خطبة عن (العفة) من أخلاق المسلم
نوفمبر 24, 2018خطبة عن المدح والمداحين وحديث (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ)
ديسمبر 1, 2018الخطبة الأولى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع هذه الآية المباركة من كتاب الله الكريم ، نتدبر معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونقطف من ثمار رياضها الغناء ، ونرتشف من سلسبيل رحيقها المختوم ،فهذه الآية الكريمة ، هي منهج عمل، وغاية أمل، وهي تختصر وصف الدارين: الدنيا والآخرة ، وتبين ما ينبغي للإنسان المؤمن أن يكون عليه، وما يناله من أجر كبير ،وفضل كثير، إذا انقلب إلى الدار الآخرة. فالآية الكريمة تبين أن الطريق واضح جلي : إيمان ، وعمل صالح ، والنتيجة: جنات وأنهار ، وثمار متجددة، وخدمة دائبة، وإكرام دائم، وأزواج مطهرة ، ويَزين هذا كله خلودٌ أبدَ الآبدين .قال الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ ﴾ والبشارة بالخير، والنذارة بالشر، والتبشير: إيراد الخبر السار الذي يظهر أثره في بشرة المُخبَر. والخطاب هنا في قوله تعالى : ﴿ وَبَشِّرِ ﴾ هو للنبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يُقال: لكل من يتأتَّى منه التبشير، وفيه رمزٌ إلى أن الأمر، ومآل المؤمنين في الدار الآخرة – لعظمة شأنه – فهو حقيق بأن يتولى التبشير به كلُّ من يقدر عليه. وأما قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي الذين أذعنوا وأعلنوا، وصدقوا وحققوا، فهم آمنوا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولاً. ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ والمراد بالأعمال الصالحات : كل عمل صالح يبتغى به وجه الله ، وهو كل ما استقام من الأعمال ،بدليل العقل والنقل، ولا يكون مستقيمًا ،إلا ما فيه الإخلاص والعلم والنية.
ويمكننا أن نقول: الأعمال الصالحات نوعان: 1- أعمال بين المرء وبين العباد: كأداء الأمانات، والوفاء بالعهود، وقضاء الحقوق، وصلة الأرحام. 2- وأعمال بيننه وبين الله، وهي نوعان: ظاهرة وباطنة: فالظاهرة: أداء الشرائع، كالصلاة والزكاة والصوم والحج. والباطنة: صفات القلب، كالتوكل، والرضا بالقضاء، والصبر في البلاء، والشكر في الرخاء. وقال الفُضيل بن عِياض في قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]: أخلصه وأصوبه ، فقيل له: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال الفضيل : إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون صوابًا خالصًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُّنة. أما قوله تعالى : ﴿ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ﴾ فالجنات : جمع جنة، وسميت الجنة جنة؛ لاستتار أرضها بأشجارها، أو لأنها تستر وتُظل من يكون فيها بما فيها من الشجر، والتعبير بصيغة الجمع إشعار بتعددها ، وكثرة نعيمها ، ودوامه ،وقد روى البخاري في صحيحه 🙁أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى » ،وفي قوله تعالى : ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ فالماء الجاري من النعمة العظمى ، واللذة الكبرى، والرياض لا تروق النواظر، ولا تبهج الأنفس، ولا تجلب الأريحية والنشاط، حتى يجري فيها الماء ، وتتخللها الأنهار ، وهي تجري من تحتها فهي قريبة المنال ، سهلة الطلب .
وأما قوله تعالى : ﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ، فهذا مشهدٌ جليلٌ من مشاهد الخدمة والإكرام لأهل الجنة ، وسكانها ، ولنا أن نتصور أولياءَ الله في الجنة ، والذين مَنَّ عليهم بدار رحمته، وأسكنهم دار كرامته ، وهم يُطافُ عليهم بأنواع الرزق الإلهي الكريم، هذا الإكرام الذي لا يخلو من المفاجأة والمبادأة. فالرزق الذي يُحمل إليهم قد يكون متشابهًا مع ما رأوه في الدنيا من عجائب خلق الله وصنعه ؛ فيقولون : (هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ) –ولتستحكم المفاجأة – فإذا طَعِمُوه ، ذاقوا ما لم يذوقوا في الدنيا، وطَعِمُوا ما لم يطعموا، وعرفوا من المتع واللذات ما لم يكن يَخطر لهم ببال ، وهذا الرزق إنما يَحسُن موقعُه عندما يكون بحضور الأحباب: وأولهم :الأزواج المطهرة ، فهن طاهرات الأبدان، والأخلاق، واللسان، والظاهر ، والباطن، ومطهرات من كل عيب ونقص ، وقد روى البخاري في صحيحه في وصف نساء أهل الجنة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا » ،وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، لاَ يَسْقَمُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبْصُقُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ،وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ – قَالَ أَبُو الْيَمَانِ يَعْنِى الْعُودَ – وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ »، وفي سنن الترمذي : (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا قَالَ يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْأَسُ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ » وروى مسلم في صحيحه : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». وروى البخاري : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فيا أصحاب الأنفس المجْهَدة، والقلوب المتعبة، والأرواح الظامئة الصامتة ، أيها الصابرون على البلاء والمحن ، أيها الشاكرون في السراء والنعم ، ويا من تتهجدون في ليلكم تتجافي جنوبكم عن المضاجع خوفا وطمعا ، وتصومون نهاركم تقربا وأملا ، وتتسابقون في الخيرات ، وتفرون وتسارعون إلى مرضاة رب الأرض والسماوات ، أبشروا : فإنَّ غدًا لناظره قريب ، وما هي إلا ساعةٌ ثمَّ تَنْقَضِي ، ويَذْهَبُ هذا كلُّه ويزولُ ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ». وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ». وروى مسلم في صحيحه : (صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ». وفي سنن ابن ماجة : (قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : « أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلأْلأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ». قَالُوا نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ».
الدعاء