خطبة عن حديث (إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ)
ديسمبر 15, 2018خطبة عن (وقفات في سورة الأحزاب)
ديسمبر 15, 2018الخطبة الأولى ( إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ لمسلم 🙁عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » . إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الشريف ، وهو حديث ماتع جامع ، وقد اعتبره العلماء أنه يمثل ثلث الدين، يقول الإمام أحمد: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث: “إنما الأعمال بالنيات”، وحديث: “من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد”، وحديث: “الحلال بيّن”؛ وقال الجرداني رحمه الله: هذا الحديث قد أجمع العلماء على كثرة فوائده، ومن أمعن فيه وجده حاويًا لعلوم الشريعة؛ إذ هو مشتمل على الحث على فعل الحلال، واجتناب الحرام، والإمساك عن الشبهات، والاحتياط للدِّين والعِرض، وعدم تعاطي الأمور الموجبة لسوء الظن والوقوع في المحذور، وتعظيم القلب والسعي فيما يصلحه، وغير ذلك ،وقال العلماء: وسبب عظم موقعه: أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على صلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنه ينبغي أن يكون حلالًا ، ومما يبهرك في هذا الحديث أيضا ، عذوبة كلماته، وروعة ألفاظه ،ودقتها ، فهو حديث فيه من الروعة والجمال والإيجاز والإعجاز ما لا حد له . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ ) فقد بدأ صلى الله عليه وسلم بذكر الحلال لأنه الأصل؛ فالأصل في كل شيء الحل حتى تثبت حرمته، ولو تأملت في النعم لوجدتها حلالاً إلا ما ندر، وهذا النادر لم يحرَّم إلا لأن فيه ضرراً على الإنسان في حياته أو دينه أو عقله، فلو نظرت إلى ما حرم الله على عباده ، لوجدتها أشياء معدودة ، أما ما عدا ذلك من نِعَمٍ في المأكَلِ والمشرب والملبس فهي حلال؛ إذ ليس في ديننا حرج أو مشقة ، قال الله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف:32]. وفي قوله صلى الله عليه وسلم (بَيِّنٌ ) : فالبيان هنا بمعنى الوضوح، فالحلال واضح جلي بَيِّن لأن الله تعالى بيَّنَه وأظهره لعباده ، وجعله واضحا كالشمس في علاها ،وفي محكم التنزيل ،يقول الله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل:89]، وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التوبة:115]. وهو أيضا (بَيِّنٌ) لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بيَّنَهُ للناس، قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44]، وفي مسند أحمد ، وسنن ابن ماجة وصححه الألباني : أن (الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدْ إِلَيْنَا قَالَ « قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ..) وكل ما أحله الله -عز وجل- للناس تجده قريبا من النفوس السوية، والفِطَر السليمة، بخلاف الإثم والحرام؛ فإنه يتردد في الصدر، ويتلجلج في الفؤاد، ويكره المرء أن يطلع عليه الناس.
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ) : فالحرام هو الممنوع، وهو كل ما نهى الله تعالى عنه في كتابه أو على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) [الأنعام:119].(وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ) : فالأمر المشتبه : هو المشكل؛ لما فيه من عدم الوضوح ، وهو الأمر الذي لم يظهر للإنسان على حقيقته، ولم يتبين له فيه الصوابُ أو الحِلُّ والحرمة ، لا يعلم حكمها ؛ لتنازع الأدلة. والمراد أنها تشتبه على بعض الناس دون بعض ، قال النووي رحمه الله: الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بيِّن واضح لا يخفى حله، كالخبز والفواكه والزيت والعسل، وحرام بيِّن، كالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح، والمشتبهات غير الواضحة الحل والحرمة؛ فلهذا قال: ((لا يعلمهن))؛ أي: لا يعلم حكمها ((كثيرٌ من الناس))، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك ، فإن من توفيق الله تعالى وفضله على هذه الأمة أنه لا يزال فيها من العلماء الربانيين من يعلمون مراد الله، ويبصرون عباد الله بما وهبهم الله من علم، وآتاهم من حكمة. ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ) : فكلمة (اتَّقَى)؛ تثير في النفس معنى المراقبة لله -عز وجل-، واستحضار هيبته، واليقين بعلمه، وأنه يعلم الجهر وما يخفى، واتقاء الشبهات يحتاج إلى صبر ومعاناة ورَوِيَّة، وتحسَّب لكل خطوة أو قول أو فعل. (اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ) : أي طلب البراءة والنزاهة لدينه، وهو الأساس والأهم، ولعرضه: وهو في المرتبة الثانية، فإن المؤمن لا يجوز له أن يعرض عرضه لحديث الناس بما يثيره من الشكوك حوله ، فقد يستبرئ الإنسان للدين، ولكنه لا يهتم بالعرض، وهذا خطأ! فقد يقول في نفسه: طالما أنني أعرف نفسي، وأنني لم أرتكب المحرم، فلا عليَّ من كلام الناس، فيجلس في أماكن مشبوهة، أو يخالط أناسا مشبوهين، أو يأتي بتصرفات مشبوهة دون اهتمام لكلام الناس، وهذا منهج خاطئ ، فالمسلم إذا كان طيب السيرة، حسن السمعة، جميل الذكر، فذلك أقوى لوجوده، وأجمل لمنهاجه، وأسرع لقبول دعوته في الناس، فمن ارتكب الشبهات فقد عرض نفسه للتهم والقدح والطعن، يقول بعض السلف: من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن.
