خطبة عن قوله تعالى (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)
نوفمبر 10, 2018خطبة عن (صور من تواضع الرسول)
نوفمبر 10, 2018الخطبة الأولى ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ » . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا . قَالَ « ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث والهدي النبوي، والذي يرشدنا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما يحفظ على الأمة الاسلامية عفتها وطهارتها ، وسلامتها من كل رزيلة فيقول صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ » . فالإسلام جاء لحفظ الضروريات الخمس ومنها : حفظ النسل : فصان الاسلام العرض ،وحماه بمنع اختلاط الأنساب ،ومنع الفاحشة المؤدية إلى ذلك ، فقال الله سبحانه: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ﴾ [الإسراء:32] . وفي سنن أبي داود والبيهقي : (عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ : « يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا ». وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ ). ولما كان للزنا وسائله وذرائعه ، فقد حرم الاسلام كل وسيلة موصلة إليه ، فوسائل المحرمات والمعاصي يكون حكمها في المنع والكراهية بحسب إفضائها إلى غاياتها ،فإذا حرم الله تعالى شيئاً فإنه يحرم طرقه ووسائله التي تفضي إليه وذلك سداً للذرائع المفضية إلى المحارم ، ومن هذه الذرائع التي قد تفضي إلى الزنا ووقوع الفاحشة : الخلوة بالأجنبية ، فق ثبت في هذا الحديث وفي غيره أنه صلى الله عليه وسلم، منع الخلوة بالأجنبية ومن في حكمها ،وذلك سداً لذريعة ما يخشى منه من الوقوع في الفتنة ،وحسماً لمادة وسائل الفساد ،ودفعاً لها ،متى ما كان الفعل وسيلة للمفسدة ، وإن كان فيها سالماً من فترة من الفترات. والمراد بالخلوة المحرمة: الانفراد ،بحيث يقع الاحتجاب عن الأنظار، أما الخلوة بدون احتجاب فلا مانع منها خصوصا عند الحاجة، فقد جاء في صحيح البخاري:( أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَخَلاَ بِهَا فَقَالَ « وَاللَّهِ إِنَّكُنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ » ، فخلوه صلي الله عليه وسلم بهذه المرأة إنما كان في بعض السكك ،وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا ، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها ولا ما دار بينهما من الكلام . ومحل التحريم المذكور ما لم تلجئ إلى الخلوة ضرورة وإلا عمل بمقتضاها كما يدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك بل ربما تكون الخلوة بالأجنبية واجبة في حال الضرورة، كمن وجد امرأة أجنبية منقطعة في برية، ويخاف عليها الهلاك لو تركت . ولو نظرنا إلى واقعنا اليوم لرأينا أن النساء المصاحبات لمحارمهن أكثر حشمة ووقاراً، بل تمتنع نظرات الغير من متابعتهن فضلاً عن ملاحقتهن ومطاردتهن، بخلاف النساء اللاتي يتجولن في الأسواق بدون محارم . وَيبين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة الخلوة بين المرأة والرجل الاجنبي ، ففي مسند أحمد وغيره : يقول صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ». وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ». وفي الصحيحين : (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ » ، وقال النووي رحمه الله: ” وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء.. وكذا لو كان معهما من لا يستحيى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم” ، فإن كانا بحضرة من هو من جنس أحدهما واحدا أو متعددا، وليس محرما بأن خلا الرجل بأجنبيات أو خلا عدد من الرجال بامرأة ففي جواز تلك الخلوة ومنعها اختلاف ، والمشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالباً؛ لأن النساء يستحيين من بعضهن بعضاً في ذلك” ، ويدخل في ذلك: خَلوة المرأة مع السائق في البيت أو غيره، وخَلوة صاحب المنزل أو أحد أفراد الأسرة من الأبناء وغيرهم بالخادمة، وكثيرًا ما يقع الشر والفساد بسبب التساهل في ذلك. فليس للرجل أن يخلو بالمرأة، لا في مكتب، ولا في سيارة، ولا في غرفة، بل يجب عليه أن يحذر ذلك؛ لأن الشيطان قد يدعو إلى ما لا تحمد عقباه
أيها المسلمون
