) ، فلا تجد ذا مال يعامل الناس باليسر إلا تيسرت أموره ، وفتح الله في وجهه أبواب الخير ، وجعله على السماحة واليسر ، ولا تضيق عليه تجارته ، ولا تضيق عليه نفسه ،وفي الجانب المقابل : فالواجب على المديون أن يتقي الله في حقوق الناس ، وأن يتقي الله في نفسه فيرد إلى الناس حقوقهم ، ويؤديها إليهم كاملة غير منقوصة ، وأن يؤديها إليهم بإحسان لا بإساءة ، وأن يؤديها إليهم شاكراً لمعروفهم ، ومن فعل ذلك فإنه تصيبه الرحمة من الله ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وروى ابن حبان في صحيحه ، وابن ماجة في سننه (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى ». هكذا دعا النبي- صلى الله عليه وسلم – بالرحمة لمن كان سمحاً إذا قضى بمعنى : أنه إذا أراد أن يسدد ديون الناس ؛ فإنه يكون على السماحة ، فمن سماحة المدين : أن تسدد دينك قبل ميعاده ، وأن تشكر للدائن معروفه وإحسانه ، وإن كان عاجزا عن السداد ، اتصل به ، أو جاءه وقال لـه : إن عندي ظـروفاً ، أو عندي ضائقة ، أو أنا بحال صعب أريد منك أن تمهلني ، وأن تنظرني ، فعندها تطمئن الناس ، وتخرج عن ضيق الحرج ، ويرحم المسلم أخاه المسلم ، فمن السماحة فعل هذا كله ، وأما إذا كان الأمر على خلاف ذلك ؛ فإن الله- تعالى- جعل جزاء الإحسان الإحسان ، ولم يجعل جزاء الإحسان الإساءة ، ومن قابل المعروف بالإساءة ؛ فقد كفر نعمة الله- تعالى- عليه ، واعتدى على حدود الله ، وروى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه –عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ »
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى الشق الثاني من الحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :« وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ » ،فقد قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: وَمَعْنَاهُ: (وَإِذَا أُحِيلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى مُوسِرٍ، فَلْيَحْتَلْ ) ، ولبيان معنى ذلك ، نورد هذا المثال : فإذا كان إنسان له حق على زيد، وقال له زيد: أنا أطلب عمرًا مقدار حقي. بمعني أن زيدا مطلوب ب 100 جنيه، وهو يطلب عمرًا ب 100 جنيه ، فقال: أنا أحيلك على عمرو في 100 جنيه. فليس للطالب أن يقول: لا أقبل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من أحيل على مليء، فليتبع، إلا إذا كان المحول عليه فقيرًا ، أو مماطلًا، أو قريبًا للشخص لا يستطيع أن يرافعه عند الحاكم. وقد اختلف العلماء : هل هذا الحكم على سبيل الوجوب، أو أن هذا على سبيل الاستحباب؟ ،فذهب الحنابلة -رحمهم الله- إلى أن هذا على سبيل الوجوب، وأنه يجب على الطالب أن يتحول إن حول على إنسان مليء، وقال أكثر العلماء: إنه على سبيل الاستحباب؛ لأن الإنسان لا يلزمه أن يتحول، قد يقول: صاحب الأول أهون وأيسر، وأما الثاني فأهابه، وأخاف منه، وما أشبه ذلك. لكن لا شك أن الأفضل أن يتحول إلا لمانع شرعي.
الدعاء