خطبة عن قوله تعالى (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)
يناير 5, 2019خطبة عن: (التفاؤل والتشاؤم)
يناير 12, 2019الخطبة الأولى ( تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلاَّ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا – أَوِ ارْكُوا – هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يبين لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض أعمال العباد على الله تبارك وتعالى ، وهو أعلم بها ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ) ، وجاء في الحديث القدسي الذي رواه مسلم : (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ » ، فقد وكل الله بنا ملائكة يكتبون أعمالنا، فقال الله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار: 10 – 12. وقال الله تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ ق: 17-18] ، ورقيب عتيد : هو وصف لكل ملك وليس اسم لهما ، ومعنى رَقِيبٌ لا يفوته شيء من كتابة أعمال العباد! ،وعَتِيدٌ يعني حاضر لا يغيب ولا لحظة، ومن المعلوم ابتداء : أن لعرض أعمال العباد توقيتات محددة ، فتُرفع أعمال العباد للعرض على الله عز وجل أولاً بأول ، في كل يوم مرتين: مرة بالليل ومرة بالنهار: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ” رواه مسلم . وقال النووي ” الْمَلائِكَة الْحَفَظَة يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْل بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل النَّهَار , وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَار بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل اللَّيْل” وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) متفق عليه . ويقول .(ابن حجر) : إنَّ الأَعْمَال تُرْفَع آخِرَ النَّهَار , فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَة بُورِكَ فِي رِزْقه وَفِي عَمَله، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حِكْمَة الأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالاهْتِمَام بِهِمَا – يعني صلاتي الصبح والعصر – ” كما تُعرض أعمال العباد ـ أيضا ـ على الله عز وجل كل أسبوع مرتين : الإثنين والخميس كما في الحديث المتقدم والذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : ( تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا ) رواه مسلم . وأيضا تُرفع أعمال العباد كل عام إلى الله عز وجل جملة واحدة في شهر شعبان : فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ : (قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ : ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) حسنه الألباني في صحيح الجامع .
أيها المسلمون
فنخلص من هذه النصوص المتقدمة : أن أعمال العباد تعرض على الله في ثلاثة أنواع من العرض : أولا : العرض اليومي ، ويقع مرتين كل يوم ثانيا : العرض الأسبوعي ، ويقع مرتين أيضا : يوم الاثنين ويوم الخميس . ثالثا : العرض السنوي ، ويقع مرة واحدة في شهر شعبان . رابعا : العرض الختامي :ويكون عند انقضاء الأَجَل، وانتقال الروح إلى باريها، فحينئذٍ تطوى صحيفة عمله، ويُختَم عليها، ثم ترفع إلى ملك الملوك – تبارك وتعالى قال ابن القيم رحمه الله : ” عمل العام يرفع في شعبان ؛ كما أخبر به الصادق المصدوق ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس ، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل ، وعمل الليل في آخره قبل النهار . فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام ، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل ” ومن المعلوم أيضا : أن هذه التقارير ليستْ كتقاريرِ البشر، بل هي تقارير تختلف عنها في أمور عدة، ومنها: أولا : أن كتَّاب هذه التقارير مهرة في الكتابة والإحصاء، فيكتبون القول والفعل والزمان والمكان ، وكل ما يتعلق بالعمل ؛ قال الله تعالى : ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]. وقال الله تعالى : ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. وقال الله تعالى : ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]. ثانيا : أن كَتبَة هذه التقارير أُمناء، فلا يحابون ولا يجاملون؛ قال الله تعالى : ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 11- 12]، وقال الله تعالى عن صفاتهم : ﴿ مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. ثالثا : أن هذه التقارير تكتب في سجلات كبيرة، ثم تنشر يوم البعث والنشور، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير: 10]، وقال الله تعالى : ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13- 14]. وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: « إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِى عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِى الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ … ) رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني ، رابعا : أن الذي يطلع على هذه التقارير ليس رئيس مؤسسة، ولا وزيرًا، ولا رئيسًا، ولا ملِكًا؛ إنما هو مَلِك الملوك – جل في علاه ، قال تعالى : ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 48]. وقد جاء في حديث ابن عمر قال: سمعتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: « يُدْنَى الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ – وَقَالَ هِشَامٌ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ – حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا يَقُولُ أَعْرِفُ ، يَقُولُ رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ ، فَيَقُولُ سَتَرْتُهَا فِى الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الآخَرُونَ أَوِ الْكُفَّارُ فَيُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ » [هود: 18] رواه البخاري ومسلم
أيها المسلمون
كما دلت أحاديث عرض الأعمال على الله تعالى على الترغيب في الازدياد من الطاعات في أوقات العرض ، كما قال صلى الله عليه وسلم في صيام شعبان : « ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ » رواه أحمد ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ” صححه الألباني. لذا فقد كان بعض التابعين يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ، ويقول : اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل !! [ لطائف المعارف ] . ومما ذكر آنفا يتبين لنا أنه لا دخل لنهاية عام ينقضي ، أو بداية عام جديد ، بِطَيِّ الصُّحف ، أو عرض الأعمال على الله عز وجل ، وإنما العرض بأنواعه التي أشرنا إليها ، قد حددت النصوص لها أوقاتاً معلومة .ومع أن هذه التقارير تُكتَب وتُرفع إلى رب العباد، إلا أنه – تبارك وتعالى – توَّاب يحب التوَّابين؛ ولذلك فقد جعل للتوبة بابًا مفتوحًا إلى أن تطلع الشمس من مغربِها؛ كما جاء في حديثٍ عن أبي موسى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». رواه مسلم، وهذا من كرمه – عز وجل – أنه يقبل التوبة حتى وإن تأخَّرت، فإذا أذنب الإنسان ذنبًا في النهار، فإن الله – تعالى – يقبل توبته ولو تاب في الليل، وإذا أذنب وتاب في النهار، فإن الله – تعالى – يقبل توبته، بل إنه – تعالى – يبسط يده حتى يتلقى هذه التوبة التي تصدر من عبده المؤمن ، فإذا تاب العباد توبة صادقة، تاب الله عليهم، وبدَّل السيئات حسنات، كما أخبر بذلك في قوله تعالى : ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : (فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلاَّ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اتْرُكُوا – أَوِ ارْكُوا – هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا ) ، فالمشروع للمسلم العفو عن أخيه المسلم إذا أساء إليه ،لما ورد في القرآن والسنة من الفضل العظيم في العفو والتجاوز عن صاحب الإساءة. فإن لم يستطع الإنسان العفو فإن له شرعاً الاحتفاظ بحقه ثم يقتص منه يوم القيامة ،إن لم يستطع أن يقتص منه في الدنيا ،فإن كان في قلبه هذا المعنى فلا يؤثر ذلك على قبول الأعمال الصالحة ،وحصول المغفرة ،لأن هذا التصرف مأذون فيه شرعا، إنما الذي يؤثر على ذلك ،ويجعل هناك مانع لقبول الطاعات ،هو الغل ،والحسد ،والبغضاء والهجران ،والتي تكون ناشئة عن الظلم ،والتعدي على حق الغير، أو طلب الزيادة على الحق الذي له ،أو الفجور في الخصومة ،ونحو ذلك مما يحرم فعله ، وهكذا فسر العلماء الشحناء الواردة في الحديث. فالحاصل أنه لا يؤاخذ الانسان شرعا على مطالبة الحق والقصاص في الدنيا والآخرة ،ولا ينقص ذلك في الدين ،ولا يخرم المروءة ،وقد فعل ذلك خيار الصحابة رضوان الله عليهم. ، وإن كان الأفضل ترك المطالبة ،والعفو ،مرضاة لله ،وطلبا لعفو الله وتجاوزه عنه يوم القيامة ، والجزاء من جنس العمل.
أيها المسلم الكريم
وبعد أن تعرفت على أوقات رفع الأعمال ، فعليك بالآتي : – احرص على أن تقدم العمل الطيب فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا – واقرن عملك بالإخلاص فأعمالك بدونه تكون هباء منثورًا و لن تجني منها سوى التعب. – وليكن لك خبيئة لا تراها الأعين ولا تسمعها الآذان ولا تلتقطها العدسات ، فهي سر بينك وبين الله ، لا يطلع عليها إلا هو سبحانه وتعالى . – واحذر الشحناء فإنها تمنع قبول الأعمال ، وكن من أهل العفو والصفح لتنال الأجر من الله – وداوم على الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة ليُكتب لك أجرها ولعل الله يختم لك بها. – وأكثر من الدعاء أن يتقبل الله منك عملك الصالح ويغفر السيئ وأكثر من الاستغفار . قال بكر المزني رحمه الله: «إنَّ أعمال بني آدم ترفع، فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاء، وإذا رفعت صحيفة ليس فيها استغفار رفعت سوداء.
الدعاء