خطبة عن لبس الحق بالباطل (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ)
ديسمبر 15, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)
ديسمبر 15, 2018الخطبة الأولى ( الفُقَرَاء يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ إِلَى الْجَنَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : عن (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنه قال ..سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا ».
إخوة الإسلام
لقد جعل الله -عز وجل- الأجر العظيم ،والفضل الكبير للفقير الصابر المحتسب؛ ومن هذه الفضائل ، التي فضل الله بها الفقراء على الأغنياء : أولا : أن الفقراء هم أكثر الناس أتباعا للأنبياء: فقد أحجم أكثر الأغنياء عن طاعة الأنبياء ، ففاز بها الفقراء، فكانوا أكثر الناس أتباعا للأنبياء على مرِّ الزمان، ففي صحيح البخاري في حديث أبي سفيان مع هرقل: “وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ” أي: أن أتباع الأنبياء أكثرهم الفقراء، وهرقل كان يقرأ في كتب السابقين، ويعلم ما كان مِن قصص المتقدمين. ولو أننا نظرنا واستقرأنا تاريخ الأنبياء وأحوال الزمان؛ لوجدنا أن هذه سنة كونية ماضية (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (الشعراء:111)، بل إن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كلهم كانوا مِن الفقراء ولم يُستثنَ إلا سليمان، وجزء مِن حياة يوسف، قال رسول الله: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ») (رواه البخاري)، وهذه وظيفة معلومة على مرِّ التاريخ ،أنه لا يتولاها الكبراء ولا الأشراف؛ إنما يتولاها الفقراء . ثانيا : أن الفقراء هم أول مَن يَرِد إلى حوض النبي -صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: فالناس يوم القيامة يقفون موقفًا عظيمًا شديدًا على النفوس، يشتد فيه عطشهم ويطول فيه زمان وقوفهم، فيصيبهم ما يصيبهم مِن العرق والعطش، ثم ينصرف المؤمنون بعد ذلك مِن هذا الموقف فيكون مما يلاقيهم مِن الخير، أن ينصرفوا إلى حوض النبي ليشربوا بعد عطش يومٍ طويلٍ، فيكون أول مَن يَرِد هذا الحوض الفقراء مِن بيْن سائر المؤمنين، ففي سنن ابن ماجة وصححه الألباني قال : (ثَوْبَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ حَوْضِي مَا بَيْنَ عَدَنَ إِلَى أَيْلَةَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ أَوَانِيهِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا وَأَوَّلُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَىَّ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الدُّنْسُ ثِيَابًا وَالشُّعْثُ رُءُوسًا الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ وَلاَ يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ » ،
ثالثا : أن الفقراء هم أول مَن يجوز الصراط يوم القيامة : فالصراط جسر منصوب على متن جهنم، يمر عليه الناس كل بحسب عمله، وأول مَن يجوز على الصراط إلى الجنة هم الفقراء من المسلمين ،فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: أن يهوديًّا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: (فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ). رابعا : أن الفقراء يسبقون الأغنياء في دخول الجنة: فكما في الحديث المتقدم ، روى مسلم في صحيحه : عن (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنه قال ..سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا» ، وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ » ،وروى الطبراني وابن حبان، وحسنه الألباني (عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَسَاكِينُهَا؟ قَالَ: فَيَقُومُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتَلَيْتَنَا فَصَبَرْنَا، وَآتَيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانُ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقْتُمْ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ، وَيَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ) ،خامسا : أن الفقراء هم أكثر أهل الجنة: ففي الصحيحين واللفظ للبخاري (عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ » وفي رواية مسلم : (« قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ إِلاَّ أَصْحَابَ النَّارِ فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ». ومرَّ النبي بقوم مِن أصحابه الفقراء فنظر إليهم، وقال: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ لَأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً!) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
أيها المسلمون
وقد بيّن الرسول – صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الفقراء لم يكن عندهم شيء يحاسبون عليه، هذا مع جهادهم وفضلهم، فقد أخرج الحاكم في (مستدركه) عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال: فقراء المهاجرين، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة، ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ قال: فيفتح لهم، فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس) ،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” فالفقراء متقدمون في دخول الجنة لخفة الحساب عليهم والأغنياء مؤخرون لأجل الحساب ثم إذا حوسب أحدهم فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته في الجنة فوقه وإن تأخر في الدخول ؛ كما إن السبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ومنهم عكاشة بن محصن وقد يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل من أحدهم “. فإن الفقير ليس معه مال كثير يحاسب على قبضه وصرفه فلا يؤخر عن دخول الجنة لأجل الحساب فيسبق في الدخول وهو أحوج إلى سرعة الثواب لما فاته في الدنيا من الطيبات . فالغني ـ من أهل الجنة ـ لا يدخلها حتى يسأل عن ما أعطاه الله له من الدنيا،وأما الفقير من أهلها فإنه لا شيء عنده يسأل عنه، وإن كان عنده من شيء فهو قليل، فيكون موقفه أقصر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الفُقَرَاء يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ إِلَى الْجَنَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلا يلزم من سبق الفقراء للأغنياء في الدخول إلى الجنة ارتفاع منازلهم عليهم ،بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول ،والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفا ،وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم ،والغني إذا حوسب على غناه ،فوجد قد شكر الله تعالى فيه ،وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف ،كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول ،ولم يكن له تلك الأعمال ،ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها ،والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيْبَةَ : أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ « وَمَا ذَاكَ ». قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً ». قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ». ولذا فقد قيل : ( من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف) ، فعلى المرء أن يسأل ربه العافية في الدنيا والآخرة. فقد روى الترمذي بسند صحيح :(عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ « سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ. فَقَالَ لِي « يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ». وفي سنن أبي داود : أن (ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِى وَحِينَ يُصْبِحُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي »
الدعاء