خطبة عن حديث (أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)
فبراير 23, 2019خطبة عن قوله تعالى (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ)
مارس 2, 2019الخطبة الأولى ( كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ .. سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في الصحيحين البخاري ومسلم ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ، :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ »
إخوة الإسلام
إن ذكر الله تعالى يحيى ميت القلوب، ويذكي فاتر الهمم، ويحوط المرء بسياج من العصمة، ويقيه نزعات الشيطان، ويباعد بينه وبين المعاصي ، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث صيغة من صيغ الذكر ،لا مشقة في حفظها ،ولا صعوبة في استيعابها، وهي مع ذلك عظيمة الأثر ،كبيرة الجدوى، تغدق على المؤمن من فيض الله الخير الكثير، والأجر الوفير، تثقل من الطيبات حسناته، وتمحو من أوزاره وسيئاته، ولئن كانت سائر التكاليف شاقة على النفس، فإن الذكر بها هين سهل ،لا يستعدي قوة ،ولا استعدادا ،وإنما يوجب إخلاصا وتفريغا للنفس من شواغل الدنيا ، وهواجس القلب. وليس بكثير على الله ،الذي وسعت رحمته كل شيء ،أن يجزل الثواب العظيم على العمل القليل، لما في هذه الصيغة من تنزيه الله عن الشريك والنظير، وتحميده على سوابغ النعم وجزيل الفضل، وتعظيمه بما هو أهله. واعلم أخي أن هذه الفضائل إنما هي لمن أخلصوا في دعائهم، وكملوا في إيمانهم، وتجنبوا المعاصي والحرام، ونأوا بأنفسهم عما يغضب الله من الآثام. ولا تظن أن من أدمن الذكر، وأصرّ على ما شاء من شهواته ،وانتهك حمى الله وحرماته ، يلتحق بالمقدسين الطاهرين ، ويبلغ منازلهم بكلمات يجريها على لسانه، ولا يتجاوز أثرها فمه ، فقد نقل الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث عن ابن بطال أنه قال: “هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر، إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال؛ كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا تظن أن من أدْمن الذِّكر، وأصرَّ على ما شاءه من شهواته، وانتهَك دين الله وحُرماته، أنه يلتحق بالمطهَّرين المقدَّسين، ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه، ليس معه تقوى ولا عمل صالح”.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ” كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ” فالمعنى : هناك جملتان صغيرتان من ألفاظ الذكر (حَبِيبَتَانِ) أي: محبوب قائلهما عند الله تعالى كأشد ما يكون الحب، ومرضي عنه كل الرضا، ومقرب إليه غاية القرب، ومن واظب على هاتين الكلمتين ،مع اعتقاد معناهما ،والعمل بمقتضاهما ،ترقى في درجات القرب، حتى يصل إلى مقام الحب الإِلهي، فيكون من الذين يحبهم الله ويحبونه . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ” خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ” أي : هاتان الكلمتان المحبوبتان سهلتان ميسورتان على اللسان، ينطق بهما في خفة ويسر، ويجريان عليه دون مشقة أو عناء، لقلة حروفهما، وسلاسة ألفاظهما، وعذوبة كلماتهما ،وهما : ” ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ” أي ولكنهما على الرغم من صغرهما ،وخفتهما ،وسهولة جريانهما على لسان الذاكرين ، فهما ثقيلتان في ميزان الله تعالى، حيث يجاء بهاتين الكلمتين على صورة جسمين مضيئين مشرقين في أجمل صورة رأتها العين، فتوضعان في كفة الحسنات ،التي تسع ما بين المشرق والمغرب، وما بين السموات والأرض، فتملآنها وترجحانها على كفة السيئات ، وقد اختلف في قوله ” ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ” فقيل : الثقل حقيقة كما هو مذهب أهل السنة ،لكثرة الأجور المدخرة لقائلهما ،والحسنات المضاعفة للذاكر بهما ،فالموزون نفس الكلمات ،لأن الأعمال تتجسم ،وقيل : الموزون صحائفها ، لحديث البطاقة المشهور ، ووصف الكلمتين بالخفة والثقل ، لبيان قلة العمل ، وكثرة الثواب ،وفي هذا الوصف إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة ، شاقة على النفوس ،وهذه خفيفة سهلة عليها ، مع أنها تثقل في الميزان . وقد روي في الآثار أن عيسى عليه الصلاة والسلام سئل : ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف ؟ فقال : لأن الحسنة حضرت مرارتها ،وغابت حلاوتها ،فثقلت ،فلا يحملنك ثقلها على تركها والسيئة حضرت حلاوتها ،وغابت مرارتها ،فلذلك خفت عليك ،فلا يحملنك على فعلها خفتها ، فإنما بذلك تخف الموازين يوم القيامة وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ” سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ » ، أي هاتان الكلمتان هما : ” سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ” لأن سبحان الله تملأ نصف الكفة، والحمد لله تملأ نصفها الثاني، فتثقلان الميزان، وترجحان كفة الحسنات على كفة السيئات،
ومعنى ” سُبْحَانَ اللَّهِ” : أي : أنزه الله تنزيهاً كاملاً ،عن كل ما لا يليق به من النقائص والعيوب ، وقبيح الصفات، وكل ما يخطر بالبال من مشابهة المخلوقات، فهو المقدس في ذاته ،وصفاته ، وأفعاله، وأما قوله ” وَبِحَمْدِهِ” أي أنزّه الله عما لا يليق به حال كوني أصفه وأثني عليه بما هو موصوف به من صفات الكمال والجمال، فأجمع بين أمرين إثبات صفات الله تعالى، وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين ،فقوله :” سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ” هي جملة تأكيدية لقوله ” سبحان الله” ، وقد أتى بها لتأكيد التنزيه والتقديس ،الذي ضل فيه المشركون، ثم وصفه بالعظمة بعد وصفه بالحمد، ليجمع بين صفات الجمال ،من رحمة وإحسان، وصفات الجلال ،من عظمة وقدرة وقهر وسلطان.
أيها المسلمون
وهكذا يدفع النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين ويحثهم ويرغبهم إلى السمو النفسي ،والطهر القلبي ، والنور الرباني ،والصفاء الروحاني ،والتفاني ظاهرا وباطنا ،في تقديس الله تعالى وتنزيهه وتمجيده ،وتعظيمه ، وإجلاله . فيحثهم على مداومة ذكره تعالى ،بكلمتين خفيفتين على اللسان ، فلا يصعب على أحد ترديدهما ، ولكنهما ثقيلتان في الميزان ، وحبيبتان إلى الرحمن ، ويعم من يتقرب إليه بهما كل إكرام وتفضيل من الخالق على المخلوقين ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ . فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ،وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ .. سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويرشدنا هذا الحديث إلى : أولا : أن للأعمال والأقوال ثقلا وخفة ،يثقل منها ما كان خالصا لله ،ويخفّ ما شابه الرياء والغافلة، ولم يكن في حضور القلب وانتباهه. ثانيا : في الحديث الحث على المواظبة على هذا الذكر، والترغيب على ملازمته. ثالثا : في الحديث إثبات صفة المحبة لله تعالى. رابعا : في الحديث استحباب الجمع بين تنزيه الله – تعالى – والثناء عليه في الدعاء. خامسا : فيه بيان الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأمته الأسباب التي تُقربهم إلى الله، وتُثقل موازينهم في الدار الآخرة. سادسا : فيه إثبات الميزان، وجاء في بعض النصوص إثبات أن له كِفَّتين ، وإثبات وزن أعمال العباد. سابعا : فيه التنبيه على سَعة رحمة الله؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل. ثامنا : في الإشارة بخِفة هاتين الكلمتين على اللسان : أن التكاليف شاقَّة على النفس، ومن أجل ذلك ، قال رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم: « حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ » رواه البخاري تاسعا : فيه أن الله يحب بعض الكلام وبعض العمل أكثر من غيره . عاشرا : أنه لا بأس بالترغيب في العمل ببيان خفته، حتى ينشط الإنسان عليه، لقوله (خفيفتان على اللسان)، ومن ذلك أن الله تعالى لما أوجب الصيام قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ .. ) البقرة 183 ، 184، وذلك ليبين أنها أيام قليلة، ولهذا ينبغي للإنسان إذا خاطب الناس وحثهم على عمل صالح، أن يبين لهم خفته ،وسهولته، وعدم تكلفته على الإنسان،
الدعاء