خطبة عن (حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ .وحَقُّهُمْ عَلَيْهِ)
مارس 2, 2019خطبة عن حديث ( ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً)
مارس 2, 2019الخطبة الأولى ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (7) الاسراء
إخوة الإسلام
مع هذه الكلمات الجليلة والعظيمة من كتاب الله ، نعيش اليوم إن شاء الله لحظات طيبة ، نتدارس فيها كلمات ربنا ، ونتفهم معانيها ، ونجاهد أنفسنا بالعمل بما جاء فيها .وبداية : ماذا يقول علماء التأويل والتفسير فيها ؟ : ففي تفسير الوسيط لطنطاوي : يقول : إن أحسنتم – أيها الناس – أعمالكم ، بأن أديتموها بالطريقة التي ترضى الله – تعالى – أفلحتم وسعدتم ، وجنيتم الثمار الطيبة التي تترتب على هذا الإِحسان للعمل ، وإن أسأتم أعمالكم ، بأن آثرتم الأعمال السيئة على الأعمال الحسنة ، خسرتم وشقيتم وتحملتم وحدكم النتائج الوخيمة التي تترتب على إتيان الأعمال التي لا ترضى الله – تعالى – وقال الواحدي : المعنى : إن أحسنتم بفعل الطاعات فقد أحسنتم إلى أنفسكم من حيث إن ببركة تلك الطاعات يفتح الله عليكم أبواب الخيرات والبركات ، وإن أسأتم بفعل المحرمات أسأتم إلى أنفسكم من حيث إن بشؤم تلك المعاصي يفتح الله عليكم أبواب العقوبات .وقال آخرون : الآية خطاب لليهود ، وفيها يقول الله عز وجل لهم : إن أحسنتم بطاعتكم لله سبحانه كان ثواب طاعتكم لأنفسكم ، وإن أسأتم بمعصيته كان عقاب إساءتكم لأنفسكم ، لا يتعدّى الإحسان والإساءة إلى غيركم ،وفي التفسير الكبير للرازي قال : اعلم أنه تعالى حكى عنهم أنهم لما عصوا سلط عليهم أقواما قصدوهم بالقتل والنهب والسبي ، ولما تابوا أزال عنهم تلك المحنة وأعاد عليهم الدولة ، فعند ذلك ظهر أنهم إن أطاعوا فقد أحسنوا إلى أنفسهم ، وإن أصروا على المعصية فقد أساءوا إلى أنفسهم ،
أيها المسلمون
وقوله تعالى: ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (7) الاسراء ، فمما تقرَّر في العقول الفطنة، ورضيته النفوس المؤمنة : أن الإحسان إلى النفس حَسَنٌ مطلوبٌ ، وأن الإساءة إليها قبيحةٌ مذمومة . ومن أطاع الله وعمل صالحًا فقد أحسن إلى نفسه ، ومن عصى الله سبحانه فقد أساء إلى نفسه ، وهذا ما أخبرت عنه الآية ، في قوله تعالى : ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ﴾ فصلت 46، حيث نصَّت على أن هذا الحكم هو حكم عام ، لا يقتصر على قوم دون قوم ؛ إذ بيَّن فيه سبحانه سنَّة من سننه التي لا تتخلف ، وهي ( أن الجزاء من جنس العمل ) ، فيجازي كلاً على عمله حسبما تقتضيه الحكمة ، خيرًا على الخير ، وشرًّا على الشرِّ ، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ فصلت 46. قال الرازي : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ﴾ ، هو مثل ضربه الله للذين يغفرون ، ﴿ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ﴾ مثل ضربه للكفار الذين كانوا يقدمون على إيذاء الرسول والمؤمنين وعلى ما لا يحل ، فبيّن تعالى أن العمل الصالح يعود بالنفع العظيم على فاعله ، والعمل الرديء يعود بالضرر على فاعله ، وأنه تعالى أمر بهذا ، ونهى عن ذلك لحظ العبد ، لا لنفع يرجع إليه ، وهذا ترغيب منه في العمل الصالح ، وزجر عن العمل الباطل » . وقال أهل المعاني في قوله تعالى 🙁 إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (7) الاسراء، فهذه الآية تدل على أن رحمة الله تعالى غالبة على غضبه ، بدليل أنه لما حكى عنهم الإحسان أعاده مرتين ، ولما حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرة واحدة ، ولولا أن جانب الرحمة غالبٌ ، وإلاَّ لما كان ذلك » . وقال الطبري :« ولم يقل : وإن أسأتم ، أسأتم لها ؛ فكأنه تعالى أظهر إحسانه بأن أعاده مرتين ، وستر عليهم إساءته بأن لم يذكرها إلا مرة واحدة ، وكل ذلك يدل على أن جانب الحسنة راجح على جانب السيئة » ، فبين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من أحسن – أي بالإيمان والطاعة – فإنه إنما يحسن إلى نفسه ; لأن نفع ذلك لنفسه خاصة . وأن من أساء – أي بالكفر والمعاصي – فإنه إنما يسيء على نفسه . لأن ضرر ذلك عائد إلى نفسه خاصة . وقد بين القرآن الكريم هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة (7) ،(8) ، وقوله تعالى : ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ﴾ فصلت 46 ،وقوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) الروم (44) ، إلى غير ذلك من الآيات .
