خطبة عن حديث: (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ
يناير 19, 2019خطبة عن قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ)
يناير 26, 2019الخطبة الأولى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (96) المؤمنون
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ، نتدارسها ، ونتدبرها ، ونتفهم معانيها ، ونعمل بما جاء فيها ، فقوله تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } ، هذا من مكارم الأخلاق، التي أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين معه ، كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم القائل كما في مسند أحمد: « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ ».وفي رواية البيهقي« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ » فقوله تعالى :{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } فالمعنى : إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن مصالح ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب، قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (40) :(43) الشورى ، والتخلق بهذه الآية : هو أن المؤمن الكامل ،ينبغي له أن يفوض أمر المعتدين عليه إلى الله، فهو يتولى الانتصار لمن توكل عليه ،وأنه إن قابل السيئة بالحسنة كان انتصار الله أشفى لصدره ،وأرسخ في نصره ، وماذا تبلغ قدرة المخلوق تجاه قدرة الخالق ، وهو الذي هزم الأحزاب بلا جيوش ولا فيالق . وهكذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان لا ينتقم لنفسه، وفي الصحيحين : (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ )
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (96) المؤمنون ،يحث الله تعالى المؤمنين على مقابلة الإساءة بالإحسان، حتى تسود روح المودة والأخوة والمحبة بين الناس، ولا تظهر الشحناء والبغضاء والكراهية بين البشر، امتثالا لقوله تعالى : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، « فصلت: 34». فمن سماحة هذا الدين الحنيف أنه يحث على الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، ورغب إلى كل ما يؤدي إلى المحبة بين المسلمين ودوامها، ونفر من كل ما يؤدي إلى ضعف المحبة وزوالها، وجعل من شروط الإيمان الحب في الله، فقد روى مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ». وقد قرن الله تعالى دفع السيئة بالحسنة بالصبر والصلاة والإنفاق، ووعدهم بعقبي الدار، فقال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)، « الرعد: 22»، فالعفو والصفح من أصول الفضائل الإنسانيّة، والآداب الفرديّة والاجتماعية، والسلوكيّات التي حثّ القرآن الكريم عليها، وذلك حرصاً منه على أن يكفل للفرد والمجتمع التوازن المستمر في سيرة الحياة، وهذا بلا شكّ يتطلّب ملكات نفسيّة تسهّل ممارسته، كسعة الصدر، والحلم، وقدرة التحمّل، وحلّ المشاكل، وتجاوز العقبات؛ وذلك لأنّ العفو ركن مهمّ من الأخلاق الفاضلة التي يُسهم معها في بناء المجتمع الإسلامي . كما يفهم من الآية الكريمة أيضا : أنّ الرسول والمؤمنين مأمورون بتجاوز حالتي العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى، وهي ردّ السيئة بالحسنة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان الإسلام قد قرّر حقّ المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق العدل الإلهي، فإنّ العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم، قال الله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (43) الشورى ،وقد ضرب القرآن الكريم مثالاً رائعاً في قصّة نبي الله يوسف مع إخوته، فقد عفا عنهم بعد أن أوقعوا به حسداً منهم له، وهذا في الحقيقة نوع من العفو البشري دلّ عليه الكتاب الكريم في تلك القصّة التي ذكرها بالتفصيل. ومن صور ذلك أيضا: عفوّ النبي عن أهل مكّة بأجمعهم، فقال لهم: (اذهبوا فانتم الطلقاء). فقد عفا عنهم، وصفح عن أعمالهم، مع أنّه قادر على الانتقام منهم آنذاك. هكذا صفح الرسول مع أهل مكّة الذين آذوه وحاربوه؛ إذ قد بالغت قريش في إيذائه وأحكمت قبضتها منه حتى أخرجته من بين أهله وعشيرته، ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا أصحابه، وكسروا رباعيّته، وهو مع ذلك يقول من قلب خالٍ من الحقد، ولسان صادق لا يعرف الكذب أو النفاق أو الخيانة: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » ،وهذا مثال رائع وأنموذج راقٍ يقدّمه الرسول (صلى الله عليه وسلم ) من مجموعة كبيرة من الأمثلة السامية التي ضربها طيلة فترة حياته الإنسانية، فهو يطلب المغفرة عمّن أساء إليه في القول والفعل، فقد عفا عن الكثير، وتجاوز عن الكثير، وصفح عن الكثير ممّا لاقاه من قريش وحلفائها أيام دعوته إلى الإسلام، لكنّه حين تمكّن منهم لم يعاقب ولم يثأر، بل عفا وسامح وصفح، وهذه سجيته وصفاته الحميدة، وأخلاقه النبيلة التي مثّل بها الإسلام. ولا يظنّ البعض أنّ ذلك العفو والصفح قد يؤدّي إلى الذلّة والضعف والهوان، فإنّ ذلك غير صحيح، وإنّما هو قمّة الشجاعة، وغلبة الهوى، ولا سيّما إذا كان عند المقدرة على الانتصار كما هو الحال في عفو رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وصفحه، وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : (وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ». وفي سنن أبي داود وغيره : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا – وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ – دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ ».
الدعاء