خطبة عن عدم اليأس والقنوط (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)
أكتوبر 20, 2018خطبة عن (العفو والتسامح) من أخلاق المسلم
أكتوبر 20, 2018الخطبة الأولى (هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ». وفي رواية أحمد في مسنده« هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. قَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَيَامٍ وَصَلاَةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِىَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع هذا الحديث النبوي البليغ ، نتناوله لنتفهم معانيه ، ونتدبر مراميه ، ونعمل بما جاء فيه ، ففي هذا الحديث : يلفت الرسول صلى الله عليه وسلم نظر أتباعه من أمته إلى أنه ينبغي للعبد المؤمن أن يحافظ على حسناته من الضياع، وذلك بترك مثل هذه الأفعال المذكورة في الحديث، والتي تدور كلها تحت معنى الظلم، أي ظلم الغير: إما بالشتم ،أو بالقذف ،أو بالاعتداء ،أو بنحوه، فكل هذه الأفعال تكون سبباً في افلاس العبد يوم القيامة . والرسول صلى الله عليه وسلم قد تعددت طرقه ووسائله في الاثارة ولفت الانظار لمستمعيه ، فتارة بالسؤال ، وأخرى بالسكوت ، أو بضرب الأمثال ، وغيرها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد من هذا السؤال: « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟». أراد أن يلفِت أنظار الصحابة رضوان الله عليهم، بل كل أمته، إلى أمر عظيم ومهم، وإلى ناحية دقيقة ،طالما غفل عنها كثير من الناس ،ولم يفطِنوا لها، وهي توضيح مفهوم الإفلاس على حقيقته. فكانت إجابة الصحابة رضوان الله عليهم بما يتبادر للذهن من أمور الدنيا، وبما هو جار في عرفهم ، وما هو متعارف عليه بين الناس، حيث يعدَّون المفلسَ من لا يملك من المال شيئا، أو مَنْ فقد ثروته وماله، (قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ). فحصَروا الإفلاس في المادة فحسب، وجعلوه مقتصرا على المال والمتاع. ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام يصحح لهم هذا المفهوم ، ويصوب لهم هذا الاعتقاد ، فهو صلى الله عليه وسلم يهتم بالحقيقة دون الصورة، وبالواقع دون المظهر، وينظر الى الإفلاس من زاوية أوسع، فأراد أن يكشف لهم الغطاءَ عن مفهوم جديد للإفلاس، لم يكن معهودًا من قبلُ في حياتهم، ولم يكن يَخْطُرُ ببالهم، ولم تحدِّثْهم به نفوسُهم.
فمن خلال سؤاله صلى الله عليه وسلم: « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ ». أراد أن يَنقلَهم إلى أبعد من الدنيا وحطامها، ويحول أبصارهم وقلوبهم إلى إفلاس من نوع خطير ،ورهيب، وفي يوم عسير وشديد . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ » . وهكذا يبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته معنى المفلس الحقيقي ،وهو المسلم الذي يأتي يوم القيامة بحسنات عظيمة كالجبال، حيث يأتي بصلاة، وزكاة، وصيام، وصدقات، وغيرها من أعمال الخير والبر، ولكنه مع ذلك ،لم يستقم على أمر الله، ولم يتوقف عند حدوده ، بل ترك باب السيئات مفتوحا ولم يغلقه ، فيأتي يوم القيامة وقد اقترف الذنوب في حق العباد، فيأتي وقد شتم الناس، وظلمهم، وقذفهم، وسلب مالهم، وقتلهم، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (17) غافر فيوقف الظالم ، والمسرف على نفسه يوم القيامة بين يدي رب الأرباب ، للسؤال والحساب ، قال الله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (24) الصافات ، وهنا يقف حوله خصومه الذين ظلمهم في الدنيا ، واعتدى عليهم ، إما بلسانه أو بيده، فيقول أحدهم : هذا ظلمني، وآخر يقول: شتمني، ويقول غيره: جاورني فأساء الجوار، ويقول قائل: كذب عليّ وسرق المال ، وهكذا .. فيتحير المسكين في كثرتهم، وكثرة مطالبهم ، وعدم قدرته على