خطبة عن حديث: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِىَّ الْغَنِىَّ الْخَفِيَّ)
يناير 26, 2019خطبة عن (العدل) من أخلاق المسلم
فبراير 2, 2019الخطبة الأولى ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة (197)
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، وبداية : فقد جاء في أسباب نزول هذه الآية الكريمة ، ما رواه الإمام البخاري في صحيحه :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )، كما أورد ابن كثير رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : كان أناس يخرجون من أهليهم، ليست معهم أزودة، يقولون: نحج بيت الله، ولا يطعمنا…فقال الله: تزودوا ما يكفُّ وجوهكم عن الناس. وهذه الرواية لم تحدد أقواماً بعينهم، بل جاءت مطلقة. وظاهر الآية الكريمة، وما جاء في سبب نزولها يفيد أن المراد من الآية، حث من عزم على سفر وحج أن يتزود بأسباب الحياة المادية من طعام وشراب وكساء ونحوها من الضروريات التي لا تستقيم حياة الناس إلا بها، وهذا حق لا ريب فيه، والآية دالة عليه بظاهرها.بيد أن بعض أهل العلم يرى أن سياق الآية لا يسعف بتلك الدلالة؛ وذلك أن قوله سبحانه: {فإن خير الزاد التقوى} راجع إلى قوله: {وتزودوا} فكان تقديره: وتزودوا من التقوى، والتقوى في عرف الشرع والقرآن عبارة عن فعل الواجبات، وترك المحظورات. ويمكن أن نوفق بين هذا القول وبين ما جاء في سبب النزول من جانبين: الأول: أن القادر على أن يستصحب الزاد في السفر -وفي الحج خاصة- إذا لم يستصحبه عصى الله في ذلك، وبحسب هذا، يصح دخوله تحت مفهوم الآية. فيكون عدم تزوده بالأسباب المادية مخلاً بجانب التقوى المأمور بالتزود بها، من جهة أن ذلك ينعكس على قيامه بالعبادات على النحو المحقق للتقوى. الثاني: أن في الآية حذف تقديره: وتزودوا لعاجل سفركم وللآجل، فإن خير الزاد التقوى ، وقيل أن المعنى : التقوى أفضل من التزود للسفر ، فكونوا عليها أحرص ، فالذي يغفل عنه كثير من الناس التزود المعنوي( التقوى ) ، فما أنشط الناس على التزود لأسفارهم بماديات الحياة، بينما آخر ما يفكرون به التزود للحياة الآخرة، والتي هي دار القرار. وللإمام الرازي في هذا المقام كلام طيب، حيث يقول: “إن الإنسان له سفران: سفر في الدنيا وسفر من الدنيا، فالسفر في الدنيا لا بد له من زاد، وهو الطعام والشراب والمركب والمال، والسفر من الدنيا لا بد فيه أيضاً من زاد، وهو معرفة الله، ومحبته والإعراض عما سواه، وهذا الزاد خير من الزاد الأول.. فكأنه تعالى قال: لما ثبت أن خير الزاد التقوى، فاشتغلوا بتقواي يا أولي الألباب، يعني: إن كنتم من أرباب الألباب، الذين يعلمون حقائق الأمور، وجب عليكم بحكم عقلكم ولبكم أن تشتغلوا بتحصيل هذا الزاد لما فيه من كثرة المنافع”.
ومن المعلوم أن هذه الآية أصل في الأخذ بالأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله والاعتماد عليه، بل حقيقة التوكل تقتضي طلب الأسباب، وتقتضي كذلك ترك النتائج لمسبب الأسباب، والرضا بما تسفر عنه تلك الأسباب. وجاء في تفسير السعدي : ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك، فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم، سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين، وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع. وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى. ثم أمر بها أولي الألباب فقال: { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ } أي: يا أهل العقول الرزينة، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل، وفساد الرأي.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى :(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة (197) ، فإن خير ما يتزود به العباد في هذه الدار الدنيا ليوم معادهم هو تقوى الله عز وجل ، فإنه الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ليقدم على ربه آمنا وإلا ندم يوم لا ينفع الندم ،وقال ابن القيم: التَّقوى حقيقتُها: العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمر اللهُ به إيمانًا بالأمر وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى اللهُ عنه إيمانًا بالنهي وخوفًا من وعيده، وقال طَلْق بن حبيب: “إذا وقعَت الفتنةُ فأطفئوها بالتقوى”، قالوا: وما التقوى؟ قال: “أن تعمل بطاعة اللهِ على نورٍ من الله ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله”، فالتقوى الحقيقية هي: أن يجتهدَ العبدُ في تَرْك الذنوب كلِّها صغارها وكبارها، ويجتهد في الطاعات كلِّها الواجبات والنوافل ما استطاع، فمثل هذا يستحق اسم المتقي. وقد يسأل سائل : كيف نتقي الله عز وجل؟ ، والاجابة على ذلك : أن تقوى الله تكون بالآتي: أولا : بمحبَّة الله عز وجل :قال ابنُ القيم رحمه الله: “المحبةُ شجرةٌ في القلب؛ عروقُها: الذلُّ للمحبوب، وساقُها: معرفته، وأغصانها : خشيتُه، وورقها: الحياء منه، وثمرتها: طاعته، ومادتها التي تسقيها: ذكرُه، فمتى خلا الحبُّ عن شيء من ذلك، كان ناقصًا”. ثانيا : مراقبة الله عزَّ وجلَّ: فيدرِّب العبدُ نفسَه على المراقبة، وأن يستشعرَ اطِّلاع الله عز وجل عليه، فيستحي عند ذلك من المعصية، ويجتهد في الطاعة، قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الحديد: 4]. ثالثا : أن تتعلَّم أنْ تغالب هواك وتطيع مولاك: قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 – 41]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]؛ قيل: هو العبدُ يهوى المعصية، فيذكر مَقَامَ ربِّه عليه في الدنيا، ومقامَه بين يديه في الآخرة؛ فيتركها لله.
