خطبة عن قوله تعالى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)
مارس 9, 2019خطبة عن حديث (قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ)
مارس 9, 2019الخطبة الأولى ( مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (34) :(36) مريم ، وقال الله تعالى:(وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ) (116) البقرة ، وقال الله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (88) :(95) (مريم)
إخوة الإسلام
في قوله تعالى : (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (35) مريم ، ينزه الله سبحانه وتعالى ذاته أن يكون له ولد ، فقال وقوله الحق : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) ، أي: ما يصح ،وما يستقيم ،وما يتصور في حقه- تعالى- أن يتخذ ولدا، لأنه سبحانه منزه عن ذلك، ولأن الولد إنما يتخذه الفانون للامتداد، ويتخذه الضعفاء للنصرة، والله- تعالى- هو الباقي بقاء أبديا، وهو القوي القادر الذي لا يعجزه شيء ، وفي قوله تعالى : ( مِنْ وَلَدٍ ) لتأكيد هذا النفي وتعميمه. ثم بين الله سبحانه وتعالى – ما يدل على غناه عن الولد ،والوالد ،والصاحب ،والشريك ، فقال الله تعالى : ( إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي: لا يتصور في حقه- سبحانه- اتخاذ الولد، لأنه إذا أراد قضاء أمر، فإنما يقول له: (كُنْ)، (فَيَكُونُ) في الحال، بدون تأخير أو تردد. فالآيات التي تبين وحدانية الله سبحانه وتعالى ،من خلال القرآن الكريم ،هي نفسها نافية بمفاهيمها ولوازمها لألوهية المسيح عليه السلام، وبعضها بمنطوقها، وكذا ما جاء في التوراة والأناجيل حول وحدانية الله، إلا أن النصارى كثيراً ما يجادلون بالباطل ويتعسفون الأدلة ويؤولونها وفق أهوائهم، فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن قولهم : (اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً ) ، وقولهم : (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) ، وقولهم : (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) ، أن هذا ادعاء خطير ، وقول مستقبح ، ومستنكر، وممقوت، ولقد عالج القرآن الكريم هذه المسألة علاجا واسعا ، علاجا اشترك فيه كل أجناس الكون ، السماوات والأرض والجبال وغيرها من خلق الله ، والتي تلعن كل من قال ذلك ، بل وتكاد شعورا منها بفداحة الجريمة ،أن تنفطر السماء أي : تسقط قطعا صغيرة ،وتنشق الأرض :أي تتمزق، وتخر الجبال أي : تسقط كتراب ، كل هذا من هول ما قيل ،ومن كذب ما قيل ، لأن هذا الادعاء افتراء على الله، فقال الله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) مريم (88) : (91) ،
والسؤال الذي يطرح نفسه : ما هي الشبهة التي جعلتهم يقولون :(اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً) ، ويقولون (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) ،ويقولون (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) وغيرها ، وغيرها من الأقاويل الباطلة ؟ ، وما الذي جعلهم يلجأون إلي هذا الافتراء؟ يقول بعضهم : القرآن يقول عن عيسى :(وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء 271. فنقول لهم: إن المقصود بقوله تعالى :(وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء 271، هي كلمة ” كُن “. فلماذا فتُنتم في عيسى ابن مريم هذه الفتنة؟ والله سبحانه وتعالى يشرح المسألة فيقول: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (59) آل عمران وقوله تعالى : (كَمَثَلِ آدَمَ ) لمجرد مجاراة الخصم ، ولكن المعجزة في آدم أقوى منها في عيسى عليه السلام ، فأنتم فتنتم في عيسى لأن عنصر الأبوة ممتنع ، وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة ، إذن فالمعجزة أقوى ، وكان الأولى أن تفتنوا بآدم بدل أن تفتنوا بعيسى ، ومن العجيب أنكم لم تذكروا الفتنة في آدم وذكرتم الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم ، وكان من الواجب أن تنسبوا هذه القضية إلي آدم ولكنكم لم تفعلوا. وفي قوله تعالى : (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ) (116) البقرة، ففي قوله تعالى: (بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ) (116) البقرة ، فهي تبين وتقرر أن الله سبحانه وتعالى له الملكية لكل ما في الكون ، والملكية تنافي الولدية ، لماذا؟ لأن الملكية معناها أن كل ما في الكون من خلق الله ، وأن كل شيء هو خالقه بدون معارض ، ومادام هو خالقه وموجده ، فلا يمكن أن يكون هذا الشيء جزءا منه ، لأن الذي يخلق شيئا يكون فاعلا ، والفاعل له مفعول ، والمفعول لا يكون منه أبدا . فهل رأيت واحدا صنع صنعة منه؟ فالذي يصنع سيارة مثلا ، هل صنعها من لحمه ،أو من لحم البشر؟ وكذلك الطائرة والكرسي والساعة والتليفزيون ، وغيرها ، وغيرها :هل هذه المصنوعات من جنس الذي صنعها؟ الاجابة : لا. ولذلك جاء التعقيب على الكلام ، قول الله: ” سُبْحَانَهُ ” .. أي تنزيه له تبارك وتعالى ، لماذا؟ لأن الولد يتخذ لاستبقاء حياة والده التي لا يضمنها له واقع الكون ،فهو يحمل اسمه بعد أن يموت ويرث أملاكه ، إذن فاتخاذ الولد هو من أجل بقاء نوعه ،
والواقع يقول : إن وجود ولد بالنسبة للإله لم يعطه مظهرا من مظاهر القوة أو البقاء ، أو ضمان للحياة ، لأن الله تعالى هو الذي خلق الحياة ،وهو الذي يهبها ،وهو حي لا يموت ، فما هي حاجته لأي ضمان للحياة؟ فهو جل جلاله له كمال الصفات أزلا ، وبكمال صفاته خلق هذا الكون وأوجده ، لذلك فهو ليس في حاجة إلي أحد من خلقه ، لأنه ساعة خلق كانت له كل صفات القدرة على الخلق ، بل قبل أن يخلق كانت له كل صفات الخالق ،وبهذه الصفات خلق ، فالله سبحانه وتعالى كان خالقا قبل أن يوجد من يخلقه ، وكان توابا قبل أن يوجد من يتوب عليه ، وبهذه الصفات أوجد ،وخلق ،ورزق ،وقهر ،وتاب على خلقه، وفي الحديث القدسي: (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ». رواه مسلم ، فالله سبحانه منزه عن التماثل مع خلقه ، لا بالذات ولا بالصفات ولا بالأفعال ، وكل شيء تراه في الوجود فالله منزه عنه ، وكل ما يخطر ببالك ،فالله خلاف ذلك . وفي قوله تعالى: (بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ) (116) البقرة ، فتلك قضية تناقض اتخاذ الولد ،لأن كل ما في السماوات والأرض خاضع لله .وقوله تعالى؛ ( كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) ، أي خاضعون، وهذا يؤكد لنا أن الكون كله في قبضة الله ، وهو خاضع مستجيب ، اختيارا أو قهرا ، فلله الأمر ، من قبل ومن بعد .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد تتابعت آيات القرآن الكريم لترد على هذه الشبهات ، وتدحض هذه الافتراءات ، وتبين أن عيسى عليه السلام عبد من عباد الله ، ونبي من أنبيائه المقربين ، ورسول من رسل الله المصطفين ، فقال الله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [المائدة: 75]. يقول ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) ، فيقول : (وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية؛ لحاجة الآكل إلى ما يدخل في جوفه ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلات). كما بين الله تعالى في القرآن كيفية ولادة عيسى بياناً شافياً ،فقال الله سبحانه وتعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) (16): (21) مريم – فلما قال لها جبريل (عليه السلام ) ذلك ،استسلمت لقضاء الله ،فنفخ جبريل في جيب درعها ،قال الله تعالى : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) (22) ،(23) مريم – ثم ساق الله تعالى لمريم الماء والطعام ، وأمرها أن لا تكلم أحداً ، قال الله تعالى : (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (24) :(26) مريم – ثم جاءت مريم إلى قومها تحمل ولدها عيسى .. فلما رأوها أعظموا أمرها ،واستنكروه، فلم تجبهم ، وأشارت لهم : اسألوا هذا المولود يخبركم ، قال الله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (27) :(29) مريم – فأجابهم عيسى على الفور ،وهو طفل في المهد .. (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (30) :(33) مريم
ذلك خبر عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، ولكن أهل الكتاب اختلفوا فيه ، فمنهم من قال هو ابن الله ، ومنهم من قال هو ثالث ثلاثة ، ومنهم من قال هو الله ، ومنهم من قال هو عبد الله ورسوله وهذا الأخير هو القول الحق قال تعالى .. (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (34) :(37) مريم
الدعاء