خطبة عن (محبة الرسول وحديث (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ..)
نوفمبر 17, 2018خطبة عن (الستر) من أخلاق المسلم
نوفمبر 17, 2018الخطبة الأولى ( أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53) الزمر، وقال الله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (32) :(35) فاطر
إخوة الإسلام
إن الله جل جلاله ، وعز كماله ، وتباركت اسماؤه : يُعبَد خوفًا وطمعًا، فالرجاء فيما عند الله سبحانه وتعالى هو أحد أركان الإيمان بالله الثلاثة ، وهي : محبته سبحانه ، والخوف منه جل جلاله ، والرجاء في فضله تبارك وتعالى . ومن فضل الله – تعالى- ونعمته علينا أن جعل رحمتَه سبقتْ غضبَه، بل وسعت رحمتُه كلَّ شيء، وعمَّ بها كلَّ حيٍّ؛ قال الله تعالى : ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وروى البخاري في صحيحه : ( أن أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي . فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ »، وقد جعل الله تعالى فيما جعل لعباده المذنبين بابًا عظيمًا من أبواب رحمته، بل فتح لهم بابَ الرجاء فيما عنده؛ ولذا كان حريًّا بنا أن نجولَ حول أرجى آية في كتاب الله – تبارك وتعالى – عسى أن تصيبَنا نفحةٌ من نفحات رحمته، لا نشقى بعدها أبدًا، حتى يدخلنا – بفضله ورحمته – دارَ كرامته، ومَنزِلَ رحمته؛ إنه خير مسئول ، وأعظم مأمول. هذا وقد عني أهل التفسير والتحقيق بالبحث عن : أي آية في كتاب الله هي أرجى ؟؟ ،فقال بعضُ أهل العلم: أرجى آية في كتاب الله عز وجل – آيةُ الدَّين، وفي مطلعها قوله تعالى 🙁يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ) 282، البقرةوهي أطولُ آية في القرآن العظيم، وقد أوضح اللهُ – تبارك وتعالى – فيها الطرقَ الكفيلة بصيانة الدَّينِ من الضياع ولو كان الدَّينُ حقيرًا؛ كما يدل عليه قوله – تعالى- فيها: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ﴾ [البقرة: 282]، فقالوا: هذا من المحافظة في آية الدَّين على صيانة مال المسلم، وعدم ضياعه ولو كان قليلاً ، فيدل على العناية التامة بمصالح المسلم؛ كما يدلُّ على أن اللطيف الخبير لا يضيعه يوم القيامة عند اشتداد الهول، وقال الإمام القرطبي : “وقرأت القرآن كله من أوله وآخره فلم أرى آية أحسن وأرجى من قول الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. وذهب بعض العلماء ومنهم الشيخ الشنقيطي رحمه الله إلى أن من أرجى آيات القرآن قوله تعالى في سورة فاطر: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (32) :(35) فاطر ، وقال رحمه الله: “والواو في {يَدْخُلُونَهَا} شاملة للظالم ،والمقتصد ،والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم : حق لهذه (الواو) أن تكتب بماء العينين” ،وقال العلماء : في هذه الآية وعد من الله الكريم سبحانه ،الذي لا يخلف وعده ، بدخول كل هذه الأمة الجنة، بأصنافها الثلاث: الظالمون ، والمقتصدون ، والسابقون ، فالكل وعده الله بدخول جنته، وقد قدم الظالم كما قال العلماء حتى لا يقنط ،وأخر السابق حتى لا يغتر. والوعد لكل المسلمين بجنات عدن ،مع البدء بالظالم وهو الذي خلط الطاعات بالمعاصي، يؤكد بقوة على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن الحكيم ،حيث لم يبقى قسم من المسلمين خارج عن هذا الوعد ،فهو شامل لكل من دخل في زمرة المسلمين، فحق لهذه الآية أن تكون من أرجى آيات القرآن ،ومن أهل العلم من تأمل ما جاء في خبر الصديق مع مسطح بن أثاثة: إذ أن أبا بكر الصديق لما أنزل الله براءة عائشة وكان مسطح ممن وقع في عرضها ،حلف ألا ينفع مسطحًا منافعه ، وكان ينفق عليه من قبل، فأنزل اللطيف الخبير قوله تعالى : {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النور:22]. وذهبوا إلى أن ما صنعه مسطح يحط النجم من قدره، ومع ذلك عاتب الله الصديق في حقه وعظيم جرم مسطح وما وقع فيه، إلا أن الله لم يبطل له ما سلف من عمل فسماه مهاجرًا، وقال آخرون : إن أرجى آية في كتاب الله ، قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى:5 ،ويؤيد هذا الرأي ما رواه مسلم في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ :( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّى) الآيَةَ . وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِي ». وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ – فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ) .