أما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ) : فالوقوع في الشبهات فيه تيسير وتسهيل للوقوع في الحرام، وفي بعض روايات الحديث كما في البخاري 🙁 وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ )، وفي مسند أحمد (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حَلاَلٌ بَيِّنٌ وَحَرَامٌ بَيِّنٌ وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ مَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَهُوَ لِلْحَرَامِ أَتْرَكُ وَمَحَارِمُ اللَّهِ حِمًى فَمَنْ أَرْتَعَ حَوْلَ الْحِمَى كَانَ قَمِناً أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ » فهذه نتيجة حتمية؛ فكل من وقع في الشبهات ،سيقع في الحرام يوما لا محالة، وتعبيرات النبي -صلى الله عليه وسلم- دقيقة ومنتقاة، فلم يقل (فمن أتى شبهة ) أو (فمن عرض لشبهة)؛ لأن هذا أمره أهون، ولكن المشكلة فيمن هو واقع في الشبهات، مُتَرَدٍّ فيها، متلبس بها ، فهذا قد سلك طريقه إلى الحرام ، وهو أقرب ما يكون إليه ،وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام على غاية الحذر والمراقبة والورع، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَرْفَعُهَا لآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا ». ومن صور الورع في حياة صديق الأمة أبي بكر الصديق ، ما رواه البخاري في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ . فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ) . ومن صور الورع في حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ما رواه البخاري :(عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه قَالَ كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ فِي أَرْبَعَةٍ ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَمِائَةٍ فَقِيلَ لَهُ هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَقَالَ إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ . يَقُولُ لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ)
أيها المسلمون
ثم يرسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا لوحة جميلة ، وصورة دقيقة لخطورة الوقوع في الشبهات فيقول صلى الله عليه وسلم : (كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ) ، فأكثر من يستمتع بهذه الصورة من عرفها على الطبيعة، وأكثر ما يكون ذلك في القرى وفي البادية، حيث يكون هناك بعض أودية أو جبال أو أراض تُحمَى ويمنع الرعي فيها ، وتسمى: الحمى؛ ومَن وقع في هذه الحِمى في فترة المنع فإنه يعاقب ويعزر، فيأتي بعض الرعاة بماشيتهم يرعون حول هذا الحمى ، والأغنام حينما ترى خضرة المرعى تهرع إليه، وتنقض عليه، ومهما كان حزم الراعي وحرصه فإنهن يتفلتن من يده ويقعن في الحِمى، وقد كان بوسعه أن يسرح بها في أرض الله الواسعة خير له من هذا العناء والتوتر والمجازفة!. وهكذا النفس البشرية إذا اقتربت من مواطن الشهوات ،ومراتع المغريات ،فإنه يستهويها البريق، والأَولى أن يبتعد بها عن مواطن الخلل وأماكن الزلل؛ لكي لا يستهويها المظهر ، فتودي بصاحبها إلى المهالك . ثم يوضح صلى الله عليه وسلم الصورة ويجليها فيقول : (أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ) فكما أنه لكل ملك من ملوك الدنيا حِمى لا يجرؤ أحد على القرب منه ،فضلا عن انتهاكه أو الوقوع فيه، فإن أجَلَّ مَن يجب أن يخاف منه، وأعظم من يجب احترام محارمه، هو ملك الملوك -جل وعلا-؛ فإن له حِمى ممنوعاً ومحظوراً، وهو محارمه -جل وعلا- ، وقد حذر –سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم من الاقتراب من محارمه، أو انتهاك حدوده، فقال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [البقرة:187]، وقال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : يقول صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ » .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( عليك بالحلال ، واحذر الحرام ( إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم يختم رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه بأهم ما في الأمر ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ) ، فبعد هذا البيان، وهذا المثال التقريبي، وهذا الشرح الجميل، فإن المعول كله على أمر هام، إذا صلح ، صلح كل شيء، وإذا فسد ،فسد كل شيء، فلا تنفع فيه موعظة، ولا تجدي نصيحة، ولا تؤثر فيه خطبة ،إذا لم يكن صالحاً، ولربه خاشعا، ألا وهو القلب، فإذا صلح القلب ، صلحت الأعضاء ، فهو الآمر والناهي، والرادع عن كل خلل، والمانع من كل زلل ، فالقلوب إذا زكت، زكت الجوارح، وحسنت الأعمال، لأن القلب ملك الجوارح، فهي تعمل بأمره، وتمضي بتوجيهه؛ وحينما صفت قلوب الصالحين أصبحت عامرة بخوف الله، مراقبة لجلال الله؛ يقول الحسن البصري -رحمه الله-: ما نظرت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا مضيت على قدمي حتى أنظر على طاعة أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت. وقال ابن تيمية رحمه الله: فإن الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين: تصديق بالقلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا: قول القلب، وقال الجنيد بن محمد: التوحيد: قول القلب، والتوكل: عمل القلب، فلا بد فيه من قول القلب، وعمله، ثم قول البدن وعمله، ولا بد فيه من عمل القلب، فالقلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سَرَى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب؛
أيها المسلمون
ومن الفوائد والعبر والدروس التي نستلهمها من هذا الحديث النبوي الشريف : – أن الشريعة الإسلامية حلالها بيِّـن، وحرامها بيِّن، وفيها المشتبه الذي لا يعلمه إلا العلماء. – وعلى المسلم أن يبتعد عن مواطن الشبهات؛ سلامة لدِينه من الإثم، وعِرضه من الذم. – وأن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبهة هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة . – وفي الحديث دلالة لمن قال بقاعدة سد الذرائع إلى المحرمات، وتحريم الوسائل إليها. – وجواز ضرب الأمثال من أجل تبيين الأمر ليقرب فهمه. – وأكل الحلال ينور القلب، فتصلح الجوارح، والعكس صحيح. – والتنبيه على عظم قدر القلب، والحث على إصلاحه؛ فإنه أمير البدن، بصلاحه يصلح البدن، وبفساده يفسد.
الدعاء