ومن الاحكام التي شرعها الاسلام للحفاظ على المرأة المسلمة وصيانة عرضها وكرامتها منعها من السفر بدون محرم أو زوج، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر إلا مع محرم لها أو مع زوجها، وخاصة إذا كان يخشى عليها الفتنة في سفرها ، فهذا سفر محرم باتفاق أهل العلم ،وليس الأمر متوقفاً على السفر، بل يضاف إلى ذلك الإقامة في ذلك البلد ، والسكن مع عائلة أجنبية، ولا شك أن في ذلك مفاسد كثيرة على دين المرأة وخلقها . وقد ثبتت أدلة كثيرة تدل على حرمة سفر المرأة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها، والمحرم هو: من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم ،فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خروج المرأة أو سفرها بدون محرم ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ » ، وفي صحيح مسلم : (أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعًا فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَاقْتَصَّ بَاقِيَ الْحَدِيثِ). فالسفر الذى لا بد للمرأة فيه من محرم فإنه يحدد بالمسافة أو بالمدة التي يتوقع أنها تكون في خطر إذا لم يكن معها محرم . ومن الاحكام التي شرعها الاسلام للحفاظ على المرأة المسلمة وصيانة عرضها وكرامتها ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الدخول على المغيبات ، ففي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى صَالِحٍ قَالَ اسْتَأْذَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى فَاطِمَةَ فَأَذِنَتْ لَهُ قَالَ ثَمَّ عَلِىٌّ قَالُوا لاَ. قَالَ فَرَجَعَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ ثَمَّ عَلِىٌّ قَالُوا نَعَمْ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ حِينَ لَمْ تَجِدْنِي هَا هُنَا قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَانَا أَنْ نَدْخُلَ عَلَى الْمُغِيبَاتِ) . وفي رواية : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ،قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تَلِجُوا عَلَى الْمُغِيبَاتِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ ». ومن الاحكام التي شرعها الاسلام للحفاظ على المرأة المسلمة وصيانة عرضها وكرامتها حُرْمَةِ لَمْسِ الأْجْنَبِيَّةِ ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ عَجُوزًا لاَ تُشْتَهَى فَلاَ بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ ، ففي الصحيحين : أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ. غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلاَمِ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أشد ما ينهى عنه من الخَلوة: خَلوة المرأة بأقارب زوجها؛ كأخيه وابن عمه وابن خاله؛ ولذلك شدَّد فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ . قَالَ « الْحَمْوُ الْمَوْتُ »، قال الليث بن سعد – رحمه الله -: الحمو: أخو الزوج، وما أشبهه من أقارب الزوج؛ ابن العم ونحوه ، فقد جرت العادة بالتساهل في دخول أقارب الزوج ، فيخلو الأخ بامرأة أخيه، ولذلك شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالموت ،فهو أولى بالمنع من الأجنبي، فإن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره، والشر يتوقع منه أكثر من غيره، والفتنة به أمكن، لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة بها من غير نكير عليها، بخلاف الأجنبي. وكان السلف الصالح رحمهم الله تعالى – على علمهم وورعهم وصلاحهم – لا يتساهلون في الخَلْوة بغير محارمهم، ويحذَرونها على أنفسهم، وتدبَّر ما قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه – وهو من أكابر الأنصار رضي الله عنهم – ينصح الناس وقد كبِرَتْ سِنُّه رضي الله عنه قال: (ألا تروني لا أقوم إلا رفدًا، ولا آكل إلا ما لوق (يعني: لين وسخن)، وقد مات صاحبي منذ زمان (يعني ذَكَره)، وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي وأن لي ما تطلع عليه الشمس؛ مخافة أن يأتي الشيطان فيحركه ، وقال ميمون بن مهران: قال لي عمر بن عبدالعزيز: يا ميمون بن مهران، إني أوصيك بوصية فاحفظها: إياك أن تخلو بامرأة غير ذات محرم، وإن حدثتك نفسك أن تعلمها القرآن ، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: ما أَيِسَ الشيطانُ من شيء إلا أتاه من قِبَل النساء، ثم قال وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما شيء أخوف عندي من النساء ،وقال أيضًا: ما خفت على نفسي شيئًا مخافة النساء، فقيل له: يا أبا محمد، إن مثلك لا يريد النساء، ولا تريده النساء! فقال: هو ما أقول لكم،
الدعاء