أيها المسلمون
وقوله تعالى 🙁 إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (7) الاسراء ، فما أجمل أن نقابل الإساءة بالإحسان ، فنحن بذلك أقوياء، وما أروعنا ونحن نقابل سوء الخلق بالخلق الكريم، فعندما نقابل الإساءة بالحسنة ،تصفو النفوس ،وتزول البغضاء، وحين نعفو ونصفح ،تزداد بذلك مشاعر الثقة بالنفس في دواخلنا. فالتحلي بصفة الاحسان للآخرين مطلب ضروري، وهو يدل على نبل الأخلاق، واعتراف بالفضل ،وعرفاناً بصنائع المعروف ،ورداً للجميل ،وقياماً بالواجب، واحتراماً للذات الإنسانية .فالإحسان إلى الآخرين عطاء بلا حدود ،وبذل بلا تردد : (من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس). وصفة الاحسان أعظم شأناً لضبط سلوك الفرد المسلم، فمن توشحها ،فله محبة من الله في الدنيا والآخرة، فالجنة غاية كل مؤمن موحد بربه ، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (195) البقرة ، ولعل الثمرة الحقيقية لأن تكون محسناً ما ذكره الرسول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه فيما روى حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علماً، أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته) صحيح الترغيب والترهيب للألباني . وإن ما يشعر به المحسن لغيره ،من فرح وبهجة ،عندما يصنع الاحسان لغيره ،ويرى أثره في إسعاد الآخرين ،وقبل هذا ما يناله من ثواب مرضاة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة ،كما وعد سبحانه في كتابه الكريم ، قال الله تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (56) الأعراف
أيها المسلمون
قوله تعالى 🙁 إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (7) الاسراء ، اعلموا أن الله خَلَقَ الناسَ على طبائع يختلف بعضُها عن بعض، وأرشدنا إلى المنهج الحكيم الذي رضيه لنا؛ لكي نعيش الحياةَ بسعادة وعافية وهدوء: مقابلةُ الإساءةِ بالإحسانِ هِي الحكمة الربّانية ، والوسيلة اللطيفة ،التي يمكن بها علاجُ كثير من المفاسد الاجتماعيّة ،التي تَنْخُرُ كيانَ المجتمع البشري ،وتُحَوِّل حياةَ أعضائه جحيمًا لا تُطَاق. ورغمَ ذلك فقد نجد بعضَ الناس قد جُبِلُوا على ما لا يمكننا إصلاحُه، فلا سبيلَ لنا معهم إلّا أن نصبر ونحتسب ونُفَوِّض الأمرَ إلى الله ،وقد كان نبينا –صلى الله عليه وسلم- يتحمل أخطاء الناس لآخر الحدود، ويتعامل معهم برفق ولين، ويظل في معاملته مع الناس – ولاسيّما المخطئين – ويملك قلوبهم بالعفو عنهم، ويتحمل الأذى في سبيل كسب قلوبهم والتأثير فيهم. جاءه –صلى الله عليه وسلم- أعرابي يستعينه في دية قتيل، فأعطاه النبي –صلى الله عليه وسلم- شيئًا، ثم قال له: «أحسنتُ إِليك؟». قال الأعرابي: لا، لا أحسنتَ ولا أجملتَ. فغضب بعض المسلمين وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار إليهم النبي –صلى الله عليه وسلم- أن كُفُّوا، ثم قام إلى منزله، ودعا الأعرابي إلى بيته، فقال له: «إنك جئتنا فَسَأَلْتَنَا فأعطيناك فقلتَ ما قلتَ» ثم زاده النبي –صلى الله عليه وسلم- مما وجده في بيته من المال، فقال: «أحسنتُ إليك؟». فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. فقال –صلى الله عليه وسلم-: «إنك كنتَ جئتَنا فأعطيناك، فقلتَ ما قلتَ، وفي نفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئتَ فقل بين أيديهم ما قلتَ بين يديّ؛ حتى يذهب عن صدورهم » . فلما جاء الأعرابي، قال –صلى الله عليه وسلم-: «إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال. وإنا قد دعوناه فأعطيناه، فزعم أنه قد رضي». ثم التفت إلى الأعرابي، وقال: «أكذلك؟». قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. فلما همَّ الأعرابي أن يخرج إلى أهله، أراد النبي منتهزًا