خطبة عن ( هل الدنيا ممدوحة أم ملعونة )
أبريل 5, 2017خطبة عن ( الوصايا الذهبية في السعادة الزوجية)
أبريل 5, 2017الخطبة الأولى ( الدنيا ممدوحة أم ملعونة )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام ..ولك الحمد أن جعلتنا من امة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا.. وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا. وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) آل عمران 145 ، وقال سبحانه 🙁 فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ..وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ.. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران 148، وفي صحيح مسلم : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ..وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا… فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.. فَاتَّقُوا الدُّنْيَا ….. )
إخوة الإسلام
إن نظرة الناس إلى الدنيا على دربين .بين غارق فيها. وبين مطلق لها ، وعازف عنها .. وبمعنى آخر. فإن المتأمل في أحوال الناس في الدنيا وفهمهم لها.. يتبن له أمرين عجيبين وصنفين متناقضين … الصنف الأول : من الناس فهم الدنيا على أنها هي الغاية والهدف .. فهم الدنيا على أنها دار بقاء ومتع وسعادة … فيها الأموال والمناصب…والنساء والقصور … والشهوات والملذات … لذلك أفنوا أعمارهم في طلب الدنيا ..وخوفًا من فواتها .. وطمعًا في المزيد منها … بينما تراهم يفرّطون في الصّلاة ..أو يتكاسلون عن الجماعة ..أو يتساهلون في الطّاعة ..أو يتثاقلون في البذل والإنفاق… وهم بذلك نسوا المهمة والهدف.. الذي من أجله خلق الله العباد.. يقول سبحانه : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) الذاريات 56، أما الصنف الآخر : فهم الدنيا على أنها عدوة الإنسان … وأنها الطريق الى النار وغضب الجبار .. لذلك .. فقد أراد هذا الصنف أن ينجو منها بنفسه.. وعزم أن يطلق الدنيا وشهواتها فراح وتركها …بل.. وترك العمل فيها….فمنهم من حبس نفسه في بيت أو خلوة أو صومعة أو زاوية أو مسجد .. يعبد فيها ربه بالصلاة أو الصوم أو الذكر… وعاش على القليل من الماء والطعام والملبس .. وقد يعيش عالة على غيره من الناس ..لأنه لا عمل له .. ومنهم من راح يسيح في البلاد … يتنقل من ساحة إلى ساحة… ومن مقام إلى مقام ..ومن مولد إلى مولد … ومن ليلة إلى ليلة…فهو يجد في الساحات والليالي وعند المقامات طعامه وشرابه ومسكنه …. وعلى حسب معتقدهم … يحسبون أنهم بذلك طلقوا الدنيا وطلبوا الآخرة .. وأقول : للأسف.. فإن كلا الصنفين السابقين على فهم خاطئ..وعلى طريق معوج… وعلى خطر عظيم …بل ومخالف للشرع وللدين … ولهدي سيد المرسلين ..فليست الدنيا هي الهدف والغاية …أو هي للشهوات والملذات …ليست الدنيا هي دار المتعة والمستقر ..كما فهمها أصحاب الصنف الأول من الذين غرقوا فيها … وافنوا أعمارهم في طلب شهواتها وملذاتها… فأقول :لأولئك…. احذروا الدنيا … فالركون إليها خطر.. والثقة بها غرر.. الدنيا كثيرة التغيير.. سريعة التنكير.. شديدة المكر.. دائمة الغدر.. أمانيها كاذبة.. وآمالها باطلة.. عيشها نكد.. وصفوها كدر.. والمرء منها على خطر.. إما نعمة زائلة.. أو بليةٌ نازلة.. أو مصيبة موجعة.. أو ميتةٌ قاضية.. ما هي إلا أيام معدودة.. وآجال مكتوبة.. وأنفاس محدودة.. وأعمال مشهودة.. إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً.. وإن سرّت يوماً ساءت أشهراً وأعواماً.. وإن متعت قليلاً منعت طويلاً.. وما حصّلت للعبد فيها سروراً إلا خبّأت له شروراً ..ولا ملأت بيتاً فرحاً إلا ملأته ترحاً وحزناً. (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) غافر 39.. وليست الدنيا هي أيضا كما فهمها أصحاب الصنف الثاني…. على أنها حبس في الخلوات ..ورياضات.. وقتل للنفس .. وعدم الرغبة في الملذات ….وقد يحرم البعض منهم على نفسه الزينة والطيبات من الرزق … وليست هي.. سياحية في الأرض ..وليالي ..وموالد .. وساحات .. وتعليق السبح ..ورقص على أنغام الدفوف والبازات ..فكل ذلك خطأ .. وبعد عن الدين .. وتحريف لهدي سيد المرسلين …. والسؤال .. إذن .. ما هي نظرة الإسلام للدنيا ؟؟ وكيف يكون المسلم فيها ؟؟ فأقول : مفهوم الدنيا عند المؤمن …أنها وسط واعتدال بين الصنفين السابقين .. فالمؤمن ..لا يجعل الدنيا هي الهدف والغاية التي يعيش من أجلها …فيعمل على تحصيلها بالحلال والحرام …. ويغرق في شهواتها وملذاتها ..ويعيش لأجلها .. ويغفل عن طاعة ربه ..ويترك عبادته التي من أجلها خلق . كما فهمها الصنف الاول .. ولكن مفهومه للدنيا …أن يعمل ويسعى فيها بالحلال ..ولا يحرم على نفسه طيباتها ..ما دامت حلالا…ولايغفل أو يفرط في طاعة ربه…. ويعطي كل ذي حق حقه …وهو يعلم أن كل عمل صالح يفعله إنما يبتغي به وجه الله . ومفهوم المؤمن للدنيا ..لا يكون كالصنف الثاني …فيطلق الدنيا.. بمعنى أن يتركها… ويترك العمل والسعي فيها …. فهذا تعطيل للحياة ..وفهم خاطئ للدين .وهو سببَ التّخلّف الذي أصاب أمّتنا.. وأقعدها عن نشرِ رسالتِها…حين فهِم أقوامٌ مِن ذمّ الدّنيا إهمالَ الحياة الدّنيا وتركَ عمارتها والهروبَ عن إصلاحها وتنميتها قال تعالى: ( وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ).البقرة 201 ، والحسنة في الدّنيا تشمَل كلَّ مطلوبٍ دنيويّ من عافية ..ودارٍ رحبة.. ورزق واسع.. وعلمٍ نافع .. وعمل صالح .. وثناءٍ جميل، والحسنة في الآخرة أعلاها دخولُ الجنّة وتوابعُه .. من الأمنِ من الفزع الأكبر.. وتيسير الحساب.. والصّحابة.. وهم القدوة والنموذجُ في فهم الإسلام، يأخذون بالأسبابِ في الكسب من تجارةٍ وزراعة، ويطلبون العلمَ ويبذلون في سبيل ذلك أوقاتهم ونفوسَهم وأموالهم، فيهم الأغنياءُ دون بطر والفقراء مع التعفُّف، ومع هذا كانوا أبعدَ النّاس عن التهالك على الدنيا، فتَحوا البلدان، وأنشأوا المدُن، وأقاموا الدّولَ، ونشروا الإسلام. بل كان بعضُ كبار الصحابة من الأغنياء،.. ومن أصحاب الملايين .. ولم يأمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ترك المال.. أوترك الاشتغالِ بالتّجارة، ..ومع ذلك .. فأنّ الدّنيا لم تكن تساوي جناحَ بعوضة في حياتهم، قال سفيان بن عيينة: “ليس من حبّ الدنيا أن تطلبَ منها ما يصلِحك”
اقول قولي واستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية ( الدنيا ممدوحة أم مذمومة )
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك…واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عن سعيد بن المسيّب: قال”لا خيرَ فيمن لا يطلب الدّنيا.. يقضي به دَينَه ويصون به عرضَه،. وإن مات تركهه ميراثًا لمن بعده” .. فالمؤمن يفهم الدنيا .على أنها دارممر…لا دار مقر …وهي جسر يعبر بها المؤمن الى دار الخلود … ولابد له من زاد يبلغه إلى هدفه ، قال تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ). البقرة 197، المؤمن فهمه للدنيا …إنّها دارُ اختبارٍ وبلاء.. وعليه.. فإنّها مزرَعةٌ للآخرة يزرع النّاس فيها اليومَ ليحصدوا غدًا في الآخرة، قال الله تعالى: ( الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ).. الملك 2 ، وهي صائرةٌ إلى فناءٍ وزوال، قال الله تعالى: ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلْالِ وَالإكْرَامِ ). الرحمن 27
إخوة الاسلام
إنّ فقدَ التوازنِ بين أمورِ الدنيا والدين .. والفهم الخطئ لبعض المسلمين عن الدنيا ..أضعَف الأمّةَ ..وقعَد بها عن أداءِ دورها في قيادة الأمَم.. فالإسلام ـ لا يحرّم الطيباتِ ولا يذمّ المنافعَ والمآكل والمشارب والأموال..قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ ).الاعراف 32 ، ولكن الاسلام يدعو الى الاعتدال في كل شيىء يقول سبحانه : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ).. الاعراف 31 ،والمؤمن ..لا يفهم تطليق الدنيا ..علي أنه تركُ للسعي في عمارة الدّنيا ..وبنائها .. والانتفاع بخيراتها.. بل المراد ..أن يأخذ المرء من الدّنيا ضمنَ الحدود التي أذن الله بها.. ولا يتعد حدود الله (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة (229) ، وبعد هذا الفهم لمعنى الدنيا عند المؤمن .. قد يقول قائل .. نحن نسمع من يلعن الدنيا ..ونسمع من يمدح الدنيا….. فهل الدينا ملعونة و مذمومة ؟؟… أم هي ممدوحة؟؟ أقول لكم .. ذلك ما سوف نتناوله بالتوضيح في اللقاء القادم ان شاء الله …
الدعاء