خطبة عن ( من صور الرحمة ومجالاتها )
مارس 10, 2016خطبة عن ( الآفات المعيقة للصبر ونماذج من الصابرين)
مارس 10, 2016الخطبة الأولى (الرحمة صورها ومجالاتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالى في محكم آياته (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة 128، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ « إِنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ». وفي سنن الدارمي عَنْ أَبِى صَالِحٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَادِيهِمْ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ »
أيها المؤمنون
لقد ملأت الرحمة كل جوانب شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وملأت الرحمة كل ذرة في حياته لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين أن الذي تسلب منه الرحمة فقد خسر الدنيا والآخرة (فالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ) ولن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله وبالتالي من لا يرحم لا يرحم ومن حرم الرحمة فقد حرمت عليه الجنة ،وجوانب الرحمة ومجالاتها في حياتنا متعددة ،ومنها : رحمتك لنفسك ورحمتك بوالديك وأهل بيتك ورحمتك بالضعفاء من من الفقراء والمساكين والمحتاجين والمرضى والعجزة وذوي الحاجات ورحمتك بالمسلمين عامة وبالمقربين إليك خاصة وتتعدى بعد ذلك رحمتك بالحيوان، ولأن الرحمة هي أساس كل شيء ومفتاح كل خير فقد وضع لها الرسول صلى الله عليه وسلم دستورا واضحا وقانونا ثابتا ففي سنن الترمذي ( أنه صلى الله عليه وسلم قال : (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ )، ثم بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مجالات الرحمة وجوانبها في حياة المؤمن ومنها :رحمة الانسان بنفسه 0 فمن لا يستطيع أن يرحم نفسه لا يستطيع أن يرحم غيره 0 وقد يشق الإنسان على نفسه في عبادة من العبادات ظنا منه أنه بذلك يتعبد ويتقرب إلى ربه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن رحمة الانسان بنفسه أفضل عند الله ممن يعذبها ففي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِى رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ « أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ». وفي صحيح البخاري (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهم – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِى سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا ، وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ « مَا هَذَا » . فَقَالُوا صَائِمٌ . فَقَالَ « لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِى السَّفَرِ » وفي رواية عند النسائي ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِى السَّفَرِ وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِى رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا ». وتعلمون أيضا خبر القوم الذين ذهبوا إلى بيوت النبي كما في صحيح البخاري ( أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى » صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقول قولي واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الرحمة: صورها ومجالاتها)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل حديثنا عن صور الرحمة بالانسان فيحكي الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه فيقول «إِنِّي لأَدْخُلُ الصَّلاَةَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ فَأَتَجَاوَزُ فِى صَلاَتِى مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ » هكذا بلغت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم مبلغها بالنفس البشرية صغيرة كانت أو كبيرة ثم ننتقل إلى مجال آخر من مجالات الرحمة في حياتنا ألا وهي : رحمتك بوالديك فرحمتك بوالديك قد تتقدم على رحمتك بنفسك وولدك وزوجتك خاصة إذا بلغهما الكبر وفي قصة الثلاثة الذين أووا الى الغار وهذا الرجل الذي توسل الى الله برحمته بوالديه خير دليل ففي صحيح البخاري ( فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ اللَّهُمَّ كَانَ لِى أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً ، فَنَأَى بِى فِى طَلَبِ شَىْءٍ يَوْمًا ، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً ، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَىَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ » وقصة هذا الشاب الذي هاجر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلاد اليمن يريد الهجرة والجهاد رغم عدم رضا والديه عن ذلك بل وظلا يبكيان على فراقه فماذا قال له رسول الله وبم أمره ففي مسند الامام احمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّى جِئْتُ لأُبَايِعَكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَىَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ « فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا » نعم 0 إن بسمة تعلو شفتي أب حنون أو تكسو وجه أم متلهفة الى ولدها لا تقدر بثمن ولا يعدلها عمل
الدعاء