أيها المسلمون
ولتقوى الله ثمراتها العاجلة والآجلة : أما ثمرات التقوى العاجلة؛ أي: “في الدنيا”، فمنها : – المخرَج مِن كلِّ ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، قال الربيع بن خثيم: “يجعل له مخرجًا من كل شيءٍ ضاق على الناس”. ومن ثمرات التقوى : – السهولة واليسر في الأمر؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ الطلاق: 4 ، وهي نعمةٌ كبرى: أن يجعل اللهُ الأمور ميسَّرة لعبدٍ من عباده، فلا مشقَّة ولا عُسر ولا ضيق. ومن ثمرات التقوى :– تيسير العلم النافع؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]؛ قال ابن عثيمين رحمه الله: أي ما تفرِّقون به بين الحقِّ والباطل، والضارِّ والنافع؛ ومن ذلك: العلم… يفتح الله على المتَّقي من العلوم ما لا يفتحها لغيره، ومن ذلك الفهم؛ لأن التَّقوى سببُ زيادة الفهم، وقوَّةُ الفهم يحصلُ بها زيادة العلم، ويدخل في ذلك أيضًا الفراسة؛ فالله يعطي للمتَّقي فرَاسةً يميِّز بها بين الناس. ومن ثمرات التقوى :– إطلاق نور البصيرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال : 29]، قال محمد رشيد رضا: “الفرقان في اللغة؛ هو: الصبح الذي يفرِّق بين الليل والنهار، ويسمى القرآنُ فرقانًا؛ لأنه كالصُّبح يفرِّق بين الحقِّ والباطل، وتقوى الله في الأمور كلها تعطي صاحبَها نورًا يفرِّق به بين دقائقِ الشبهات التي لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس”. ومن ثمرات التقوى : – محبة الله عزَّ وجلَّ ومحبة ملائكتِه والقبول في الأرض؛ قال الله تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76]، قال أبو الدرداء: “إن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبَّه اللهُ، فإذا أحبَّه الله حبَّبه إلى عبادِه”، وعن هرم بن حيَّان: “ما أقبل عبدٌ بقلبِه إلى الله، إلاَّ أقبل اللهُ بقلوب المؤمنين عليه حتى يرزقَه مودَّتهم”. ومن ثمرات التقوى : – نصرة الله عز وجل وتأييدُه وتسديده؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194]، فهذه المعيَّة هي معيَّة التأييد والنصرة والتسديد، وهي معيَّة اللهِ عزَّ وجل لأنبيائه وأوليائه، ومعيَّته للمتقين والصابرين، قال ابن رجب: “وهذه المعيَّة الخاصة بالمتقين غير المعية العامَّة المذكورة في قوله: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]”، قال قتادة: ومن يتَّق اللهَ يكُنْ معه، ومن يكن اللهُ معَه فمعه الفئةُ التي لا تُغلب، والحارسُ الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضلُّ”،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ثمرات تقوى الله العاجلة : – البركات من السماء والأرض؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]. ومن ثمرات التقوى :– الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]، وهذا تعليمٌ من الله وإرشاد إلى أن يُستعان على كيد الأعداء بالصبر والتَّقوى، ومن ثمرات التقوى : – حفظ الذريَّة الضعاف بعناية الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]. ومن ثمرات التقوى : أنها سبب لقبول الأعمال التي بها سعادة العباد في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، ومن ثمرات التقوى : – أنها سبب النجاة من عذاب الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [فصلت: 17، 18].
أيها المسلمون
أما ثمرات التقوى الآجلة ( في الدار الآخرة ) ، فمنها : – تكفيرُ السيئات؛ وهو سبب النجاة من النَّار، وعظمُ الأجر؛ وهو سبب الفوز بالجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، وقال تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة: 65]. وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72]. ومن ثمرات التقوى : أنها ميراث الجنة؛ فهم أحقُّ الناس بها وأهلها، بل ما أعدَّ الله الجنةَ إلاَّ لأصحاب هذه الرُّتبة العليَّة والجوهرة البهية؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ مريم: 63 ، وقال تعالى: ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]. ومن ثمرات التقوى : – أن أهلها لا يذهبون إلى الجنة سيرًا على الأقدام؛ بل يُحشرون إليها رُكبانًا، مع أن الله يقرِّب الجنةَ إليهم تحيةً لهم ودفعًا لمشقتهم؛ قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 31]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85]. ومن ثمرات التقوى : أن المتقين لا يدخلون أدنَى درجاتها؛ بل يفوزون فيها بأعلى الدَّرجات وأفضلِ النعيم، نسألُ الله من فضله العظيم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾ [النبأ: 31]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، ووصف اللهُ عزَّ وجلَّ دارهم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [النحل: 30]. ومن ثمرات التقوى :أنها تجمع بين المتحابِّين من أهلها حين تنقلب كلُّ صداقة ومحبَّة إلى عداوة؛ قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، ومن ثمرات التقوى : أن المتقين يسعدون بالصُّحبة والمحبة وهم يساقون إلى الجنة زمرًا زمرًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73].
الدعاء