التخلص منهم، إذا إن كل واحد منهم في ذلك الموقف العظيم ،يريد أن يأخذ حقوقه التي لم يستطع أخذها منه في الحياة الدنيا، فتأخذ حسناته التي أتعب فيها جسمه، وأفنى فيها حياته وعمره ، وتنقل حسناته إلى خصومه ،بدلاً من حقوقهم التي سلبها منهم في الدنيا، فكلما فرغ واحد من أخذ الحسنات، جاء آخر ليأخذ نصيبه منها، ولهذا فقد جاء في مسند أحمد : يقول صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَلاَ بِالدِّرْهَمِ وَلَكِنَّهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ ) ،فإذا نفذت حسناته وبقي له خصماء، يُؤخذ من سيئاتهم ويطرح عليه، وذلك بالعدل والقصاص الحق، فيمد عنقه إلى ربه لعله يخلصه منهم، ولكن الله يقول له: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17]، وقال تعالى : (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (54) يس وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ». فما أشد حسرته في ذلك اليوم، حيث يقف بين يدي الله وهو مفلس، مهين لا يستطيع أن يظهر عذراً، قال الله تعالى: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التحريم:7]، لذلك يتوجب على كل مسلم أن يحافظ على حسناته من الضياع، وذلك بتركه للظلم؛ أي ظلم الآخرين :إما بالشتم، أو القذف، أو الاعتداء، وغيرها، فكل هذه الأعمال ستكون سبباً في جعل العبد مفلساً يوم القيامة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن للظلم مرارة وشدة على النفس يَشعر بها المظلوم ،ولذلك حرمه ربنا جل جلاله على نفسه، وجعله بين الخلائق محرما، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ..) ، والظالم متوعد في هذه الدار الفانية بالعقاب، فإن أمهله الله جل جلاله، ولم يؤاخذه مباشرة بجريرته، فإنه سبحانه لن يُهمله ،بل سيأخذه أخذ عزيز مقتدر ،إذا لم يبادر بالتوبة إلى الله، وذلك بالرجوع عن ظلمه ،والاستغفار ، والتحلل من حقوق العباد. وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود 102، قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :” حيث أمهلهم ،وأدر عليهم الأرزاق ،وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين ،فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم ، فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما ، حتى إذا أخذه لم يفلته “.فيا أيها الظالم : تذكر أن ظلمك ،وتعديك على الناس ،بأكل حقوقهم ،والكلام في أعراضهم، سيؤدي بك إلى الإفلاس يوم القيامة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فلن تجد ما ينفعك بعد أن وزعت حسناتك التي جنيتها في الدنيا على من ظلمتهم ،فاتق الله ،واحذر من ظلم الناس، واتق دعوتهم ، وإن كانوا فجارا ، فإنها مستجابة ولو بعد حين ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِراً فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ ». رواه أحمد وحسنه الألباني ،فإذا كنت قد ظلمت الخلق ،فبادر بالتخلص من خطيئتك ،والتوبة منها في الدنيا ،ورد الحقوق إلى أصحابها ، قبل أن يُقتص منك يوم القيامة ،ويؤخذ من حسناتك ،ففي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ »
أيها المسلمون
ومن أهم الدروس والعبر التي يستفاد بها من هذا الحديث النبوي البليغ :– حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم – على توجيه أمّته لما فيه صلاحهم في دنياهم وآخرتهم . – وأن طَرْح الأسئلة على السامع ليتشوّق للإجابة، لهي من وسائل التعليم النافعة. – وتصحيحه – صلى الله عليه وسلم – للمفاهيم الخاطئة ، وإرشاده لما ينفع المؤمن في حياته – والتحذير من الظلم بأنواعه، واستحضار عاقبته، وبيان مصير ومآله . – والمبادرة إلى ردّ مظالم العباد قبل فوات الأوان ، والتحلل منها قبل يوم القصاص والزحام .
الدعاء