خطبة عن: (الفرح المحمود) مختصرة
يناير 12, 2019خطبة عن (ظل عرش الرحمن)
يناير 12, 2019الخطبة الأولى ( لبس الحق بالباطل ، وصوره )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (42) البقرة
إخوة الاسلام
ما المقصود بالحق والباطل في هذه الآية الكريمة ؟ . وما معنى اللبس ؟ ، وكيف يلبس الناس الحق بالباطل ؟ . وما هي صور لبس الحق بالباطل في واقعنا المعاصر ؟ وما واجب المسلم تجاهها ؟ .هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال هذه الخطبة إن شاء الله . وبداية : ماذا قال علماء التأويل عن المقصود بالحق والباطل في هذه الآية الكريمة ؟ . قالوا : الحق هو دين الاسلام ، والباطل ما عداه من الأديان في هذا الزمان . وقالوا : الحق : هو القرآن ، والباطل : ما عداه من الكتب المحرفة والموضوعة ليخدعوا بها الأنام. وقالوا : الحق : هو الإيمان ، والباطل : هو الكفر والفسوق والعصيان . وقالوا : الحق : هو الصدق والعدل ، والباطل : هو الكذب والزور والخديعة والبهتان . وأما المقصود بلبس الحق بالباطل: فهو خلط الباطل بالحق حتى لا يُعرف الحق من الباطل ، ويلتبس أحدهما بالآخر ، وكذلك : تزيين واظهار الباطل في ثوب الحق ، حتى يقع الناس في شباكه ، ويُخدعوا به ،ويُفتنوا ببريقه ولمعانه .
وأما عن صور لبس الحق بالباطل في واقعنا المعاصر فهي كثيرة ، ومنها : فمن صور لبس الحق بالباطل : محاولة مزج الاسلام بالكفر، تحت مسميات مختلفة، فيقول المضللون : نحن جميعا (أبناء نبي الله إبراهيم)، وينادون بـ “حوار الأديان”، ويزعمون أن أتباع هذه الأديان هم جميعًا مؤمنون ،وكذلك دعوتهم إلى وحدةِ الأديانِ: وهذه الدَّعوةُ يكفي في إبطالِها قولُ اللهِ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، وما رواه أحمد في مسنده ،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِى أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِي لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ » وفي رواية : « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلاَ يُؤْمِنُ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ». ولكنَّ أعداءَ اللهِ زيَّنوها بألفاظٍ برَّاقةٍ، مثلَ قولِهم: الإخاءُ الدِّينيُّ – وحدةُ الأديانِ – التَّفاهمُ بينَ الأديانِ – نبذُ التَّعصُّبِ المذهبيِّ – الصَّداقةُ الإسلاميَّةُ المسيحيَّةُ – التَّضامنُ الإسلاميُّ المسيحيُّ – التَّعايشُ بينَ الأديانِ – الأديانُ الإبراهيميَّةُ … ومن صور لبس الحق بالباطل : تزيين الباطل ، والتنفير من الحق . قال الله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) فاطر 8، فأهل الباطل في كل زمان ومكان ،يزينون الباطل ،ويزخرفونه ،ويشوهون الحق ،وينفرون الناس منه ، وها نحن في هذا الزمان ،نشاهد ،ونسمع ،ونقرأ ،عن تزيين الباطل ،والدعوة إليه وتشويه الحق ،والتنفير منه ، ومن ذلك : فاليهود : زينوا كثيرا من أفكارهم التي يصطادون بها عقول الناس، ومن ذلك (الماسونية) التي أصبح كثير من أغنياء العالم ومثقفيهم، بل وبعض حكام المسلمين، يدير بهم اليهود مصالحهم في كل البلدان ، تحت مسمى ( الماسونية – ونوادي وجمعيات ( الروتاري). والنصارى : زينوا نصرانيتهم- مع مخالفتها للفطرة كذلك، لجعلها الثلاثة واحدا ،والعبد معبودا من دون الله، وما فيها من الضلالات التي لا تقبلها العقول السليمة- فأضلوا كثيرا من البشر في الأرض ،وبخاصة الجهال ،والأيتام ،والمرضى ،والمحتاجين، الذين يمدونهم بالمال، ويشترطون عليهم الدخول في دينهم المحرف المزيف! والوثنيون : وهم الذين يعبدون ما لا يُحصى من المخلوقات، من شمس ،وقمر ،وكواكب، وأشجار ،وأحجار ،وحيوانات ،ونار ، وغيرها، زينوا وثنيتهم ،فاتبعها ملايين البشر في الأرض. والملحدون : أيضا زينوا إلحادهم ،مع مخالفته للفطرة ،واتبعه كثير من الناس ،حتى قامت عليه دولة كبرى( شيوعية ) فعاثت في الأرض فسادا أكثر من نصف قرن، ثم تهاوت وتمزقت ، والقوميون : زينوا قومياتهم ،حتى وجدوا من الأتباع ما أسقطوا به الدين والخلق، وقلدهم في ذلك زعماء في البلدان العربية وغيرها ، فحطموا بالقوميات المنتنة كل مقومات الأمة الإسلامية . والعلمانيون : وهم الذين قرروا فصل الدين عن الحياة ، فزينوا ذلك للناس ،حتى أصبحت غالب دول العالم علمانية ،تقصي الدين عن الحياة، بما في ذلك حكام الشعوب الإسلامية-إلا ما ندر- وليتها أقصت الدين عن الحياة في أنظمتها فقط ،وتركت للناس حريتهم في تطبيق ما يقدرون عليه من الإسلام، فلو فعلت لكان الأمر أخف، ولكنها حاربته ،وحاربت دعاته ، وعلماءه الصادقين. والمرابون : زينوا للناس التعامل بالربا، حتى أصبح هو الأصل في كل أنحاء الأرض، برغم ما حصل منه ومن ويلات وكوارث على العالم ،وحوربت المشاريع الاقتصادية غير الربوية، فلم تأذن غالب حكومات الشعوب الإسلامية بالبنوك والمصارف الإسلامية. وعباد الشهوات : زينوا للناس فعل الفواحش والمنكرات، بأساليب شتى ،وبثوا وسائل نشرها ، حتى أصبح عالم الأرض من البشر- إلا من شاء الله-لا يفكر إلا في إشباع غرائزه بالشهوات ، من غير تفريق بين حلال وحرام. وهكذا ، فلم يبق باطل في الأرض إلا زينه أهله، وبكل وسيلة من الوسائل المتاحة لهم، ودعوا إليه، وأوجدوا له أنصارا ،يكثرون سواده ، ضد الحق وأهله. فالتزيين ،والتَّلبيسُ ،والتَّضليل : هو إظهارُ الباطلِ في صورةِ الحقّ ،وجعلُ الشَّين زَينًا ، والشرِّ في صورةِ الخير
أيها المسلون