الموقف أن يعطي أصحابه – رضي الله عنهم – درسًا في كسب القلوب وخطب ودّ الناس، فقال لهم: «إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها النـاس – يعنـي يركضون وراءها ليمسكوها – وهي تهرب منهم فزعًا، ولم يزيدوها إلا نفورًا. فقال صاحب الناقة: خَلُّوا بيني وبين ناقتي؛ فأنا أرفق بها وأعلم بها. فتوجّه إليها صاحبُ الناقة، فأخذ لها من قُشَام الأرض، ودعاها، حتى جاءتْ واستجابتْ، وشَدَّ عليها رحلَها، واستوى عليها. ولو أني أطعتُكم حيث قال ما قال، دخل النارَ» ( رواه البزّار). لقد ترك لنا –صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في كل من القول والفعل، ويكفينا أن نتأسّى به لحدّ مستطاع، فنساهم في تحويل المجتمع جنة غنّاء وروضة مزهرة مسكونة بكامل السعادة والهناء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (7) الاسراء ، فإن إساءة المسلمينَ إلى دِينهم وأنفسِهم بالغةُ الشدَّة، وقد تتابعت هذه الإساءات في الأعصار الأخيرة واتسع نطاقها، وفَشَت بين الخاصَّة والعامَّة جَهالات غَريبة بالدين، وجهالاتٌ أغرب بالحياة العامَّة، فإذا الأمَّة التي بقيت دهراً طليعة مَرموقة ترجع القهقرَي، وتلاحقها الهزائم، ويهونُ وجودها عليها وعلى الآخرين ، لأنها ما أحسنت العمل بحقائق دينها ولا أحسنت العمل بشؤون دنياها، فلم يكن بُد من مُواجهة هذه العقبى. ومن المؤسف أنَّ أقدام المسلمين زلزلت في ميادين عدة، فوَعْيُهم لكتاب الله وسنَّة رسوله ضعيف، وفقههم لظواهر الحياة وبَواطنها أضعف، وتوجيه الحياة وخبراتها ومَلكاتها لخدمة دينهم أشدُّ ضعفاً، وليس من العبادة انتظار نجدة من السماء لتغيير هذه الأحوال. فليس مُحسناً من تراه في نصف أعماله رديء التصرف غبي السلوك، وفي نصفها الآخر مجيداً، مستحب السيرة، بل بعيد أن يوجد هذا الصنف المختلط، فإنَّ الفضائل لا تتجزأ. فالإحسان أن نَقوم بها كافَّة على وَجهها المشروع، كما أثرت عن صاحب الرسالة، مُتحرِّين في صَلاتنا وزكاتنا وصيامنا وحَجِّنا أن نتأسَّى به، وأن نَلتزم سنته. وقد شرح القرآن الكريم أنَّ الإحسان بهذا الشمول طريق التمكين في الحياة، والاستيلاء على أزمتها، وملئها باليمن والبركة. وطرقُ الإحسانِ كَثيرةٌ، ولكن من يُطيقها؟ إنَّها تتطلب العزماتِ الشِّداد، والصبرَ الجميل، والهممَ البعيدة، والجهاد الدؤوب، وصاحب هذه الخصال أهلٌ لأن يَبْسُطَ الله عليه كَنَفه، ويلهمه رُشده، وأن يكون أبداً معه ولذلك جاءت الآيات تؤكد عناية الله به وصحبته له: قال الله تعالى : [إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ] {الأعراف:56}. وقال الله تعالى : [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] {النحل:128}. وقال الله تعالى : [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] {العنكبوت:69}. وقال الله تعالى : [وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الزُّمر:33-35}. والآية الأخيرة تفيد أنَّ المحسن ليس مَعْصوماً من الخطأ، ربما كان له ماضٍ تابَ منه، وربما سَاورته وساوس تجعله يلمُّ بما ليس من طبعه، ولكن الإشراق الذي يَغمر حياتَه بالنور لا يعتكر لغيمةٍ عَابرة، وفضل الله عليه أوسع وأجلُّ. ومن صور الإحسان التي استعرضناها آنفاً ندرك أنَّ أمَّتنا مُتخلِّفة ـ أفراداً وجماعات ـ في ساحِ الحياةِ الدنيا والأخرى على سواء، وأنَّها قد تزعمُ وتتمنَّى، بيدَ أنَّ سُنن الله في كَونه لا تَغْلبها المزاعم والأماني. ولا طريقَ لمجدِ الحياتين إلا أن تُباشر كلَّ عملٍ وهي تحسُّ أنَّ الله عليها شهيد، وأنَّها يجب أن تبلغ به مداه وفق ما شرع من وحي سَماوي، أو وفق ما وضع من قوانين طبيعية؛ وذاك معنى الحديث : (قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » متفق عليه
الدعاء