خطبة عن قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
نوفمبر 10, 2018خطبة عن قوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
نوفمبر 10, 2018الخطبة الأولى ( لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الهدي النبوي الشريف ، ففي هذا الحديث يحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدعاء على النفس ،أو الأولاد، أو الأموال ، إذ يكون في لحظة يستجيب الله فيها الدعاء ، فنكون من النادمين . والإنسان عجول بطبعه، كفور في أكثر أحواله، كثير الجدل حتى مع نفسه، يغضب أحيانًا لأتفه الأسباب، ويثور على من يغضبه ،حتى ينسى ما فعله به من صنائع المعروف، وما يُخفيه له من الاحترام والحب ،فيسبّه ويشتمه ،ويدعوا عليه بالويل والثبور ،والهلاك وعظائم الأمور. فالرسول -صل الله عليه وسلم- في هذا الحديث يقول لنا :بدافع من الحق العميق ،والود الرفيق ، والنصح للمسلمين ، والمحافظة على النعم : ( لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ): أي بالشر في وقت الغضب ،أو في وقت الشعور بالنكد ،واليأس والجزع؛ فإن المؤمن يطرد من نفسه بنفسه أي شبح من الأشباح المثبطة للعزائم والهمم، والمنافية للتوكل على الله والثقة بفضله، ويعالج نفسه بنفسه من تلك الآفات التي تعكر صفو الإيمان ، وتكدر حلاوة اليقين. وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ )، أي لا تدعوا عليهم إن أساءوا إليكم، أو قصروا في واجب من واجباتكم ،أو رأيتم منهم ما لا يسركم؛ فإن ذلك ليس من الحكمة في شيء، ولو دعونا لهم بالهداية والتوفيق لكان ذلك أجدى لنا ولهم، فإن حنان الأبوة يتنافى مع الدعاء بالشر على من هم قرة الأعين ، وفلذات الأكباد. وأضاف النبي -صل الله عليه وسلم- قوله : (وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ )، فالمال عصب الحياة وشريانها الحيوي، وعمودها الفقري وطاقتها الفعالة وأساسها المتين. وعلل النبي -صل الله عليه وسلم- النهي عن ذلك بقوله: (لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ » :أي: لئلا توافقوا بدعائكم ساعة منحة من الله ـ تبارك وتعالى – تكون فيها أبواب السماء مفتوحة، فيستجب لكم فيما سألتموه فتندمون على ذلك، حين لا ينفعكم الندم.
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن من يدعو بالسُّوء على نفسه ،أو ولده ،أو ماله ،أو خدمه ،لا يريد ذلك ،ولا يقصده غالبا، ولهذا يقول الله تعالى: {وَيَدعُ الإِنسانُ بِالشَّر دُعاءَه بِالخَيرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} (الإسراء: 11)، ويقول عزّ وجلّ: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} (يونس: 11)، أي أنّه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، لأنه سبحانه وتعالى يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفًا ورحمة، ولو استجاب لهم كلّ ما دعوه به في ذلك لأهلكهم، وفوق ذلك يتكرم الله عليهم بالاستجابة لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنّماء. وما يقع من الإنسان لحظة الغضب تجده يندم عليه بعد ذلك، يقول عطاء بن أبي رباح رحمه الله: “ما أبكى العلماء بكاء آخر العمر من غضبة يغضبها أحدهم، فتهدم عمر خمسين سنة أو ستّين سنة أو سبعين سنة، ورُبّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحما ما استقاله”، وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ). وروى مسلم : (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ ، فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كُنْتُ أَقُولُ : اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! لَا تُطِيقُهُ ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ ، أَفَلَا قُلْتَ : اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . قَالَ : فَدَعَا اللَّهَ لَهُ ، فَشَفَاهُ
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد جعل الإسلام أن من شروط إجابة الدعاء : الدعاء بغير إثم ،أو قطيعة رحم، فقد روى الامام أحمد عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ». قَالُوا إِذاً نُكْثِرُ. قَالَ « اللَّهُ أَكْثَرُ ». ومن رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب الدعاء بالشر غالبًا ، كما قال تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) يونس 11، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :يخبر الله تعالى عن حلمه ولطفه بعباده ،أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم ،أو أموالهم ،أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم ، والحالة هذه لطفا ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء ،ولهذا قال الله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) يونس 11، أي لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك لأهلكهم ، فالحذر الحذر من الدّعاء على النّفس أو الولد أو الخدم أو المال؛ امتثالا لنهي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، وتجنّبا للنّدم الذي سيصيبه بعد ذلك.
الدعاء