خطبة عن (من ثمرات الصدق ومنازل الصادقين)
مارس 16, 2019خطبة حول قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)
مارس 23, 2019الخطبة الأولى ( وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (115) هود
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، فيقول علماء التأويل : قال أبو جعفر( الطبري ) : يقول تعالى ذكره: واصبر ، يا محمد ، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه ، رجاءَ جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره ، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه. ويقول (طنطاوي) : واصبر أيها الرسول الكريم أنت ومن معك من المؤمنين على مشاق التكاليف التي كلفكم الله – تعالى – بها ، فإنه – سبحانه – لا يضيع أجر من أحسن عملا ، بل موفى الصابرين أجرهم بغير حساب . ويقول السعدى : أي: احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر. { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ْ} بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيب عظيم، للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت .
أيها المسلمون
ففي قوله تعالى : (وَاصْبِرْ ) : فيه أمر بالصبر : والصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد. والصبر عبادة الضراء، وعدة المسلم حين نزول البلاء، وزاد المؤمن حين وقوع الابتلاء. هو الطاقة المدخرة في السراء، والحبل المتين في الضراء، والصبر تبدو مرارته ظاهرة، ويصعب الاستشفاء به عند الضعفاء، لكن مرارته تغدو حلاوة مستقبلاً، ويأنس به رفيقاً الأقوياء. لذا قال القائل : وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم … ويكبر في عين الصغير صغيرها وتصغر في عين العظيم العظائم … وجعل الله الصبر جواداً لا يكبو، وفارساً لا ينبو، وجنداً لا يهزم، وحصناً حصيناً لا يهدم،
أما عن مجالات الصبر في القرآن الكريم ، فأولها : أ – الصبر على بلاء الدنيا: فلقد أخبرنا الله تعالى بطبيعة الحياة الدنيا، وأنها خلقت ممزوجة بالبلاء والفتن فقال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد 4 أي في مشقة وعناء، وأقسم على ذلك بقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة 155، ب – الصبر على مشتهيات النفس: وهو ما يسمى بالسراء فإن الصبر عليها أشد من الصبر على الضراء، قال بعضهم: ( البلاء يصبر عليه المؤمن ، والعافية لا يصبر عليها إلا صِدِّيق )، وقال عبد الرحمن بن عوف: “ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر” ، ج – الصبر على طاعة الله تعالى: فإن الصبر على طاعة الله أعظم مجالات الصبر وهو لذلك أشدها على النفوس وقد جاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها فقال تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مريم 65، وقال تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه 123،
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله تعالى : (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (115) هود ، فالإحسان الإتيان بالمطلوب شرعا على وجه حسن ، والإحسان بذل المعروف لعباد الله من قول أو فعل أو مال أو جاه ،وهو فعل ما هو حسن وجميل، وترك ما هو سيء وقبيح. وحقيقة الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وأن تبذل ما تستطيعه من النفع والخير للبلاد والعباد. فالإحسان من أفضل منازل العبودية؛ بل هو حقيقتها ولبها وروحها وأساسها ، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه “مدارج السالكين”: (منزلة الإحسان هي لب الإيمان وروحه وكماله). فالمسلم مأمور بالإحسان في كل صغيرة وفي كل كبيرة؛ وفي كل قول وفي كل فعل، وفي كل أخذ وفي كل عطاء. أنت مأمور بالإحسان في فعل الواجبات؛ بأن تؤدِّيَها على وجه الكمال في واجباتها، وتجتهدَ في مستحبّاتها ، وأنت مأمور بالإحسان في ترك المحرّمات، بالانتهاء عن ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: ﴿ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ [الأنعام : 120] ، وأنت مأمور بالإحسان في معاملتك لكلِّ مخلوق؛ من إنسان أو حيوان ، وأيضا من صور الإحسان في حياتنا : 1-الإحسان في العبادة: قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ( العنكبوت: 69). 2-الإحسان إلى الوالدين: قال الله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ( النساء:36). وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ « أُمُّكَ ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ ». 3-الإحسان إلى الأزواج: أ-إحسان الزوج إلى زوجته: قال الله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء:19). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا ». رواه الترمذي ، وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ » (متفق عليه). ب- إحسان الزوجة إلى الزوج: قال الله تعالى: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } (النساء:34). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ” (متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم: « أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ » (رواه الترمذي). 4- الإحسان إلى البنات : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ». وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. (رواه مسلم).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور الاحسان : الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم : عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ » (متفق عليه). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ». وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. (رواه مسلم). ومن صور الاحسان : الإحسان إلى الجار :قال الله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ } (النساء:36). وعَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ » (متفق عليه). ومن صور الاحسان : الإحسان إلى الخدم : فقد روى البخاري (عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ » ، ومن صور الاحسان : الإحسان إلى عامة الناس : قال الله تعالى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (آل عمران134).
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (115) هود ، فجزاء الصابرين لن يضيع أبدا ، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، ، فإحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن 60، ومعيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل 128، ومحبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة 195، وحُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران 148، وأجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يونس 26،
الدعاء