أيها المسلمون
وقد ذكر الامام القرطبي رحمه الله في كتابه القيم (الجامع لأحكام القرآن) خبرًا عن تدارس هذا الأمر بين الصحابة: “وأن الصديق رضي الله عنه يرى أن أرجى آية هي قول الله تعالى في فاتحة غافر: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر:3]، وسر ذلك أن الله – جلَّ وعلا – قَدَّم غفران الذنب على قَبُول التوب، وهذه إشارةٌ جليَّة، وأمارةٌ بهية تشي بحب الله المغفرة لعبده، ولا عجَب؛ فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة ،وقال فاروق الأمة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: إن أرجى آية هي آية الإسراء: ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 84] . فإذا عَمِل الكلُّ على شاكِلته؛ فعمَلُ العبدِ الطاعة والمعصية، وعمَل الرب العفوَ والمغفرة ، ولهذا حُقَّ للمُتضرِّع في صلاته أن يقول: اللهم اغفر لي، واعفُ عنِّي؛ فإن كانت شاكِلتي العِصيان والإجرام؛ فإن شاكلتك العفو والغفران والإكرام ، وقيل أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله قال : إن أرجى آية هي قول الله في سورة الحجر {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:49]. وقال علي وابن مسعود وابن عمر- رضي الله عنه -: إنها آية الزمر، قوله تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]؛ وذلك لأنها تمحو ذنْب الكافر الآيب، والآثم التائب، ففي مسند أحمد (ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الآيَةِ : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ أَشْرَكَ فَسَكَتَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ « إِلاَّ مَنْ أَشْرَكَ ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فالله سبحانه وتعالى وعد المسلمين بالمغفرة، فهي بهذا المعنى أرجى آية، ولو ماتوا على ذنوب عظيمة ، إذا تابوا منها . وقال الشوكاني – رحمه الله – في قوله -تعالى-: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، قال : “هذه الآيةُ أرجى آية في كتاب الله سبحانه؛ لاشتمالها على أعظمِ بشارة؛ فإنه أولاً أضاف العبادَ إلى نفسه؛ لقصد تشريفِهم، ومزيدِ تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذنوب، ثم عقَّب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب؛ فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى، وبفحوى الخطاب، ثم جاء بما لا يبقى بعده شك، ولا يتخالج القلبَ عند سماعه ظنٌّ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ﴾ [الزمر: 53]، فالألف واللام قد صَيَّرت الجمعَ الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده؛ فهو في قوة: إن الله يغفر كلَّ ذنب كائنًا ما كان، إلا ما أخرجه النصُّ القرآني، وهو: الشِّرك؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48، 116]، ثم لم يكتفِ سبحانه بما أخبر عبادَه به من مغفرة كلِّ ذنب، بل أكَّد ذلك بقوله تعالى : ﴿ جَمِيعًا ﴾”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال ابن عطية: قال لنا أَبي – رضي الله عنه -: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 47]، قال : هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى؛ لأن الله – عز وجل – قد أمر نبيَّه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلاً كبيرًا، وقد بيَّن -تعالى- الفضلَ الكبير في قوله – تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [الشورى: 22] ،هكذا اختلف السلف الصالح من المفسرين في أرجى آية على أقوال كثيرة ، أما عن أفضل آية في كتاب الله فقد تَباينت أنظار المُحَقِّقِين من أهل العلم في بيان الأفضل منها، فثُلَّة انتخَبت الخوف، وثُلَّة شايعت القائلين بالرجاء، فالخوف مُفضَّل جملةً في حال الحياة؛ ليبلغ صاحبه النجاة، بينما يُقَدِّم الرجاء عند موته؛ بإحسانَ ظنٍّ بربه؛ فإن الله عند حُسْن ظَنِّ عبدِه به، إن ظنَّ به خيرًا فله، وإن ظنَّ به شرًّا فله! أما تفصيل الأفضليَّة في الحياة؛ فإن أقَبلَت المعصيةُ فالخوف أَفضَل، أما إن هَلَّت الطاعة فالرجاء أولى وأكمَل. وهذا ما أيَّده ابن القيم في كلام نفيس بقوله (رحمه الله) : ولولا رُوح الرجاء لعُطِّلت عبودية القلب والجوارح، وهُدِّمَت صوامع وبِيع وصلوات ومساجد يُذكَر فيها اسم الله كثيرًا، ولَما تَحرَّكت القلوب بالضَّراعة، والجوارح بالطاعة ، ولولا ريحه الطيبة لما جرَت سفنُ الأعمال في بحر الإرادات، بل لتَلِف العبدُ، وما سار في درب العبادة أحدٌ؛ فإن العبدَ دائرٌ بين ذنبٍ يرجو غفرانه، وعيبٍ يرجو صلاحه، وطاعةٍ يرجو قَبُولها، واستقامةٍ يرجو حصولها ودوامها، ومنزلةٍ عنده يرجو الوصول إليها ، ثم إن الخوف وحده لا يُحرِّك العبد، وإنما يحرِّكه الحب، ويزعِجه الخوف، ويَحدوه الرجاء.
الدعاء