خطبة عن (العفو والتسامح) من أخلاق المسلم
أكتوبر 20, 2018خطبة عن عدل (القاضي شريح)
أكتوبر 27, 2018الخطبة الأولى ( أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : « أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ ». قَالَ :فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ قَالَ :« إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا ». قَالَ : فَابْتُلِينَا حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يُصَلِّى إِلاَّ سِرًّا ).
إخوة الإسلام
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرص، ويغتنم اللحظات والمناسبات؛ لتربية أصحابه على المتغيرات ، والشدائد والصعاب القادمة ، والتي سوف تواجههم في طريقهم إلى الله ؛ ليكون تلقيها أيسر من مفاجآتها، ولكي يهيئوا أنفسهم على تحمل تبعاتها ، والصبر على مشقاتها ،وهذا الحديث المتقدم هو واحد من تلك المناسبات ، وهو مع كونه قليل الكلمات، إلا أن له دلالات إيمانية وفقهية وتربوية، فيقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم في بداية الإسلام : « أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ ». ومعنى : (أَحْصُوا): أي عدّوا، وجاء عند البخاري (اكتبوا). وقوله صلى الله عليه وسلم : (كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ): أي كم شخصاً يتلفظ بكلمة الإسلام، ودخل في الاسلام . فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يكتبوا له أسماء وعدد من دخلوا في الاسلام ، حتى يتثنى له وضع الخطط للمرحلة القادمة ، ويكون على دراية موثقة بعدد المسلمين في هذا الوقت ، فقال حذيفة راوي الحديث : (فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ) ، وفي رواية في سنن البيهقي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« اكْتُبُوا لِي مَنْ لَفَظَ الإِسْلاَمَ مِنَ النَّاسِ ». فَكُتِبَتْ لَهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ فَقُلْتُ أَنَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا يُصَلِّى وَحْدَهُ خَائِفًا. وفي رواية أخرى للبخاري : (عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَمِائَةٍ ) ، قال النووي رحمه الله في الجمع بين الروايات: ” والجواب الصحيح إن شاء الله تعالى أن يقال: لعلهم أرادوا بقولهم:” ما بين الستمائة إلى السبعمائة ” رجال المدينة خاصة، وبقولهم:” فكتبنا له ألفاً وخمسمائة ، هم مع المسلمين حولهم” (شرح النووي لصحيح مسلم) ، وقيل: الاختلاف سببه تعدد كتابة العدد في أكثر من موطن. فقَالَ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا ». وهكذا يؤهل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم ، ليتحملوا تبعات المرحلة القادمة ، فيصبروا على البلاء ، ويتحملوا المشاق ، فيقول حذيفة رضي الله عنه : (فَابْتُلِينَا، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يصَلِّي إِلاَّ سِرًّا): أي وقع لهم الابتلاء حتى وصل الحال بهم إلى إخفاء الصلاة خشية الضرر.
أيها المسلمون
إن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرته الشريفة من المواقف المليئة بالدروس والعبر، والتي تتجدد وكأنما هي غضة طرية من في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما يوجب على محبي هذا النبي الكريم أن يبذلوا جهدهم في استنباط تلكم الدروس، ويبينوا ما انطوت عليه من عبر، وتقديمها لعموم الأمة؛ ليقتبسوا من نورها، ويهتدوا بهديها. وفي هذا الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة ما يؤيد ذلك ، ففيه الكثير من الدروس والعبر : أولاً : إن الحق لا يعرف بكثرة أتباعه: فهؤلاء الستُمائة أو السبعمائة، إذا ما قارنت عددهم بعدد الكفار في الجزيرة، فضلاً عن بقية الكفار في العالم لوجدتَ البون شاسعاً! وفي هذا درسٌ ـ أيضاً ـ في عدم الاغترار بالكثرة، وخاصةً في أزمنة الفتن، واختلاط الحابل بالنابل، وتبدُّل المفاهيم عند كثير من الناس. والموفق من يطلب الأقوى والأصح منهجاً وقولاً وعملاً، ولا يكون ذلك إلا باقتفاء منهج سلف الأمة في الاعتقاد والسلوك! ومما يتصل بهذا الدرس، أن الإعجاب بالكثرة لذاتها ،قد يعاقب عليه الإنسان، كما استنبط ذلك بعض العلماء ، ثانياً: من الدروس المستخلصة من هذا الحديث : إن حال الرخاء والقوة لا تدوم: فهذا حذيفة – رضي الله عنه – الذي مات في أول خلافة علي – رضي الله عنه -، أي: سنة 36 هـ ـ يقول: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً! وكأنه يشير بذلك إلى الفتنة المحزنة الخبيثة التي تبناها البغاة على أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – وحذيفة – رضي الله عنه – يقول هذا وهو لم يدرك زمن الحجاج، الذي أهان من أهان ، وحصلت منه مواقف لا تليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! ،وفيه درسٌ عظيم في اغتنام أوقات الأمن، والصحة والفراغ ،للقيام بكل ما يمكن من صالح الأعمال الخاصة والمتعدية، فإن الإنسان لا يدري ما الذي يستقبله من أمور. وفيه درسٌ للمؤمن ولمن تحت يده ممَّن تولى تربيتهم: في الاستعداد للمتغيرات التي لا يملك الإنسان أمامها خياراً، ولا يملك أمامها إلا الصبر، والسعي في إصلاح ما يمكن إصلاحه، أو يأتيه أمر الله وهو ثابت على ما يحب الله ويرضاه، ومن أعظم الزاد لهذه الأحوال: التربية الجادة وقت الرخاء. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرب أصحابه على تحمل تبعات الإيمان ؛ ولعل من أشهر تلك المواقف ، ما جاء في الصحيحين (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ »
وأيضا خطبته الشهيرة التي خاطب فيها الأنصار – رضي الله عنهم – بعد غزوة حنين، حين وجد بعض الأنصار في نفوسهم من عدم إعطائهم من الغنائم ـ ففي الصحيحين (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا ، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي ، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي وَعَالَةً ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي » . كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ . قَالَ « مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – » . قَالَ كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ . قَالَ « لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا . أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى رِحَالِكُمْ ، لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ » ، ومما هيأهم له النبي صلى الله عليه وسلم: أن الدنيا ستفتح عليهم، وحذَّرهم من الافتتان بالدنيا، ففي الصحيحين (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِى بِجِزْيَتِهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِىِّ ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ « أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ » . قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَ اللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ » كما خصَّ بعضهم ممن يتوقع أن يجد شدة أكثر من غيره، ففي البخاري أن (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لِلأَنْصَارِ « إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي ، وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ » وقد استجاب الصحابة رضي الله عنهم لوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصبروا على الفتن ، وتحملوا المشاق ، والعذاب ، ابتغاء مرضاة الله ، ففي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةً رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِى الشَّمْسِ فَمَا مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلاَّ بِلاَلٌ فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِى اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ وَأَخَذُوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ ). وفي الحديث أيضا إشارة إلى اغتنام حالة النشاط والفرصة المواتية قبل تغير الحال في نفسك أو في الظروف التي حولك. فكم من شاب وشيخ كبير في السن سوَّف في التوبة وسوَّف وسوَّف حتى فاجأه الموت وهو لم يصنع شيئاً! وكم من شاب قال: سأطلب العلم.. سأحفظ.. سأفعل وأفعل، ومضى الوقت ولم يصنع شيئاً! وكم من شاب من أصحاب الطموحات الجيدة ضاعت عليهم الأوقات بالأماني الكاذبة! وما أجمل أن نجعل حديث اغتنام الفرص نُصب أعيننا ، ففي مستدرك الحاكم :(قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل و هو يعظه : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الدروس المستخلصة من هذا الحديث : مشروعية الإحصاء: فقد بوّب البخاري على هذا الحديث بقوله ـ في كتاب الجهاد ـ « باب كِتَابَةِ الإِمَامِ النَّاسَ » ففيه أصلٌ شرعي للإحصاء، الذي يترتب عليه أمورٌ كثيرة في التخطيط، كما هو معلوم في موضعه، وتزداد الحاجة له، كلما قوي أثر الجهة التي يطبق عليها الإحصاء، كما في الجهات العسكرية، والتعليمية والصحية. وهذا وإن كان هذا من أمور العادات التي أصلها الحلّ، ولا تفتقر لنص خاص، إلا أن وجود أمثال هذه الأحاديث تجعل المؤمن يزداد يقيناً بشمولية هذا الدين ، وفي الحديث أيضا دليل على جواز الاستسرار في الدين للخائف على نفسه، سواء أكان ذلك في الدعوة إلى الله، أو في شعيرة من شعائر الدين كالصلاة مثلاً ،كما في حديث الباب، قال حذيفة رضي الله عنه:” حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يصَلِّي إِلاَّ سِرًّا”. واختلف العلماء ، متى كان هذا ؟؟ : فقال النووي رحمه الله:” فلعله كان في بعض الفتن التي جرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بعضهم يخفي نفسه ويصلي سراً مخافة من الظهور والمشاركة في الدخول في الفتنة والحروب والله أعلم” [شرح النووي لصحيح مسلم]. وقال القرطبي رحمه الله:” يعني بذلك والله أعلم ما جرى لهم أول الإسلام بمكة حين كان المشركون يؤذونهم ويمنعونهم من إظهار صلاتهم حتى كانوا يصلون سرا” [المفهم]. وقال ابن حجر رحمه الله “: أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سراً ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة، وقيل: كان ذلك حين أتمَّ عثمان رضي الله عنه الصلاة في السفر وكان بعضهم يقصر سراً وحده خشية الإنكار عليه، ووهم من قال أن ذلك كان أيام قتل عثمان رضي الله عنه لأن حذيفة رضي الله عنه لم يحضر ذلك” [الفتح]. وفي الحديث دليل على علم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مستقبلي وقد وقع ،قال ابن حجر رحمه الله: ” وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة رضي الله عنه في زمن الحجاج وغيره” وفي الحديث الحذر من الإعجاب بالكثرة ،فإن العبد لا يعلم بما سيؤول له أمره ،وأنه قد يبتلى، وهو يظن أنه لن يبتلى ،ولربما استهان بموضع من مواضع الفتنة ، ظناً منه أنه يستطيع الاحتراز منه فيبتلى ويقع في الفتنة، ومن تأمل واقعه والناس من حوله وجد شيئاً من ذلك.
الدعاء