ومن صور لبس الحق بالباطل : الشِّعاراتُ الخادعةُ والبراقة ، والعباراتُ المُضلِّلةُ: كدعوتِهم إلى تحريرِ المرأةِ، وحفظِ حقوقِها ورعايتِها : فهذا شعارٌ برَّاقٌ، وهو قولٌ في ظاهرِه الرحمة ،والصِّدقُ، ولكنَّ باطنَه الانحلالُ والفسادُ، فهم لا يَعْنُونَ حقوقَها الَّتي شرعها اللهُ لها، بل يزعمون زورًا أنَّ خروجَها ،وانفلاتَها عن أمرِ ربِّها ،هو تحريرُها ،وتمكينُها من حقوقِها! ومن صور لبس الحق بالباطل : تسميةُ المُسمَّياتِ بغيرِ أسمائِها: وصُوَرِها كثيرةِ في عصرِنا الحاضر، ومنها : قولُ بعضِهم عن الخمرِ: (مشروباتٌ رُوحِيَّةٌ)، وعن الرِّشوةِ: (هَدِيَّةٌ – إكراميَّةٌ – مُكافأةٌ وتقديرٌ لجهودِكم)، وعن المُنافِقين: (حَدَاثِيُّون، أو عَصْرانِيُّون، أو عَلْمانيُّون، أو تنويريُّون)، وعن الأحكامِ الوضعيَّةِ: (الشَّرعيَّة) ، وعن الربا : فوائد ، ومصروفات إدارية ،وفي المقابل : يسمون المتمسكين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم متطرفين ، ومتعصبين ، وأصوليين، وإرهابيين ، ورجعيين. وجعلوا البعد عن المعاصي : تزمتا ، وانغلاقا، والحجاب : خيمة ،ورجعية ، وتخلفا،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لبس الحق بالباطل ، وصوره )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123-126]. ورغم وضوح هذه الأدلة – من الكتاب العزيز – على حصر الهدى في هدى الله ،وأن الضلال والعمى فيما سواه ، إلا إنه من أعظمِ الفِتن التي تُعاني منها المجتمعاتِ المسلِمة في عَصرِنا الحَاضِر : هِي فتنة غِيابِ الحقّ ولَبسه بالباطل ،وفقدان هيمَنَة المرجعيّة الصّريحة الصَّحيحة في إبداءِ الحقّ ونُصرَتِه أمامَ الباطلِ ،وإظهارِه على الوجهِ الذي أنزلَه الله على رسولِه دونَ فُتونٍ ،أو تردُّدٍ من إملاقٍ ،أو خَشية إملاقٍ ،أو تأويلاتٍ غلَبت عليهَا شُبهاتٌ طاغِيَة ،أو شَهَواتٌ ،ويؤكِّد هذا مَقولة ابنِ مَسعود رضي الله عنه التي يقول فيها: (كيفَ بِكم إذا لبِسَتكم فتنةٌ يربُو فيها الصغير، ويهرمُ فيها الكبير، وتُتَّخَذ سُنّة، فإن غُيِّرت يومًا قيل: هذا مُنكَر)، قالوا: ومتى ذلك؟ قال : (إذا قلَّت أمناؤكم، وكثُرت أُمراؤكم، وقلَّت فُقهاؤكم، وكثُرت قُرّاؤكم، وتُفُقِّه في غيرِ الدّين، والتُمِسَت الدنيا بعَمَل الآخرة) ، ومن المعلوم أن هذا التَّلبيسَ ،وذاك التضليلَ ،إن لم نتداركه ونجلي حقيقته ، فسوف ينتهي بالمسلمين إلى الفُرقةِ ، والتي يَصعُب معها الاجتماع؛ إذ كلُّ طائفةٍ سَتزعم أنَّ لها منهجَها الخاصَّ بها، فتتنوَّع الانتماءات إلى الإسلام ، في صُورٍ يُغايِر بعضُها بعضًا ، ومما يعين على استمرار هذا التلبيس هو سكوتُ العلماءِ عن بيانِ الحقِّ؛ فسكوتُهم عن الباطلِ كالإقرارِ منهم له، ولذلك أخذ اللهُ على أهلِ العلمِ بيانَ الحقِّ وعدمَ كتمانِه، وذَمَّ مَن كتمه وتَوعَّدَه، يقولُ اللهُ تعالى عن بعضِ أهلِ الكتابِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]، قال ابنُ جريرٍ الطَّبريُّ -رحمه اللهُ تعالى-: (هذا مِيثاقٌ أَخَذه اللهُ على أهلِ العلمِ، فمَن عَلِم شيئًا فَلْيُعلِّمْه، وإيَّاكم وكتمانَ العلمِ؛ فإنَّ كتمانَ العلمِ هَلَكةٌ، ولا يَتكلَّفَنَّ رجلٌ ما لا علمَ له به، فيَخرُجَ مِن دِينِ اللهِ، فيكونَ مِن المُتكلِّفِين)
الدعاء